في خضمّ مأساة الهجوم الإرهابي الذي استهدف احتفالات حانوكاه في شاطئ بوندي بسيدني، سطعت قصة بطولة استثنائية لفتاة في الرابعة عشرة من عمرها، تشايا دادون. هذه القصة، التي تجسد الشجاعة والتضحية، تثير مشاعر الإعجاب والتقدير، وتُذكّرنا بقوة الروح الإنسانية في مواجهة الشر. تتناول هذه المقالة تفاصيل تلك اللحظات الحرجة، وتُسلط الضوء على بطولة تشايا دادون، وكيف تحولت فتاة عادية إلى ملاك حارس لحماية الأبرياء.
تفاصيل الهجوم المروع في بوندي
في التاسع عشر من ديسمبر، اهتز شاطئ بوندي في سيدني بهجوم مسلح مروع، حين أطلق مسلحان النار على جمع غفير من الناس يحتفلون بعيد الأنوار اليهودي، حانوكاه. أسفر الهجوم عن مقتل 15 شخصًا وإصابة العشرات، ليُشكّل بذلك أسوأ حادث إطلاق نار جماعي تشهده أستراليا منذ ما يقرب من ثلاثة عقود.
وصف المسؤولون الهجوم بأنه عمل إرهابي، وذكروا أنه يُعتقد أنه استلهم من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). الشرطة ألقت القبض على المتهمين، وهما ساجد أكرم (50 عامًا) وابنه نافيد (24 عامًا). حيث قُتل ساجد أكرم برصاص الشرطة في مكان الحادث، بينما وُجهت إلى نافيد 59 تهمة، بما في ذلك القتل والإرهاب.
لحظة اتخاذ القرار: بطولة تشايا دادون
وسط الفوضى والرعب، أظهرت تشايا دادون شجاعة نادرة. بينما كانت تختبئ تحت مقعد، لاحظت وجود طفلين عالقين في العراء بالقرب من والديهما المصابين. في تلك اللحظة، شعرت تشايا بأن قوة إلهية توجهها.
“شعرت وكأن الهاشم (اسم عبري لله) يجلس بجانبي تمامًا”، قالت تشايا في مقابلة مع وكالة رويترز. “كان يهمس في أذني: ‘هذه مهمتك، أنقذي هؤلاء الأطفال’.”
دون تردد، تركت تشايا مكان اختبائها، وسحبت الطفلين إلى بر الأمان، ثم قفزت فوقهما لحمايتهما بجسدها. في خضم ذلك، أصيبت تشايا بطلق ناري في الفخذ. لكنها لم تستسلم، واستمرت في حماية الأطفال، وهي تردد صلاة “شيما” اليهودية.
“عرفت أنني أصبت، لكنني لم أكن قلقة على الإطلاق. ركزت كل طاقتي على القوة، وتأكدت من أنني يجب أن أكون هناك من أجل هؤلاء الأطفال”، أضافت تشايا. “لو كان بإمكاني التضحية بحياتي لإنقاذ هؤلاء الأطفال، لفعلت ذلك.”
التعافي والتقدير: قصة ملهمة
لحسن الحظ، تمكن والد تشايا من العثور عليها وإحضارها للمساعدة الطبية. وذكر والدها لاحقًا أنه وجدها تحتضن الطفلة والطفل، وهي تقبلهما. قضت تشايا أربعة أيام في مستشفى سيدني للأطفال قبل أن تتمكن من العودة إلى المنزل يوم الخميس.
تستخدم تشايا الآن عكازات للمشي، وقد زينتها بملصقات تخليدًا لذكرى القتلى. وعلى الرغم من أنها لم تلتقِ بالأطفال الذين أنقذتهم بعد، إلا أنها تأمل في التواصل معهم مرة أخرى.
تؤكد تشايا أن ما فعلته ليس بطولة فردية، بل هو تعبير عن روح التضامن والشجاعة التي أظهرها الجميع في ذلك اليوم. “لا أشعر أنني بطلة. أشعر أن الجميع كانوا أبطالًا في ذلك الموقف”، قالت. وتضيف: “لقد كنت أذهب إلى هذا الحدث طوال حياتي. إنه عادةً ما يكون حدثًا رائعًا للغاية.”
تأثير الهجوم وتعزيز الوحدة المجتمعية
على الرغم من المأساة، فإن قصة بطولة تشايا دادون وغيرها من قصص الشجاعة التي ظهرت بعد الهجوم، تُظهر قوة الروح الإنسانية وقدرتها على التغلب على الصعاب. تؤمن تشايا بأن هذا الحادث سيجعل المجتمع اليهودي أكثر قوة وتماسكًا.
“حتى لو لم يتمكنوا من رؤية ذلك الآن، فإن الجميع سيصبحون أقوى لأنني أشعر حقًا بأن الجميع خضعوا للاختبار في ذلك الموقف”، أوضحت. هذا الحدث يذكرنا بأهمية التضامن المجتمعي في مواجهة الكراهية والعنف.
الخلاصة: إرث من الشجاعة والأمل
تبقى بطولة تشايا دادون رمزًا للأمل والإلهام في أعقاب هذه المأساة. قصتها تذكرنا بأن الشجاعة يمكن أن تأتي من أي شخص، بغض النظر عن العمر أو الخلفية. إن تضحيتها وبسالتها تجسدان أفضل ما في الإنسانية، وتُظهر أن الحب والرحمة يمكن أن ينتصرا على الكراهية والعنف.
هذا الهجوم الإرهابي المؤلم يمثل تحديًا للمجتمع الأسترالي بأكمله، ولكنه أيضًا فرصة لتعزيز الوحدة والتضامن، والتأكيد على قيم التسامح والاحترام المتبادل. دعونا نتذكر دائمًا بطولة تشايا دادون وقصص الشجاعة الأخرى التي ظهرت في هذا اليوم المظلم، لكي نلهم أنفسنا والآخرين لبناء مستقبل أكثر سلامًا وعدلاً للجميع.
