فجأة، وبعد مرور أكثر من أسبوع على انتهاء قمة قرطاج الثلاثية بين رئيسي الجزائر وتونس ورئيس المجلس الرئاسي الليبي، وكالة الأنباء الجزائرية وأعلن أن القمة التي توجت بإعلان قرطاج، انعقدت لتأسيس مقاربة جديدة تنتقل بموجبها المنطقة المغاربية “من الشعارات إلى الأفعال”. لقد كانت “الخطوة الأولى نحو إنشاء تحالف شمال إفريقيا، الذي ستنضم إليه موريتانيا يوما ما”.

وحرص البيان الجزائري على تأكيد أن التحالف الجديد، أو بالأحرى الكتلة الإقليمية الثلاثية الجديدة، تم تشكيلها للتعويض عن “إعلان الوفاة السريرية لاتحاد المغرب العربي”. ولم يتردد البيان في تحميل المملكة المغربية المسؤولية الفعلية عن إنهاء الأخير، لكنه لم يحدد طبيعة هذه الكتلة الجديدة أو مكوناتها أو أركانها أو أي شيء آخر غير ذلك. بل تحدثت عن أهمية ثقلها وقوتها الإقليمية، إذ «لا يمكن للاتحاد الأوروبي ولا الاتحاد الأفريقي أن يغض الطرف عن تطلعات الشركاء الثلاثة، نظرا لموقعهم الجغرافي والموارد التي يفتخرون بها، وبالنظر إلى قوة هذه الكتلة المترابطة. ناهيك عن الدول التي تتدخل في شؤون الآخرين، والتي لن يعجبها هذا العمل الجماعي الذي يجسد السيادة”. وكانت هذه إشارة واضحة إلى المغرب.

إن أي خطوة عربية لبناء تكتل إقليمي حقيقي بين الدول العربية، سواء في غرب المنطقة أو شرقها، سيكون لها تأثير إقليمي إيجابي، شرط أن تخدم مصالح الدول العربية. وهذا مستبعد بحسب المعطيات الحالية بناء على تجارب الكتل السابقة، ولذا يصعب الاعتماد على التحالف الذي نشأ في قرطاج كبديل إقليمي استباقي، نظرا لافتقاره إلى المقومات والظروف اللازمة لذلك.

ولم يكن اللقاء بين الجزائر وتونس وليبيا أكثر من مناورة سياسية دفعت بها الجزائر بهدف إزعاج المغرب

وينشأ هذا من العداء بين القادة السياسيين في الرباط والجزائر العاصمة والذي يعود تاريخه إلى الستينيات. ومن هنا، لم تكن هناك استراتيجية واضحة للتحالف أو حتى التقارب، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، لبناء تحالف إقليمي جديد بين الدول الثلاث، خاصة في ظل تدهور الأوضاع في كل منها على مختلف المستويات، حيث يحاول الرئيس التونسي قيس سعيد ليبحث عن منقذ خارجي من حالة الركود وعدم وجود أفق واضح يحدده الوضع الداخلي لبلاده. هذا بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها تونس. في هذه الأثناء، تشهد ليبيا منذ سنوات صراعاً مسلحاً بين أطراف مدعومة من الخارج، ولا يمكن أن يكون فعالاً حقاً في أي كتلة إقليمية ما دام الانقسام بين طرابلس وبنغازي مستمراً.

يقرأ: الجزائر تضغط من أجل عضوية فلسطين في الأمم المتحدة؛ يحث على حل الدولتين

ومن الصعب وضع أي خطوة إقليمية يقوم بها المغرب أو الجزائر خارج سياق الخصومة بينهما. ويحاول كل منهما إنهاك الآخر وعزله عن بقية العالم العربي. وتؤثر هذه القضية حتى على عالم الرياضة. كان من الرائع رؤية فريق كرة القدم المغربي نهضة بركان يسافر إلى الجزائر مؤخرًا للعب ضد اتحاد الجزائر في نصف نهاية كأس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم. إلا أن المباراة لم تقام لأن الفريق المغربي خطط لارتداء قمصان تحمل خريطة المغرب التي تشمل الصحراء الغربية، التي تعتقد الجزائر أنها جمهورية مستقلة. وصادرت السلطات الجزائرية القمصان في المطار، فلم تقام المباراة.

منذ أن قطعت الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب عام 2021 وأغلقت مجالها الجوي أمام الطيران المغربي، تتحدث الجزائر عن “استفزازات المغرب”، فيما تشكو الرباط من “روح تصعيدية غير مبررة” لدى القيادة الجزائرية، مع تبادل مختلف الاتهامات من خلال وسائل الإعلام. ويلقي كل منهما باللوم على الآخر في توتر العلاقات بينهما.

ويمكن النظر إلى الكتلة الثلاثية الجديدة على أنها رد جزائري على مبادرة المغرب الأطلسية، التي رعتها الرباط أواخر العام الماضي وتضم دول الساحل الإفريقي مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد. ويهدف المغرب إلى تشكيل تكتل إفريقي جديد لبناء شراكات اقتصادية ومشاريع تنموية، فضلا عن التوصل إلى تفاهم حول مشروع خط أنابيب الغاز بين نيجيريا والمغرب، والذي يعتبر بمثابة تعويض عن قطع خط أنابيب الغاز الجزائري إلى إسبانيا عبر المغرب.

وليس من قبيل المبالغة القول إن الكتل العربية، سواء في المغرب العربي أو في المشرق، والتي لم يتجاوز بعضها مجرد إعلان النوايا، تمثل لغزا إذا ما قورنت بالكتل الإقليمية الأخرى حول العالم. ليس هناك الكثير لنتحدث عنه فيما يتعلق بأدائهم وإنجازاتهم أثناء وجودهم. وقد لا تكون هناك مجموعات أخرى كثيرة من دول الجوار تشترك في عناصر مشتركة، مثل اقتصادها وتاريخها وثقافتها ولغتها، مثلما تفعل الدول العربية، لكن ذلك لم ينعكس على إنجازات هذه الكتل على المستوى السياسي. التكامل أو التعاون الاقتصادي والتجاري. فالاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، لا يملك إلا القليل من العناصر المشتركة التي تتمتع بها الدول العربية، إن وجدت، ولكنه لا يزال يتمتع بالعديد من الإنجازات التي يمكن أن يتباهى بها.

المشكلة تكمن في طبيعة الأنظمة السياسية العربية. تركز الأنظمة العربية على المصالح الضيقة لقادتها، على حساب مصالح الشعوب، وهي تعيش في ظل انعدام كبير للثقة بين بعضها البعض، مما ينعكس سلبا على الدول العربية. كما يرفضون القبول بأية قيود على سياساتهم ومواقفهم وأدوارهم التي قد تخدم مصلحة الكتل والاتحادات، بحجة الحفاظ على سيادتهم الوطنية.

يقرأ: أصبحت الصحافة مهنة محفوفة بالمخاطر في تونس

مترجم من العربي الجديد 7 مايو 2024

الآراء الواردة في هذا المقال مملوكة للمؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لميدل إيست مونيتور.

شاركها.