السؤال الأكثر إدانة الذي نسمعه هذه الأيام هو: أين العرب؟ وعادة ما يتبع ذلك إهانات للعرب. ولن أتطرق إلى علاقة المسلمين غير العرب بفلسطين، لأن ذلك يتطلب بحثا مختلفا وأكثر تعقيدا من ذلك المتعلق بالعرب.
أين العرب من إبادة الأمة العربية في فلسطين؟ كيف يمكن أن يحدث كل هذا والفلسطينيون محاطون بـ 400 مليون عربي؟ مثل هذه الأسئلة يكررها أصدقاؤهم بكل أسف وألم، ويرددها أعداؤهم باستهزاء لتثبيطهم.
والحقيقة أن العرب موجودون، ولولا العرب لاختفت قضية الشعب الفلسطيني منذ عام 1948، عام النكبة. صحيح أننا كنا نتمنى شيئاً أعظم من هذا، إلا أنه لولا تواجد الشعب العربي حول فلسطين، لكان الشعب الفلسطيني قد اختفى. لكانوا مهددين بالانقراض في عالم تحكمه القوة والاضطراب، وفي ظل الدعم الاستعماري اللامحدود لدولة الاحتلال التي أنشئت كـ«معقل» للحضارة ورأس الحربة الأميركية الأوروبية في خاصرة فلسطين. الوطن العربي .
ولم تغب القضية الفلسطينية عن أجندات أي من الأنظمة العربية سلبا أو إيجابا.
ومنهم من استغلها لمصالحه الخاصة؛ وقد استخدمه البعض كجسر للعمل لصالح الغرب؛ والبعض يعتبر نفسه الحامي الوحيد لفلسطين والقدس ولذلك ينبغي أن يكون المرجع. وفي كل الأحوال، لم تغب فلسطين. لماذا؟ ببساطة لأن الشعب العربي لم ييأس يوما من أن تكون فلسطين القضية العربية الأولى. وحتى عندما تخوض هذه الدول حروباً أهلية أو خارجية، فإن القضية الفلسطينية كانت حاضرة دائماً، وذلك لأن الشعب العربي ومعظم مثقفيه لم يتخلوا عن فلسطين.
يحاول الإعلام الصهيوني تصوير العرب كأعداء للفلسطينيين على المستوى الشعبي، ولهذا السبب يلاحقون الأفراد الذين يروجون من خلالهم لروايتهم. ومن هنا نرى صوراً لشخص يرتدي الكوفية الحمراء والبيضاء وهو يهاجم الفلسطينيين، يليه ذباب إلكتروني يؤيده وآخرون يعارضونه ويسبونه. ويظهر هذا الفرد أو عدد قليل من الآخرين وكأنهم يمثلون أمة عربية معينة، ولكنها صورة زائفة عن مشاعر الشعب العربي في هذه الدول تجاه الفلسطينيين وما يتعرضون له.
إسرائيل: وسيلة إعلامية تحذر من تأثير حرب غزة على الشباب في مصر
وهذا يشبه الوضع عندما يرى العرب من خارج فلسطين جندياً عربياً في جيش الاحتلال يدعو إلى قتل “المخربين” وآخر يشيد بإسرائيل وينتقد المقاومة، ويبدو لمن في الخارج أن هؤلاء “عرب إسرائيليون”. “. ويبدو الأمر كما لو أنهم جميعاً مثل ذلك الجندي العربي في جيش الاحتلال.
وبعد حصار بيروت عام 1982 وطرد حركة المقاومة الفلسطينية من لبنان، احتضنت عدة دول عربية قادة ومقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية. وما كانوا ليفعلوا ذلك لولا تعاطف شعبهم مع الفلسطينيين، وهو أمر مهم، لأن أطماع الصهاينة، كما يعلم الجميع، لا تقتصر على فلسطين؛ يريدون احتلال الدول العربية المجاورة والاستيلاء على ثرواتها. كما أنهم يعملون كمقاولين للمصالح الغربية.
وأكثر من 95 في المائة من الشعب العربي يؤيدون الفلسطينيين، وحقهم في النضال بكل الوسائل المتاحة. ونسبة عالية جداً منهم يعتبرون فلسطين قضية تعنيهم وتخص معتقداتهم الدينية، وليس فقط ولاءاتهم الوطنية. الأنظمة العربية تحد من الطاقة التي يمكن أن يبذلها الشعب العربي لدعم فلسطين، وتقيده وتخدعه.
علاوة على ذلك، يجب أن نعترف بأن العديد من الأنظمة العربية دعمت الفلسطينيين مالياً بمليارات الدولارات منذ تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية.
وتتحمل القيادة الفلسطينية مسؤولية كيفية إنفاق هذه الأموال، وظهور طبقات فاسدة في صفوفها.
وإلى جانب الدعم المالي، هناك دعم عربي في الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية، رغم أنه غير كاف ولا يضاهي مستوى دعم جنوب أفريقيا للفلسطينيين في حرب الإبادة الحالية. لكن لا يمكن أن نتجاهل الدعم الشعبي لفلسطين على شكل تظاهرات حاشدة في عدد من المدن العربية، حتى في الدول العربية التي قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل. غالباً ما يختلف موقف الشعوب عن مواقف الأنظمة.
الرئيس الجزائري: غزة تواجه إبادة جماعية واسعة النطاق
وأظهر استطلاع أجراه معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى نهاية عام 2023، أي بعد نحو شهرين من 7 أكتوبر/تشرين الأول، أن 95 في المائة من المواطنين السعوديين يؤيدون الفلسطينيين، ويعتقد 91 في المائة منهم أن فصائل المقاومة تدافع عن كل العرب والمسلمين.
إن كافة الشعوب العربية، بلا استثناء، تدعم الفلسطينيين، وتعتبر أي إنجاز مقاوم هو إنجاز لها، وتحتفل به، مهما كانت الدرجة التي يسمح لها بالتعبير عن نفسها. كثيرون مضطهدون من قبل أنظمتهم وغير قادرين على التعبير عن أنفسهم بسبب ذلك.
كثيرا ما أرصد ردود أفعال الدول العربية المختلفة على الأخبار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأرى آلاف الأشخاص يدعمون فصائل المقاومة الفلسطينية ويتعاطفون معها. إنهم يعارضون حكامهم المتواطئين مع الاحتلال، ويعتذرون عن عجزهم.
أحد الشيوخ العرب، كويتي على ما أعتقد، طلب من ضيوفه في وليمة زفاف عدم نشر صور الطعام لأن هناك عرباً جياعاً في المنطقة، في إشارة إلى الفلسطينيين في غزة. وتحظى هذه القضية بدعم إقليمي شعبي.
كل الدول العربية منشغلة بقضاياها وحروبها الداخلية وانقساماتها، مثل تلك الموجودة في سوريا واليمن والسودان وليبيا والعراق. وهناك أيضا خلافات حول قضية الصحراء الغربية. والدول العربية نفسها تعاني وتتعرض للهجوم، وهي في قلب المخططات التي تسعى إلى تقويضها وإضعافها. ومع ذلك، ومهما كانت الأنظمة متواطئة وأنانية وخاضعة للغرب، فإنها لا تستطيع إلغاء العلاقة بين الشعب العربي وفلسطين وشعبها.
ومن واجبنا كفلسطينيين أن نتصرف بمزيد من الحذر.
إن إهانة العرب والتعميم على أمة عربية بسبب قلة من الأفراد خطأ فادح. وهذا لا يخدم إلا أولئك الذين يريدون عزل الفلسطينيين عن إخوانهم، والذين يسعون إلى تدمير العرب.
ويجب ألا ننجرف إلى استفزازات بعض الجهلة، ويجب ألا نمنحهم وقتا أكثر مما يستحقون. العرب شعب عظيم، ولولاه لما قامت القضية الفلسطينية. ولو حدث ذلك، لكان المجال مفتوحاً للصهيونية، بدعم غربي، للقضاء على القضية إلى الأبد.
يقرأ: المجتمع العربي في المملكة المتحدة يطالب لامي بالاعتذار عن التقليل من أهمية الإبادة الجماعية في غزة
ظهرت هذه المقالة لأول مرة باللغة العربية على موقع Arab48 بتاريخ 28 أكتوبر 2024
الآراء الواردة في هذا المقال مملوكة للمؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لميدل إيست مونيتور.