ومن أهم الأسئلة التي طرحتها الأحداث الأخيرة منذ بداية حرب غزة ما يلي: لماذا لا تريد إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن وقف إطلاق النار في غزة؟
الجواب هو أن الولايات المتحدة تتفق مع إسرائيل في هدفها المعلن المتمثل في القضاء على حماس. وأسباب ذلك كثيرة، أهمها أن حماس تشكل عائقاً أمام رؤية إدارة بايدن الشاملة لمستقبل الشرق الأوسط، والتي لا تشمل حماس أو الجهاد الإسلامي أو حزب الله. وقد أصبحت هذه الرؤية معروفة؛ فهو يتضمن قبول إسرائيل بحل الدولتين، وهو ما يعني الموافقة على إقامة دولة فلسطينية. أين؟ وسيتم تحديد الحدود لاحقاً بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي على مدى سنوات من المفاوضات مع قيادة فلسطينية جديدة أكثر مرونة وفعالية واستعداداً وقدرة على تقديم التنازلات مقابل التنازلات الإسرائيلية.
فما هي التنازلات الإسرائيلية إذن؟ إنهم ببساطة يقبلون بدولة فلسطينية منزوعة السلاح ذات سيادة محدودة على جزء من الأراضي الفلسطينية. كما أن اعتراف إسرائيل بالدولة الفلسطينية من شأنه أن يدفع السعودية إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل. ونتيجة لهذا التطبيع، ستكافئ الولايات المتحدة السعودية من خلال تلبية العديد من المطالب السعودية القديمة. وأهمها توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية التي أقرها الكونجرس الأمريكي، والتي من شأنها أن توفر للسعودية ضمانات أمنية كاملة. بالإضافة إلى ذلك، سيكون هناك العديد من الامتيازات الأخرى أو تلبية المطالب المهمة للأمن القومي السعودي.
ولذلك فإن الاعتراف الإسرائيلي بفلسطين والاعتراف السعودي بإسرائيل من شأنه أن يمهد الطريق أمام دول إسلامية أخرى للاعتراف بإسرائيل، مثل إندونيسيا وباكستان. وبالتالي، فإنه سيسهل تشكيل حليف جديد يضم إسرائيل والدول العربية والدول الإسلامية التي قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل وعلى رأسها الولايات المتحدة. ومن ثم سيواجه هذا الحليف إيران ويقلل من نفوذ روسيا والصين في الشرق الأوسط. والأهم من ذلك، أن هذه الرؤية لا يمكن تنفيذها في ظل وجود جماعة مثل حماس، وهو ما يجب إخراجه من المعادلة، ووضع الأساس لاحقاً لضرب حزب الله وبالتالي إضعاف ما يعرف بمحور المقاومة، وهو ما يعني إضعاف إيران وبالتالي أيضاً إضعاف إيران. تنامي نفوذ روسيا والصين في المنطقة.
قرار وقف إطلاق النار في غزة ملزم ولكن الحد الأدنى: مقرر الأمم المتحدة ألبانيز
وهناك أسباب أخرى وراء رغبة إدارة بايدن في القضاء على حماس، مثل حرص بايدن على استرضاء اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، خاصة قبل انتخاباتها. بالإضافة إلى ذلك، هناك مواطنين أمريكيين إسرائيليين مزدوجي الجنسية تحتجزهم حماس، مما يزيد الوضع تعقيدًا. وفوق كل شيء، هناك ارتباط قوي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، خاصة في ظل رئيس يفتخر بكونه صهيونياً. علاوة على ذلك، هناك شعور حقيقي بالغضب إزاء ما فعلته حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر.
كل هذه أسباب قائمة ولكنها تعتبر ثانوية، ولكن لماذا؟ على سبيل المثال، التزام الرئيس الأميركي بإطلاق سراح الأسرى الأميركيين هو عامل معقول ومقبول. ومع ذلك، فهو يتطلب من الولايات المتحدة ضمان سلامة مواطنيها في غزة من القصف الإسرائيلي العشوائي. وهذا يعني أنه يتعين على الولايات المتحدة أن تكون متحمسة لوقف حقيقي لإطلاق النار وأن تبدأ المفاوضات لاستعادة الأسرى بدلاً من تشجيع حرب قد تعرض حياتهم للخطر. إن الاهتمام بالأصوات اليهودية لا يحتاج إلى دعم يمتد إلى التورط مع إسرائيل في الإبادة الجماعية، خاصة مع الأصوات اليهودية داخل المجتمع الأمريكي وخارجها الرافضة لما يحدث داخل غزة. وحتى لو حصل بايدن على صوت اليهود، فإنه سيخسر العديد من الأصوات الأخرى من الأميركيين الغاضبين من دوره في مجزرة غزة.
لذا فإن رغبة بايدن في تشكيل الشرق الأوسط بدءاً بغزة، بالإضافة إلى أية أسباب ثانوية أخرى، هي السبب الأرجح لرفضه وقف إطلاق النار ودعم إسرائيل في حربها على غزة بكل الوسائل الممكنة. ومن بين هذه الوسائل استخدام حق النقض في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ضد أي قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار لمدة ستة أشهر تقريباً قبل أن تتمكن إسرائيل من تحقيق هدف القضاء على حماس.
الولاية ال51؟ الولايات المتحدة تواصل حماية إسرائيل في الأمم المتحدة – كاريكاتير (سبعانه/ميدل إيست مونيتور)
فهل يمثل قرار مجلس الأمن الأخير في 25 آذار/مارس الماضي تغييرا في الموقف الأميركي؟ الجواب هو لا. لا يوجد تغيير في الموقف الأميركي. بل هو تعبير خجول عن اختلاف إدارتها مع نتنياهو حول التفاصيل. ومن المبالغة أن نعتبره تغييراً جوهرياً في الموقف الأميركي. لقد كانت إدارة بايدن، ولا تزال، ملتزمة بهدفها الأساسي المتمثل في القضاء على حماس. وهي تتفق مع نتنياهو في هذا الهدف ولكنها تختلف معه في التفاصيل. على سبيل المثال، تريد الإدارة الأمريكية ضرب حماس في رفح وفي كل مكان آخر، لكنها تريد أن تفعل ذلك بطريقة لا تؤدي إلى مذبحة جماعية للفلسطينيين، مما قد يحرجها ويكشفها ويدفع العالم للثورة عليها. وبالتالي فشل في تحقيق الخطة الأمريكية للقضاء على حماس. على سبيل المثال، لا تريد الولايات المتحدة فتح جبهة شمالية مع حزب الله كما ترغب حكومة نتنياهو، حتى لا تتسع الحرب وتمنع تحقيق الهدف المنشود في غزة. وعلى نحو مماثل، لا تريد الولايات المتحدة أن تترك المستوطنين المتطرفين معلقين في الضفة الغربية في هذا الوقت، لأن هذا من شأنه أيضاً أن يشعل الضفة الغربية دون مبرر، وبالتالي يعيق التنفيذ السلس لمهمتها في غزة. فضلاً عن ذلك فإن إنشاء المزيد من المستوطنات من شأنه أن يجعل اقتراح حل الدولتين ـ وهو جزء أساسي من الخطة الأميركية ـ بلا معنى وبلا قيمة، وما إلى ذلك. ولذلك، هناك خلاف حول التفاصيل.
اقرأ: الحكماء يدعون إلى تعليق عمليات نقل الأسلحة إلى إسرائيل لإنهاء الفظائع في غزة
وقبل 25 مارس/آذار، أصرت الولايات المتحدة على عدم إصدار قرار من مجلس الأمن يدعو إلى وقف إطلاق النار، ولو مؤقتاً، إلا إذا أطلقت حماس سراح جميع الأسرى مع إدانة حماس. لقد وصل مجلس الأمن إلى حالة من الشلل لأن أعضائه لم يستطيعوا قبول الشروط الأمريكية ولم يستطيعوا إصدار قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار ضد رغبته لأنه يملك حق النقض.
المنطق الأميركي أوضحه أكثر من مسؤول أميركي بصيغ مختلفة، وهو أن وقف إطلاق النار في غزة سيبقي حماس سليمة، ويسمح لها بحكم غزة وزرع بذور الحرب المقبلة. حماس لا ترغب في رؤية سلام دائم أو حل الدولتين. ولهذا السبب، فبينما تؤيد الولايات المتحدة بقوة السلام الدائم الذي يستطيع فيه الفلسطينيون والإسرائيليون أن يعيشوا في أمان، فإننا لا نؤيد وقفاً فورياً لإطلاق النار. ولذلك ترى الولايات المتحدة أن وجود حماس في قطاع غزة يعني حرباً جديدة مع إسرائيل، ويعني إحباط فكرة حل الدولتين كما تصورها الولايات المتحدة، باعتبارها إحدى الركائز الأساسية في رؤيتها لتشكيل الشرق الأوسط الجديد.
وبالتالي فإن الرفض الأميركي لوقف إطلاق النار هو نفس الموقف الإسرائيلي الذي لا يريد الالتزام بأي شيء يؤدي إلى عدم استئناف الحرب بعد إطلاق سراح الأسرى. وقد فشلت الولايات المتحدة وإسرائيل في إقناع معظم العالم بهذا المنطق لأنه يعني أن الحرب والقتل سيستمران إلى ما لا نهاية. ففي نهاية المطاف، لا يمكن وقف إطلاق النار حتى يتم إطلاق سراح الأسرى، ولا تستطيع حماس إطلاق سراحهم لمجرد وقف مؤقت لإطلاق النار. بمعنى آخر، عندما تسترد إسرائيل أسراها، فإنها ستعود لضرب قطاع غزة وضرب حماس، إضافة إلى قناعة العالم بأن استمرار الحرب يعني إبادة المدنيين الفلسطينيين، وليس حماس.
الآراء الواردة في هذا المقال مملوكة للمؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لميدل إيست مونيتور.