ربما يكون من الصعب فهم الفرحة التي عبر عنها المصريون إزاء إخفاق رياضيي بلادهم في دورة الألعاب الأولمبية التي ستقام في باريس عام 2024. فلم تحصد الفرق المصرية سوى ثلاث ميداليات (واحدة من كل من: ذهبية وفضية وبرونزية)؛ أي أن نسبة النجاح لا تتجاوز 2%، وسط الكثير من الجدل والانتقادات.

ولعل هناك دوافع نفسية وسياسية واقتصادية غذت هذا الشعور الذي يطارد مشاركات الفرق المصرية في البطولات القارية والدولية، فقد ارتفعت وتيرة الفرحة بالخسائر التي تتكبدها الفرق الرياضية المصرية في السنوات الأخيرة.

ولعل من الخطأ أن نحصر الأمر في إلقاء اللوم على جماعة الإخوان المسلمين ـ الحركة المعارضة للرئيس عبد الفتاح السيسي ـ في نشر هذا الشعور البغيض الذي لا يتسم بأي قدر من الوطنية. وربما تساعد قراءة مختلفة لما يجري في الكشف عن الدوافع.

وبحسب البيانات الرسمية، فإن الوفد المصري المشارك في أولمبياد باريس هو الأكبر عربيا وإفريقيا، حيث شارك 164 رياضيا في 22 رياضة، بالإضافة إلى الطاقم الفني والطبي والإداري والإعلامي، فضلا عن العديد من المسؤولين، على رأسهم رئيس الوفد ياسر إدريس، ووزير الرياضة المصري أشرف صبحي. وكان الحجم الحقيقي للوفد كبيرا لدرجة أن السلطات أبقت الأمر سرا.

بلغت تكلفة تجهيز الوفد الأولمبي المصري نحو 1.1 مليار جنيه مصري (22 مليون دولار)، أي أكثر بنحو 777 مليون جنيه مصري (16 مليون دولار) من تكلفة إرسال وفد إلى أولمبياد طوكيو 2020، حيث فاز الفريق بست ميداليات: ذهبية وفضية وأربع برونزيات. لذا فإن الإنفاق الزائد أدى إلى نتيجة أسوأ. وهذه مفارقة تثير تساؤلات في بلد مثقلة بديون خارجية تجاوزت 153 مليار دولار بحلول نهاية مايو/أيار، وفقًا لبيانات حكومية.

وبشكل أساسي، كل ميدالية فازت بها مصر في باريس كلفت أكثر من 7 ملايين دولار.

ويأتي ذلك في الوقت الذي تعاني فيه الحكومة المصرية من عجز في موازنتها المالية، مما يضطرها إلى رفع الدعم ورفع أسعار السلع الأساسية مثل الخبز والوقود والكهرباء والغاز، وكذلك أسعار تذاكر المترو والقطارات.

أما البعد الاقتصادي فقد استشهد به الباحث السياسي محمد عنان في محاولة لتفسير السعادة بالفشل، مستشهداً بمعاناة المصريين بسبب ظروفهم المعيشية الصعبة والضرائب الباهظة، والتي تتزامن مع عجز الحكومة عن تلبية الحد الأدنى من احتياجات الشعب، بل ومطالبة الناس بفرض إجراءات تقشفية على أنفسهم، في حين يتم إنفاق مليارات الجنيهات على الرياضة والرياضيين الذين يفشلون في تحقيق التوقعات.

يقرأ: رئيس الوزراء المصري يؤكد استقرار الأوضاع وسط حركة “الأموال الساخنة”

إن الفرحة الساخرة تتغذى على ما يلي، على سبيل المثال، رؤية الرياضيين المصريين في المركز الأخير في العديد من الألعاب الرياضية؛ والهزيمة المهينة ـ كانت النتيجة ستة أهداف نظيفة ـ لفريق كرة القدم المصري أمام المغرب؛ وخسارة الميدالية البرونزية؛ واستبعاد الملاكمة يمنى عياد لفشلها في تلبية الحد الأقصى للوزن؛ وخسارة لاعبة المبارزة بالسيف ندى حافظ، وهي حامل في شهرها السابع؛ واتهام المصارع محمد إبراهيم بالتحرش. وكل هذا يشير إلى درجة كبيرة من العشوائية والفساد في اختيار الرياضيين والمسؤولين الذين يمثلون كل اتحاد رياضي، والذين يرتبط معظمهم بالمؤسسة العسكرية. وهذا يستنزف موارد البلاد لإرضاء حفنة من الناس الذين يدعمهم النظام، مما يدفع غالبية المصريين إلى الابتهاج بالفشل الواضح للفساد وسقوط الفاسدين، كما قال عنان.

ولقد ظهرت أولى علامات الفساد حتى قبل بدء الألعاب الأوليمبية، عندما أُعلن عن انضمام شهد سعيد إلى الوفد المصري المتجه إلى باريس. وقد أدينت شهد بتعمد إصابة زميلتها جانا عليوة أثناء سباق دراجات في السابع والعشرين من إبريل/نيسان. وقد تم استبعادها من فريق الدراجات تحت ضغط شعبي.

وتكشفت فضيحة أخرى حين تبين أن مبلغاً يقدر بنحو 414 ألف دولار أنفق على الفارس نائل نصار الذي انسحب لاحقاً بسبب إصابة جواده، وكان برفقته أحد عشر شخصاً، بينهم زوجته، وكانت الحكومة تدفع تكاليف سفرهم وإقامتهم، أي أنها جاءت من جيوب المصريين العاديين.

لقد كان المشروع الأوليمبي في مصر برمته فاسداً إلى درجة العمى تقريباً.

وشملت الحوادث الأخرى إنفاق 175 ألف دولار على فريق الرماية، الذي خرج في اليوم الأول من المنافسة؛ وإرسال (ودفع) أموال لرؤساء الاتحادات الرياضية التي لم يتأهل منها أي لاعب للألعاب في الوفد الرسمي والسفر إلى باريس؛ واختيار الرياضيين الذين لم يكونوا بالضرورة الأفضل تأهيلاً؛ وإدراج عضو مجلس النواب المصري أميرة أبو شقرة في مسابقة الرماية على الأطباق الطائرة، والتي جاءت في المركز الأخير.

توجه لاعب تنس الطاولة عمر عصر إلى باريس، وأشار إلى أن المدير الفني للمنتخب هو شقيق رئيس اتحاد تنس الطاولة، وأن الاتحاد ألغى معسكرًا تدريبيًا دون سابق إنذار ودون استبداله بآخر، فيما أكد لاعب رمي المطرقة مصطفى الجمل أنه ينافس ويتدرب بدون مدرب منذ نوفمبر 2023.

وتضمن القرار الوزاري رقم 1044 لسنة 2024 بشأن الوفد المصري في باريس إنفاقات مثيرة للجدل مثل 180 ألف يورو مصروف جيب للرياضيين، و20 ألف يورو للنقل الداخلي، و30 ألف يورو لتأجير سيارات للوفد، و10 آلاف يورو للاتصالات الداخلية، و15 ألف يورو لمصروفات أخرى متنوعة، بالإضافة إلى بدلات السفر والمكافآت، والتي لا تخضع للرقابة المالية أو التدقيق.

وإلى جانب الفساد، يرى الصحافي محمد حسين أن الفرحة بفشل المنتخب الأوليمبي المصري أقوى بسبب القمع في البلاد، والتضييق على حرية التعبير، والبديل هو الفرح والسخرية في مواجهة أي فشل أو هزيمة للنظام، في أي محفل، بما في ذلك الرياضة. وكان هذا واضحا عندما خسر منتخب مصر لكرة القدم في نهائي كأس الأمم الأفريقية في 2017 و2021، وفشل في التأهل لنهائيات كأس العالم 2022 في قطر، وفشل مرة أخرى في أولمبياد باريس. وكان الفرح الشعبي شكلا من أشكال الاحتجاج للشعب المصري.

رأي: “الحوار الوطني” في مصر ليس حوارا على الإطلاق مع استمرار القمع

وبحسب صبحي، الذي يشغل منصب وزير الرياضة منذ أكثر من ست سنوات، فإن هدف الوفد المصري هو الحصول على ما بين ست وعشر ميداليات في باريس. ووعد بأن يحصل الفائز بالميدالية الذهبية على 4 ملايين جنيه مصري (حوالي 84 ألف دولار)، والفائز بالميدالية الفضية على 3 ملايين جنيه (61 ألف دولار)، والفائز بالميدالية البرونزية على مليوني جنيه (40 ألف دولار). وهذه مكافآت غير مسبوقة في بلد أعلن البنك الدولي أن معدل الفقر فيه بلغ 32.5 في المائة.

ومن هنا فإن الابتهاج بالفشل قد يُنظَر إليه باعتباره عملاً سياسياً احتجاجياً على ما يراه المصريون إهداراً للمال العام، وحماقة إنفاق كل هذا القدر من المال على الرياضيين في وقت ترتفع فيه التكاليف وتكافح الغالبية العظمى من المصريين لتغطية احتياجاتهم الأساسية. فالمعلم المصري على سبيل المثال يتقاضى في المتوسط ​​خمسة آلاف جنيه مصري فقط شهرياً (100 دولار أميركي).

وسارع السيسي إلى تهنئة الفائزين بالميداليات الثلاث، ووصف ما فعلوه بأنه شيء يضاف إلى إنجازات هذا الجيل، مؤكداً على إصرار وإصرار وقوة إرادة الشباب المصري، الذي يعد مصدر فخر للوطن، وهو ما اعتبره المعارضون شكلاً من أشكال التلاعب السياسي، الذي ينسب أي نجاح في أي مجال للنظام، فقاموا بالمثل في المقابل، مستغلين الإخفاقات لتبرير الابتهاج الساخر.

ويقول خبير الصحة النفسية الدكتور أحمد متولي إن رد الفعل المصري تجاه الخسائر الأوليمبية يعكس توقع الفشل، وليس الفرح في حد ذاته.

كأنهم يقولون: كنا نعلم أن هذا سيحدث، أي أن توقعاتهم كانت صحيحة.

ولكن هل من الممكن أن يتمنى أي مصري في قرارة نفسه فشل بلاده في أي مشروع؟ يقول متولي: «الناس تتضارب بينهم مشاعران: شعور بالأمل في النصر، وتوقع الفشل. وأحيانا يختارون توقع الفشل ليتجنبوا آلام خيبات الأمل، في حين يخففون كثيرا من مشاعرهم التي تشير إلى الفشل والخسارة وانعدام الأفق، وكل ذلك لأسباب سياسية واقتصادية يعرفها الجميع».

احتلت مصر المرتبة 52 من حيث الميداليات التي فازت بها في أولمبياد باريس. وهذا كان سيئًا للغاية، بالنظر إلى حجم الوفد، وهو الأكبر من أفريقيا والعالم العربي. ومع ذلك، فهو مماثل لتصنيفات مصر، على سبيل المثال، في مؤشر مدركات الفساد لعام 2023 (المرتبة 108)؛ ومؤشر العدالة العالمية (المرتبة 136)؛ ومؤشر حرية الصحافة لعام 2024 (المرتبة 170). من الواضح أن النظام المصري جيد جدًا في كونه سيئًا.

رأي: الإبادة الجماعية في غزة بدأت بمجزرة رابعة

الآراء الواردة في هذه المقالة تعود للمؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لموقع ميدل إيست مونيتور.

شاركها.