ومن نفض الغبار عنها وأخرجها من الأرشيف؟ الجميع يشير بأصابع الاتهام إلى ستيفان دي ميستورا، لكن هل عرضها المبعوث الأممي للصحراء فعلا على المغاربة والجزائريين؟ رسمياً، لا يوجد أي دليل على أنه فعل ذلك. ولم تكشف ذلك التصريحات الصادرة عنه، ولا عن الدول المعنية بنزاع الصحراء، خلال جولاته العديدة بالمنطقة. التسريب الذي نشر قبل أيام قليلة بواسطة رويترز، وبعد ذلك وكالة فرانس برسوذكر، بخصوص محضر الجلسة المغلقة التي عقدها مجلس الأمن الدولي الأربعاء الماضي حول قضية الصحراء، أن الدبلوماسي الإيطالي المخضرم أكد أنه “في سرية تامة استأنف وأحيى مفهوم تقسيم الإقليم مع كافة الأطراف المعنية”. وأنه يرى أن مشروع التقسيم “سيسمح، من ناحية، بإقامة دولة مستقلة في الجزء الجنوبي، ومن ناحية أخرى بدمج بقية الإقليم كجزء من المغرب المعترف بسيادته دوليا”. “، قبل أن يضيف، كما ذكر المصدران الإعلاميان، أنه “لا الرباط ولا جبهة البوليساريو” أبدتا أدنى إشارة إلى استعدادهما للمضي قدما في مناقشة هذا الاقتراح”، معبرا عن أسفه في النهاية.

ولذلك، وفي ظل رفض دي ميستورا، أو أي مسؤول أممي، التعليق عليه، فإن الأمر يحتاج إما إلى تأكيد رسمي من طرفي الصراع الرئيسيين، المغرب والجزائر، أو إلى نفي كامل من قبلهما. ورغم أن السلطات الجزائرية لم تصدر أي موقف في هذا الشأن، إلا أن جبهة البوليساريو سارعت إلى التدوينة على موقع X، عبر أحد أعضائها، معبرة عن رفضها التام لأي مقترحات من هذا النوع، معتبرة إياها “لا تتفق مع حق الشعب الصحراوي”. إلى تقرير المصير”.

يقرأ: فرنسا تدعم خطة المغرب للحكم الذاتي في الصحراء الغربية

لكن التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، الاثنين الماضي، خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده مع نظيره الإستوني، أكدت بشكل قاطع أن الفكرة طرحت بالفعل على أحد الطرفين على الأقل. وأوضح بوريطة، في ذلك الندوة الصحفية، أن المبعوث الأممي قدم الاقتراح للمغاربة خلال زيارته الأخيرة للمغرب في أبريل الماضي، مشيرا إلى أن الوفد المغربي رد عليه قائلا “إن هذه الأفكار مرفوضة وغير مطروحة على الإطلاق”. وأن “المغرب لم ولن يقبل حتى أن يبدأ في الاستماع إليها، لأنها تتناقض مع الموقف المبدئي للمملكة المغربية وموقف جميع المغاربة بأن الصحراء مغربية وجزء لا يتجزأ من التراب المغربي”. وذكر بأن الرباط سبق لها أن عبرت عن نفس الموقف سنة 2002، “عندما طرح نفس الفكرة جيمس بيكر، الذي كان مبعوث الأمم المتحدة إلى الصحراء آنذاك، بناء على اقتراح الجزائر، كما جاء في تقريره حينذاك”، قبل أن مؤكدا أن “المغرب لا يتفاوض حول صحرائه، بل حول نزاع إقليمي مع دولة مجاورة تنازع المغرب على السيادة على أراضيه”. والسؤال الذي يطرح، انطلاقا من ذلك، هو لماذا ظهرت تصريحات دي ميستورا بشأن تقسيم الصحراء في هذا التوقيت بالذات، إذا كان الطرف الرئيسي في الصراع، المغرب، قد رفضها برمتها عندما عرضت عليهم في أبريل الماضي؟ هل لأن بعض وسائل الإعلام العالمية على الأقل تعمدت تضخيمها وإخراجها عن سياقها عمداً لخدمة جهة معينة؟ أو لأنه يعكس في الواقع قناعة شخصية راسخة لدى المبعوث الأممي، بأنه بعد ثلاث سنوات من تعيينه في تلك الخطة، لم يتمكن من جمع أطراف نزاع الصحراء إلى طاولة المفاوضات والحوار، من أجل التوصل إلى تسوية عادلة. الحل السياسي الدائم والمتفق عليه، كما نصت عليه قرارات مجلس الأمن الدولي، وهذا ما دفعه لمحاولة تحميل مسؤولية فشله على عاتق جميع الأطراف، من خلال إظهارهم على أنهم غير راغبين في تقديم أي تنازلات. بعضها البعض من أجل إنهاء هذا الصراع؟

وعلى أية حال فإن التسرب لم يظهر بالصدفة؛ وكما قلت من قبل، ربما يكون الصراع في الصحراء قد دخل الآن فصوله النهائية والحاسمة. ولا شك أن عدة أطراف وقوى إقليمية ودولية تستعد لما سيحدث في المنطقة خلال الفترة المقبلة وتتطلع إلى الوضع الذي ستكون عليه شمال أفريقيا بعد إغلاق الملف نهائيا. وهو ما يطرح التساؤل حول الهدف الحقيقي من وراء إحياء فكرة التقسيم، في الوقت الذي يلتزم فيه المغرب بمخطط الحكم الذاتي للصحراء تحت السيادة المغربية، كحل وحيد للنزاع، وجبهة البوليساريو هل تطالب، إلى جانب الجزائر، بإجراء استفتاء لتقرير المصير، وهو الاستفتاء الذي اعترفت الولايات المتحدة باستحالة تنظيمه هناك لعدة أسباب؟ فهل أراد أي طرف الضغط على الرباط، أو المساومة معها بشكل أو بآخر مثلا، بحيث تقدم بعض التنازلات مقابل دعمها لمقترح الحكم الذاتي، مما يجعل إطلاق فكرة التقسيم مجرد بالون اختبار للتعرف على ما إذا كان هذا ممكنًا؟

الألعاب الأولمبية: عمدة المدينة يغلق منطقة المشجعين المغاربة بعد أن أدلى مغني بتصريح حول قضية الصحراء

أما المغرب، فيبدو واضحا مما قاله وزير خارجيته يوم الاثنين الماضي، وفي المؤتمر الصحفي، أن الأمر قد يكون مرتبطا بجارته الجزائر. ورغم أن بوريطة لم يشر إلى ذلك صراحة، فإن أسئلته التي قال فيها “من أعطى دي ميستورا هذه الفكرة؛ فكرة تقسيم الصحراء ومن أين جاءت؟ ومن هي الجهات التي شجعته على تقديمه في إبريل الماضي؟ هل هو من بادر بالمبادرة أم أنها جاءت من جهات أخرى ألهمته بإعادة طرحها؟”. ولعله يشير إلى أنه ربما يلمح بطريقة ما إلى أن الجزائر المجاورة لها بعض التأثير في دفع دي ميستورا إلى اقتراح تقسيم الصحراء إلى الرباط.

ولعل ما يلفت الانتباه هنا أمران. ولم يعرف بعد ما إذا كان المبعوث الأممي قد قدم نفس العرض للجزائريين، وإذا كان الأمر كذلك، فكيف تعاملوا معه، وهل قبلوا به أم لا؟ كما لا نعلم ما الذي دفع دي ميستورا إلى القيام بخطوة مفاجئة وغير متوقعة على الإطلاق في شهر فبراير الماضي لزيارة دولة لا يبدو أن لها أي علاقة بملف الصحراء، وهي جنوب أفريقيا، وما هي نتائج تلك الزيارة. وقال وزير خارجية جنوب أفريقيا حينها إن “النقاش كان مفيدا” وشمل “دراسة بعض المقاربات المتعلقة بالصحراء الغربية”، قبل أن يقول إنه لا يستطيع الخوض في المزيد من التفاصيل، قائلا “هذه أسئلة سرية”. ولم تظهر التسريبات التي نشرت حول محضر جلسة مجلس الأمن حول الصحراء أي إشارة إلى دور جنوب أفريقيا أو إلى التوجهات التي قيل إن دي ميستورا ناقشها مع قادة ذلك البلد فيما يتعلق بالصحراء. إذا كانت فكرة تقسيم الصحراء لا تعجل بظهور حل نهائي لمشكلة الصحراء، فهل ظهرت فقط للحد من سرعة ولادة حل آخر في الأفق؟ لا أعتقد أننا سننتظر طويلاً قبل أن نعرف الإجابة على هذا السؤال.

يقرأ: يقول نائب سابق إن دعم الجزائر للبوليساريو دفع المغرب إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل

ظهر هذا المقال باللغة العربية في القدس في 22 أكتوبر 2024.

الآراء الواردة في هذا المقال مملوكة للمؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لميدل إيست مونيتور.


شاركها.