تقتصر زيارات الأهل للسجناء في مصر على عشرين دقيقة مرة واحدة شهريًا ولا يجوز أن تتم إلا من خلف نوافذ زجاجية مزدوجة. وقد تكون الرحلة لزيارة الأحباء رحلة مؤلمة.

يُطلق على مجمع السجون شديد الحراسة الواقع شمال شرقي القاهرة اسم بدر. وقد شهد هذا المجمع العديد من قصص القمع والدموع. لدرجة أن الأشخاص الذين أجريت معهم المقابلات في هذا المقال طلبوا استخدام أسماء مستعارة خوفًا من اعتقالهم أو ملاحقتهم من قبل قوات الأمن المصرية.

قالت لي هدى علي إنها لم تلمس زوجها منذ سنوات، حتى لم تصافحه، ولم يتمكن من معانقة طفليه. كل ما يحصلون عليه هو مكالمة هاتفية، تحت مراقبة أمنية مشددة وأجهزة تنصت. تستطيع سماع صوته لكنها لا تستطيع رؤيته بوضوح خلف النوافذ ذات الزجاج المزدوج.

في سجن بدر، تُستَحدث أشكال جديدة من الانتهاكات بحق السجناء السياسيين، وخاصة المعارضين لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث يُحرم السجناء من أبسط الحقوق التي يكفلها القانون المصري.

وقد يتم حرمانهم من الزيارة لأسباب مجهولة، كما حدث مع أحمد حمدي، الذي انتظر ست ساعات في الصباح الباكر حتى يتمكن من زيارة والده في سجن بدر 1. وعندما وصل إلى بوابة الزيارة، قيل له أن يعود، ولم يُسمح له إلا بترك بعض المواد الغذائية التي أحضرها معه لوالده.

من وقت لآخر، تبث وزارة الداخلية المصرية إعلانات عامة عن مراكز الاحتجاز، وتقدم صورة إيجابية عن معاملة السجناء. ويُسمح لوسائل الإعلام والبرلمانيين الموالين للنظام بالدخول إلى السجون حتى يتمكنوا من تسليط الضوء على المعاملة “الجيدة” المزعومة.

ينص تعديل المادة 38 من قانون تنظيم السجون المصري رقم 396 لسنة 1956 على أن “لكل محكوم عليه الحق في المراسلة والاتصالات الهاتفية مقابل أجر، ولأسرته الحق في زيارته مرتين شهريًا، وذلك كله تحت رقابة وإشراف إدارة السجن وطبقًا للضوابط والإجراءات التي تحددها اللائحة الداخلية”.

وتضيف: “وللموقوف احتياطياً هذا الحق ما لم يصدر قرار من النيابة العامة المختصة أو قاضي التحقيق المختص بخلاف ذلك، وفقاً للإجراءات التي تحددها اللائحة الداخلية، وتعمل إدارة السجن على معاملة زوار الموقوفين معاملة إنسانية وتكفل لهم الأماكن المناسبة للانتظار والزيارة”.

رأي: مصر: الحرية مقابل الصمت

إلا أن المادة 42 من القانون ذاته تنص على أنه “يجوز منع الزيارة منعاً باتاً أو تقييدها بحسب الأحوال في أوقات معينة لأسباب صحية أو أمنية”.

وهذه مادة واسعة النطاق تسمح بحرمان السجناء من الزيارات لسنوات.

إذا كان السجين السياسي ضحية اختفاء قسري، فلا يحق لأسرته زيارته أو معرفة مكان سجنه في المقام الأول، إذ ينكر جهاز الأمن الوطني احتجازه، ولا تستطيع النيابة العامة استجواب ضباط جهاز سيادي يتمتعون بسلطات واسعة تجعلهم فوق المساءلة القانونية.

ويقول محمد عبدالله إنه اختفى قسراً لأشهر، ولم يتمكن أي من أقاربه من زيارته أو معرفة مكان احتجازه، بل تلقى تهديدات بإعادة اعتقاله في حال الكشف عن مكان احتجازه، أو تقديم شكوى للجهات المختصة.

أما بالنسبة للمحتجزين احتياطيًا أو المحكوم عليهم نهائيًا، فإن حصولهم على الزيارة من عدمه يتحدد وفقًا لهوية السجين والتهم الموجهة إليه والسجن الذي يحتجز فيه، بينما القانون جانبًا، وهذا يعني أن الأمر يخضع لتقدير إدارة السجن وضابط الأمن الوطني المسؤول عن السجين. على سبيل المثال، تلقت ناشطة حقوق الإنسان وعضوة المجلس القومي لحقوق الإنسان السابقة هدى عبد المنعم، المحتجزة منذ 1 نوفمبر 2018، زيارة واحدة فقط خلال خمس سنوات، وفقًا لتقارير حقوقية.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2022، رفض المرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح، المعتقل منذ فبراير/شباط 2018، حضور زيارة أسرته بسبب الحاجز الزجاجي. ونشر نجله على فيسبوك: “نحن ممنوعون من الزيارات العادية منذ أكثر من ثلاث سنوات، ولنا الحق في تحيته والتواصل معه بشكل مباشر وليس عبر الهاتف والحاجز الزجاجي”.

وتقول منظمة العفو الدولية إن للسلطات المصرية تاريخا في حرمان العشرات من المعتقلين السياسيين من الزيارات العائلية لأشهر أو حتى سنوات.

وبالإضافة إلى ذلك، لم تلتزم السلطات حتى الآن بقواعد السجون التي تفرض على المعتقلين إجراء مكالمات هاتفية كل أسبوعين.

بعض الزيارات لا تدوم أكثر من 10 دقائق، من خلف نوافذ زجاجية وقضبان معدنية، مما يبقي السجناء بعيدين عن ذويهم. هكذا تتم الزيارات في السجون المركزية في مصر.

ومع ذلك، قد تستغرق الزيارات ما يصل إلى 40 دقيقة في السجون العامة، حيث يتم احتجاز المحكوم عليهم بالسجن المشدد. ويستطيع السجناء في هذه السجون مقابلة أقاربهم من الدرجة الأولى، دون حواجز، بل ويستطيعون حتى تناول الطعام معًا.

وفي الوقت نفسه قد يتم تقليص مدة الزيارة إلى خمس دقائق فقط، وهو ما يعتبر من أسوأ الزيارات، ويترك آثاراً نفسية بالغة على الأسرى وذويهم.

رأي: مصر تبحث عن جبهة إنقاذ جديدة

يقول مجدي صابر إن الأسر تمر بمصاعب كثيرة لزيارة ذويها في سجن الوادي الجديد جنوب مصر، حيث يأتون من محافظات بعيدة لرؤية ذويهم لمدة خمس دقائق فقط. كما يجب الأخذ في الاعتبار الانتهاكات التي يتعرض لها السجناء، حيث يضطرون إلى حلق رؤوسهم قبل الخروج للقاء أفراد أسرهم.

أما بالنسبة لأقسام الشرطة في مصر، فمن الشائع دفع بعض الأموال لأمناء الشرطة، وهم رتبة أقل من الضابط، مقابل توفير بعض وسائل الراحة، مثل السماح بإدخال الملابس والطعام للسجناء، أو السماح لهم بإجراء مكالمة هاتفية مع أفراد أسرهم، أو تحسين ظروف معيشتهم داخل قسم الشرطة.

يقول عماد السيد إنه دفع ألف جنيه مصري (20 دولارا) رشوة لضابط أمن ليأخذ طعاما وملابس لشقيقه المحتجز في أحد أقسام الشرطة بالقاهرة بتهمة الانتماء لجماعة محظورة ونشر أخبار كاذبة وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، لكنه لم يتمكن من رؤية شقيقه.

ولا تقتصر المعاناة على أفراد الأسرة فقط.

من الممكن أن يحصل محامي السجين على إذن رسمي من النيابة العامة يأمر بالسماح له بزيارة المعتقل موكله في السجن، إلا أن إدارة السجن قد تماطل أو تتجاهل هذا الإذن.

وقال المحامي الحقوقي خالد علي، هذا الشهر، إن إدارة سجن التأهيل العاشر 4 بمحافظة الشرقية رفضت السماح لفريق الدفاع عن النائب البرلماني السابق أحمد الطنطاوي بزيارته في السجن، رغم حصوله على تصريح من النيابة العامة.

وتنص المادة 39 من قانون تنظيم السجون المذكور وتعديلاته على أنه “يجوز لمحامي السجين مقابلته على انفراد بشرط الحصول على إذن كتابي من النيابة العامة ومن قاضي التحقيق في القضايا التي يكلف بالتحقيق فيها سواء كان اللقاء بناء على طلب السجين أو المحامي”.

هناك ثلاثة أنواع من الزيارات للسجناء: الأول الزيارة العادية للمحكوم عليهم، وهي محددة بمرتين شهرياً، والثانية الزيارة الاستثنائية في الأعياد والمناسبات الوطنية والدينية، والتي تحدد بقرار من وزارة الداخلية، والثالثة زيارة المحامين، وهي تصدر بإذن من النيابة العامة، وهي خاصة بين السجين ومحاميه، ولا تعد من الزيارات العادية أو الاستثنائية.

وإضافة إلى مشقة الزيارة ومتاعبها، فقد ارتفعت التكلفة المالية لرؤية المعتقل لدقائق فقط، وتشمل استئجار سيارة للوصول إلى السجون التي بنيت في مناطق حدودية وصحراوية نائية، وإعداد الطعام للسجين ورفاقه في الزنزانة، وإيداع مبلغ من المال للسجين في حساب السجن، حتى يتمكن من إنفاقه في السجن.

وتعتمد عائلات السجناء السياسيين على نظام الكفاف، الذي يجمع عائلات المعتقلين ويسمح لهم بتوفير الطعام أسبوعيا لأكبر عدد من السجناء في الزنزانة الواحدة، بحسب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.

يحاول أهالي المعتقلين إعداد وجبات ساخنة طازجة لأفراد عائلاتهم في السجن بسبب سوء نوعية الطعام الذي تقدمه لهم إدارة السجن.

تسببت الأسعار الباهظة في السوق المصرية في ارتفاع أسعار السلال التي يتركها الأهالي للسجناء، والتي تحتوي على مواد غذائية وملابس وأدوية، ويتركونها لحراس السجن لتسليمها للسجناء، دون أن يتمكن الأهالي من رؤية ذويهم.

وتقدر الدكتورة ليلى سويف، والدة الناشط علاء عبد الفتاح المسجون في سجن وادي النطرون، تكلفة السلة بما لا يقل عن 2000 جنيه، أي ما يعادل 42 دولاراً أميركياً، بحسب تصريحاتها لموقع المنصة.

وقال خبير سياسي طلب عدم الكشف عن هويته:

“أصبح حرمان السجناء من الزيارة بمثابة عقوبة ووسيلة للإساءة، مما يؤثر على السجناء وأسرهم على حد سواء.”

هذه حقيقة يمكن لأي شخص اعتقل أحد أقاربه على يد نظام السيسي أن يشهد عليها. فحتى الآن، كان النظام مسؤولاً عن اعتقال نحو 65 ألف سجين سياسي، وفقاً لتقديرات الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان. ومن ثم، فإن حقوق الزيارة تشكل قضية بالغة الأهمية بالنسبة لكثير من الناس.

رأي: ثورة يوليو التي غيرت شكل العالم العربي لكن ليس للأفضل

الآراء الواردة في هذه المقالة تعود للمؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لموقع ميدل إيست مونيتور.

شاركها.