رغم مرور 14 عاما على ثورة 25 يناير المصرية، إلا أنها تظل كابوسا لمعارضيها، يطاردهم ويجعل حياتهم بائسة، ويدفعهم إلى محوها من الذاكرة الوطنية. وهم يقومون بعملية المحو بتشويهه وإلقاء اللوم عليه زورا في كل أزمات الشعب المصري، وهو ما يخالف الدستور الذي لا يزال يتحدث عنه بكل تقدير وتبجيل، ويعتبر ذكراه عطلة رسمية.

وحتى هذا العيد الوطني بمناسبة ذكرى ثورة يناير، اتخذته أبواق إعلام النظام، واعتبرته عيدًا لعيد الشرطة، وليس لثورة يناير (مرة أخرى في انتهاك للدستور والقانون). وللتذكير، كانت يوم 25 يناير 1952 معركة بطولية خاضتها الشرطة المصرية في الإسماعيلية ضد الاحتلال البريطاني الذي طالبهم بتسليم أسلحتهم، لكنهم رفضوا وقدموا 50 شهيدًا. وأصبح هذا اليوم هو يوم الشرطة السنوي، ونظمت في ذلك اليوم أولى مظاهرات الثورة المصرية عام 2011 احتجاجا على انتهاكات الشرطة. ثم بعد ثورة يناير أصبح هذا اليوم ذكرى انطلاقة الثورة.

يقرأ: مصر تفرج عن الناشط الحقوقي حسام بهجت بكفالة

إن تشويه ذكرى يناير التي يكرمها الدستور، يقوم بها أعلى سلطة، السيسي، الذي اتهم الثورة مرارا وتكرارا بالتسبب في الأزمات التي يعاني منها المصريون. كما تعهد أكثر من مرة بعدم السماح بحدوث الثورة مرة أخرى، ولولا هذه الثورة لظل متخفيا، غير معروف لأحد، وكان من الممكن على الأكثر أن يكون واليا لمحافظة حدودية.

تتزامن ذكرى يناير هذا العام مع عدة أحداث مهمة، على الصعيد الداخلي والخارجي، مما يزيد من مخاوف النظام. يأتي بعد انتصار الثورة السورية بعد مخاض صعب دام 13 عاماً، لكنها نجحت في نهاية المطاف في إسقاط نظام الأسد وجيشه وشرطته وحزبه وميليشياته وداعميه الإقليميين، وفتحت أبواب الأمل لربيعها العربي المكافح. أخوات الثورة اللاتي تعرضن لضربات الثورة المضادة وأبرزها الثورة المصرية. إن سقوط نظام بشار، وهو الأقوى من نظام السيسي، يبعث برسالة مفادها أن سقوط النظام المصري أيضا ليس مستحيلا.

أما الحدث الثاني فهو انتهاء حرب غزة، مع فشل جيش الاحتلال الإسرائيلي وكل داعميه في القضاء على المقاومة، وخاصة حركة حماس التي تمثل امتداداً لجماعة الإخوان المسلمين أبرز المعارضين لها. لنظام السيسي. إن صمود المقاومة في المعركة رغم المؤامرات الإقليمية والدولية ضدها كان مصدر إلهام لكل المناضلين.

أما الأمر الثالث المهم فهو الغضب الشعبي المتصاعد داخل مصر بسبب تزايد الأزمات المعيشية مع ارتفاع الأسعار وتراجع قيمة الجنيه المصري واحتدام أزمة الديون المحلية والدولية وغيرها.

قبل أيام قليلة من ذكرى يناير، تصاعدت دعوات التغيير، وجاءت في ثلاثة أشكال، بما في ذلك دعوات للإصلاح الجزئي من أحزاب داخل مصر، ودعوات للتغيير السياسي السلمي صادرة أيضًا عن قوى داخل مصر وخارجها، وأخيراً دعوة إلى التغيير. تغيير مسلح أعلنه رجل مصري في دمشق، وكان سلاحه أمامه على الطاولة، وبجانبه بعض الرجال الملثمين. ورغم أنني شخصياً ضد التغيير المسلح، وأنه لا يتناسب مع الوضع في مصر، ورغم أن السلطات السورية اعتقلت صاحب المكالمة (أحمد المنصور) ورفاقه، إلا أن حالة الذعر لا تزال قائمة في أوساط النظام المصري. وأذرعها. ويستغل النظام دعوته لترهيب المصريين، وإثناءهم عن المطالبة بالتغيير أو حتى الإصلاح الجزئي.

يقرأ: بدأ زميل سابق في السجن الأسترالي للمعارض المصري البريطاني المسجون إضرابا عن الطعام

وأمام مطالب التغيير أو حتى الإصلاح الجزئي، حرص النظام على تشديد قبضته القمعية ليبعث برسالة مفادها أنه لا يخشى هذه الدعوات، وأنه سيتصدى لها بكل حزم. وشنت الشرطة المصرية حملة اعتقالات جديدة في العديد من المناطق، وألقت القبض على العديد ممن سبق اعتقالهم. كما اعتقلت الشرطة مؤخرا زوجة أحد الصحفيين المعتقلين، وشخصية إعلامية أجرت مقابلة هنا لصالح أحد المواقع الإلكترونية. ورغم إطلاق سراح ندى مغيث، زوجة الصحفي أشرف عمر، بكفالة كبيرة، إلا أنها أبقت على الإعلامي أحمد سراج، رهن الحبس الاحتياطي على خلفية إجراء المقابلة. كما أحالت السلطات الناشر هشام قاسم مرة أخرى للتحقيق بتهم سبق أن حوكم وسجن بسببها.

ورغم المحاولات القمعية، لا تزال دعوات التغيير تتصاعد من داخل مصر، حيث دعت العديد من الأحزاب والقوى السياسية إلى التغيير السلمي لتجنب الفوضى المتوقعة التي ستدفع البلاد بأكملها ثمنها. وتضمنت مطالب التغيير حتى الآن الدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية حقيقية ونزيهة وتنافسية، تحت إشراف قضائي كامل ورقابة دولية حقوقية، وتحرير وسائل الإعلام من قبضة الأجهزة الأمنية، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.

وهناك أصوات داخل أجهزة النظام الأمنية تطالب ببعض التخفيف من أجل إطالة عمر النظام. وتستند هذه الدعوات إلى تجربة مبارك الذي سمح بعدد قليل من الإصلاحات التي مكنته من الحكم لمدة 30 عاما. لكن أصواتاً أخرى أكثر تطرفاً وتأثيراً ترى أن أي انفراج، مهما كان صغيراً، يكفي لفتح الباب أمام انفجار شعبي. وهذا الرأي يتبناه على وجه التحديد جهاز الأمن الوطني، الذي يحتفظ بثأر عميق من ثورة يناير بسبب ما تعرض له بعدها. وهذا الرأي هو الأكثر قبولا لدى السيسي، لأنه يتصرف دائما بناء على مخاوفه، لكن هذا الرأي الذي يؤدي حاليا إلى سياسات القمع والتطرف، سيكون سببا في الانفجار الشعبي. مثل هذه السياسات سبقت ثورة يناير أيضاً، رغم أن القمع قبل يناير كان أقل بكثير مما يحدث الآن، وبالتالي فإن الانفجار قادم عاجلاً أم آجلاً إذا استمرت هذه السياسات.

رأي: السيسي يوسع حصة الجيش الاقتصادية

ظهر هذا المقال باللغة العربية في عربي21 في 19 يناير 2025

الآراء الواردة في هذا المقال مملوكة للمؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لميدل إيست مونيتور.


شاركها.