أكد المستشار الألماني فريدريش ميرتس مجددًا دعم برلين الكامل لإسرائيل خلال زيارته لمتحف ياد فاشيم لإحياء ذكرى الهولوكوست في القدس يوم الأحد، وذلك قبيل محادثاته مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. تأتي هذه الزيارة في وقت بالغ الأهمية، حيث يسعى ميرتس إلى إعادة تأكيد العلاقات الراسخة بين البلدين بعد التوتر الذي شابها على خلفية الحرب في غزة.
دعم ألمانيا لإسرائيل: رسالة قوية من ياد فاشيم
وصل ميرتس إلى إسرائيل يوم السبت في أول زيارة له منذ فترة طويلة، وتعتبر هذه الزيارة ذات أهمية رمزية بالغة، خاصةً مع خلفية ألمانيا التاريخية. فخلال زيارته لمتحف ياد فاشيم، صرّح ميرتس قائلاً: “يجب أن تقف ألمانيا بحزم من أجل وجود وأمن إسرائيل”، مؤكداً على “المسؤولية التاريخية الدائمة” التي تتحملها بلاده تجاه المحرقة اليهودية.
استُقبل المستشار الألماني في مطار بن غوريون في تل أبيب من قبل وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، الذي وصف ميرتس بأنه “صديق لإسرائيل”. كما التقى ميرتس بالرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، وأكد له أن “الوقوف بجانب هذا البلد يظل وسيظل المبدأ الأساسي الذي لا يتغير لسياسة جمهورية ألمانيا الاتحادية”.
الحرب في غزة: ميزان دقيق بين الدعم والانتقاد
لطالما اعتبر دعم إسرائيل حجر الزاوية في السياسة الخارجية الألمانية، وذلك بسبب الإرث الثقيل لجرائم النازية ضد اليهود. إلا أن الحرب في غزة أثارت جدلاً واسعاً، حتى داخل ألمانيا. فقد انتقد ميرتس، الذي تولى منصبه في مايو، الحملة العسكرية الإسرائيلية مرات عديدة، معتبراً اياها “شديدة الوطأة”.
وتشير الإحصائيات الصادرة عن وزارة الصحة في قطاع غزة إلى مقتل أكثر من 70,350 فلسطينيًا منذ بداية الحرب، وهي أرقام تعتبرها الأمم المتحدة موثوقة. أدى ذلك أيضًا إلى قيام ميرتس بتقييد مبيعات الأسلحة الألمانية التي كان من الممكن استخدامها في غزة. ومع ذلك، رفعت ألمانيا هذه القيود بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار هش بوساطة أمريكية وتبادل الأسرى.
مباحثات مع الأردن وتركيز على الوضع الإنساني
لم تقتصر مباحثات ميرتس على المسؤولين الإسرائيليين، بل عقد أيضًا اجتماعًا مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال توقف قصير في الأردن. تركزت المناقشات بشكل كبير على عملية السلام في إسرائيل والأراضي الفلسطينية. ودعا ميرتس إلى زيادة المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وطالب بوقف إطلاق النار ووضع حد لمعاناة المدنيين.
كما أكد ميرتس على التزام ألمانيا والأردن بحل الدولتين، معربًا عن رأيه بأنه “لا يمكن أن يكون هناك مكان للإرهاب ومعاداة السامية في هذا المستقبل المشترك”. وذكر بيان صادر عن القصر الملكي الأردني أن الملك عبد الله الثاني شدد على “الحاجة إلى الالتزام بتنفيذ جميع مراحل الاتفاق لإنهاء الحرب وتقديم المساعدات الإنسانية إلى جميع مناطق القطاع”. وحذر الملك أيضًا من “خطر التصعيد الإسرائيلي المستمر في الضفة الغربية”، المحتلة منذ عام 1967.
موقف حماس والجهود المبذولة لإنهاء الصراع
من جهته، أعلن خليل الحية، القيادي في حماس ورئيسها في غزة، استعداد حركته لتسليم أسلحتها إلى حكومة فلسطينية مستقبلية، بشرط إنهاء الاحتلال الإسرائيلي. كما أشار إلى استعداد حماس “لإقرار نشر قوات أممية كقوة فصل” لضمان وقف إطلاق النار، لكنه رفض فكرة أي قوة دولية مهمتها نزع سلاح الحركة.
علاقات أمنية وتعاون عسكري مع إسرائيل
على الرغم من الانتقادات العلنية التي وجهها ميرتس لإسرائيل، والتي تعتبر غير معتادة بالنسبة لزعيم ألماني، إلا أنها جاءت في إطار منضبط. وبحسب مسؤولين ألمان، لا توجد حاليًا أي خطط لدعوة نتنياهو إلى برلين، وذلك بسبب مذكرة الاعتقال الصادرة بحقه من المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب في غزة.
إلا أن ذلك لم يؤثر على التعاون الأمني والعسكري الوثيق بين البلدين. فقد أعلنت ألمانيا الأسبوع الماضي عن تشغيل المرحلة الأولى من منظومة الدفاع الصاروخي “آرو” المصنعة في إسرائيل، في صفقة تقدر قيمتها بـ 4.5 مليار دولار، وهي الأكبر في تاريخ صادرات الأسلحة الإسرائيلية.
دعم ألمانيا للسلطة الفلسطينية والاتجاه نحو الإصلاح
قبل مغادرته برلين، أجرى ميرتس محادثة مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وأكد المتحدث باسمه على دعم ألمانيا لحل الدولتين، لكنه حث عباس على الإسراع في إجراء “إصلاحات ضرورية” في السلطة الفلسطينية، لتمكينها من لعب دور “بناء” في النظام ما بعد الحرب.
في الختام، تظهر زيارة المستشار الألماني فريدريش ميرتس لإسرائيل كتأكيد مجدد على التزام ألمانيا بدعم أمن إسرائيل، مع التركيز المتزايد على ضرورة معالجة الأبعاد الإنسانية للصراع والسعي نحو حل سياسي عادل ودائم. تتطلب هذه المرحلة الدقة في التعامل مع ملف دعم ألمانيا لإسرائيل، وموازنة ذلك مع الجهد المبذول لتحسين الأوضاع الإنسانية في غزة وتعزيز عملية السلام الشاملة. تواجه ألمانيا تحديات في السياسة الخارجية، خصوصاً فيما يتعلق بـ الحرب في غزة، وتسعى جاهدة للعب دور بناء يساهم في استقرار المنطقة.
