ولو جمعت كل القصائد النقدية الساخرة التي كتبها الشعراء العرب خلال العقود الثمانية الماضية التي مضت على قيام الكيان الصهيوني لوصف المواقف العربية الرسمية مما يحدث في قطاع غزة فإنها لن تكون كافية للتعبير عن طبيعة أحد هذه المواقف.
لو جمعت هجاءات مظفر النواب، وديوان نجيب سرور، وصرخات أمل دنقل في البرية في كتاب واحد، فلن يكون ذلك كافياً لإعطاء أصحاب هذه المناصب ما يستحقونه.
لقد شهدت الأيام السبعة الماضية انقلاباً هائلاً في المعادلة التقليدية التي كانت تقوم على ارتكاب الاحتلال الصهيوني للمجازر، ثم محاولة تبريرها، والادعاء بالتحقيق في الأخطاء التي ارتكبها في تنفيذها. كما صدرت بيانات استنكار عربية، عادة ما ترميها تل أبيب في سلة المهملات. والآن ظهرت معادلة مختلفة تماماً، حيث تستمتع إسرائيل بالمجازر وتعتبرها انتصارات، مدعومة بشرعية دولية وعربية، ولا يخجل المسؤولون العرب من التعبير عن استمتاعهم بمشاهدتها، بل إن بعضهم ذهب إلى حد التعبير عن الشماتة بالمقاومة الفلسطينية وإظهار تفهمه لدوافع العدو الصهيوني في تكثيف غاراته، كما حدث في المواصي بخان يونس. وول ستريت جورنال وكشفت أن إسرائيل استهدفت المنطقة التي يعتقد أن محمد الضيف يتواجد فيها بنحو ثمانية أطنان من القنابل، فيما ألقت طائرات إف 35 إسرائيلية أيضاً ثماني قنابل على المنطقة، تزن كل منها 2000 رطل.
رأي: إن تواطؤنا الجماعي وعارنا على غزة متجذر في الهولوكوست
ولم تلق الجريمة التي ارتكبت في المواصي أي ردود فعل عربية سوى الإعلان عن جولة جديدة من مفاوضات الصفقة، وتكرار المشاهد المملة التي لم تتغير منذ أكثر من سبعة أشهر، ولم تفض إلى شيء. وفي الوقت نفسه، تستمر استراتيجية التعلق الساذج بالجمهور الإسرائيلي، باعتبارها الوسيلة الوحيدة لإقناع مجرم الحرب بنيامين نتنياهو بالاستجابة لتوسلات الوسطاء.
في حين يستقبل العرب، دبلوماسياً وإعلامياً، مظاهرات ونشاطات الجمهور الصهيوني، فإنهم يقابلون الجمهور العربي بالعبوس والعداء والقسوة إذا حاول التعبير عن غضبه إزاء الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي يتعرض له إخوانهم الفلسطينيون، حيث لم تعد أغلب العواصم العربية تسمح لشعوبها بالتضامن مع فلسطين.
ومن الناحية المنطقية فإن تجريم التضامن مع الشعب الفلسطيني، وهو ما يحدث في القاهرة مثلا، وتجديد اعتقال مجموعة من الشباب مؤخرا الذين شكلوا مجموعة أطلقت على نفسها اسم “طلاب من أجل فلسطين” تدعو إلى مساعدة الطلاب الفلسطينيين في مصر في دفع رسوم دراستهم، يعني خدمة العدوان الإسرائيلي وحمايته من أي غضب شعبي.
إن هذا العار العربي يتخذ شكلاً أكثر وضوحاً في رد فعل السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، والتي انتقلت من الصمت والخذلان إلى الشماتة بالمقاومة والتحريض ضدها. الرجل الذي أعلن صراحة وعلناً عن حرصه على أمن إسرائيل واستقرارها قبل عدة سنوات عندما قال في افتتاح ما سمي بمنتدى الحرية والسلام الفلسطيني، الذي عقد في مقر السلطة الفلسطينية في رام الله بحضور شخصيات صهيونية: “نحن لا نسعى إلى إغراق إسرائيل بالملايين (من اللاجئين) ولا إلى تغيير تركيبتها الاجتماعية… هذا هراء… نحن نعمل من أجل مستقبل شباب إسرائيل… نحن نقدر حساسية إسرائيل تجاه الأمن، وخوفها من المستقبل والتطرف، ونوافق على أن يقوم حلف شمال الأطلسي بمهمة ضمان الأمن للطرفين، ونلتزم بكل اتفاقياتنا الأمنية لمواجهة خطر الإرهاب”. هذا الرجل يتطلع بشوق وإثارة عارمة إلى ذبح المقاومة في غزة وتسليم غزة له من أجل إخضاعها لنفوذ سلطته.
وفي ظروف أقل إذلالاً وتواطؤاً، أعتقد أن الشعب الفلسطيني لابد وأن يدرك الآن، أكثر من أي وقت مضى، سقوط وهم المظلة العربية المزعومة لمشروعه التحرري، وذلك لأن العواصم العربية المتنافسة على استضافة الصهاينة، الرسميين وغير الرسميين، لن تنشغل بأكثر من الحصول على دور المصيدة المضمونة التي تمنح الاحتلال وقتاً طيباً من خلال تحويل قضية الشعب الفلسطيني إلى قضية أوضاع اقتصادية سيئة، يمكن معالجتها بضخ بضعة ملايين من الدولارات.
إن هذا النوع القديم من الخيبة، إذا ما قورن بجوهر المواقف التطبيعية العربية اليوم، يمكن تصنيفه باعتباره النضال النهائي تضامناً مع الشعب الفلسطيني، لأن ما يحدث الآن هو أن غزة تذبح بسكين عربي حاد بيد مجرم صهيوني.
رأي: “عالم بلا حدود”: حب ثوري وتضامن مع فلسطين
ظهرت هذه المقالة باللغة العربية في العربي في 17 يوليو 2024.
الآراء الواردة في هذه المقالة تعود للمؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لموقع ميدل إيست مونيتور.