لقد بات واضحا أن إسرائيل تمتلك من المعلومات الاستخباراتية ما يكفي عن حزب الله اللبناني لشن ضربات شاملة وعميقة ضد قواته وبنيته التحتية وفوقيته، ليس فقط العسكرية، بل والمدنية أيضا. ولو أرادت تل أبيب أن تعطل فعليا شبكة اتصالات حزب الله بشكل مدمر للبنى التنظيمية للحزب وغرف العمليات ومراكز القيادة والسيطرة، لكانت قد تمكنت من ذلك بسهولة ربما لا يتصورها أحد.

لكن من الواضح تماماً أن إسرائيل ليست في خضم حرب شاملة ومفتوحة مع الحزب. فبحسب الحسابات الإسرائيلية (والأميركية من قبلها)، ليس هذا هو الوقت المناسب لحرب شاملة مع حزب الله، وبالطبع مع إيران. وما زال الجيش الإسرائيلي يحصي خسائره المادية والمعنوية الناجمة عن عملية طوفان الأقصى والحرب التي تلتها والتي استنزفت قدرات تل أبيب العسكرية بشكل كبير ووجهت ضربة إلى مكانة الجيش وتماسكه. فضلاً عن ذلك، لم يتبق سوى أقل من شهرين على الانتخابات الرئاسية الأميركية، ولا تستطيع واشنطن أن تتحمل اندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط في هذا الوقت الحرج للمرشحين الرئاسيين، فضلاً عن التأثير المباشر على الإدارة الديمقراطية الحالية.

وبالتالي فإن هدف إشعال حرب إسرائيلية شاملة مع حزب الله أو تنفيذ هجوم واسع النطاق وعميق على الحزب ولبنان ليس على أجندة إسرائيل حالياً، خاصة وأن الحرب في غزة لم تنته بعد، ولا تزال المخاوف بشأن القدرات العسكرية لحماس والمقاومة الفلسطينية قائمة. ولا تملك تل أبيب ترف تحويل تركيزها العسكري بالكامل إلى الشمال، دون تأمين الجنوب في غزة، في ظل اتفاق يضمن عدم تكرار طوفان الأقصى، على الأقل في المستقبل القريب.

ولا يعني هذا أن أهداف إسرائيل تقتصر على تصفية عدد من قيادات الحزب وأعضائه، فهي تنفذ بالفعل عمليات تصفية ومطاردة لأعضاء الحزب وكوادره، وتزايدت وتيرتها في الأشهر الأخيرة، كما طالت الخسائر الناجمة عن انفجار أجهزة الاتصالات العديد من المدنيين، مما زاد من بشاعة صورة إسرائيل، وأضاف إلى سجلها المليء بالجرائم ضد الإنسانية، والذي تزايد بشكل كبير بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول) (2023).

رأي: إننا في حاجة ماسة إلى الأممية للوقوف ضد سياسات الإبادة الجماعية

إن فهم الدوافع يبدأ بقراءة النتائج، والنتيجة الأولى للعملية الإسرائيلية هي إحداث حالة من الارتباك التنظيمي في صفوف حزب الله وصدمة قياداته أمام الانكشاف الأمني ​​والفني الخطير، فضلاً عن ضرب معنويات قواعد الحزب والمتعاطفين معه داخل المجتمع اللبناني. فضلاً عن ذلك فإن إسرائيل ستستفيد من الوقت الذي سيحتاجه حزب الله لاكتشاف الخونة والعملاء في صفوفه، ومن ثم إعادة ترتيب آليات عمله وديناميكيات الاتصال والسيطرة والتوجيه، سواء العملياتية أو الميدانية أو الإدارية، وخاصة على مستوى القيادات.

في الأشهر القليلة الماضية، كانت المواجهات بين إسرائيل وحزب الله تحكمها قاعدة “الرد حسب حجم العمل”. فبعد نكسة السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ثم نكسات الحرب في غزة، تحاول إسرائيل استعادة مكانتها العسكرية وتأكيد امتلاكها الأدوات والقدرات التي تضمن لها إلحاق دمار واسع النطاق بقدرات الحزب وبنيته التحتية العسكرية واللوجستية والبشرية. كما تعمل على إرساء أهم قواعد الاشتباك المعمول بها حالياً: “الضرر وليس التدمير”.

إن المعنى الأعمق لهذه الرسالة موجه إلى الأطراف الأخرى، التي قد تعتبر إسرائيل الآن ضعيفة أو أقل قوة وقدرة مما بدت عليه. والجانب الإعلامي والنفسي للضربات والاستهدافات المتوالية في الأيام الماضية يهدف إلى دفع كل الأطراف إلى مراجعة حساباتها بشكل متكرر، قبل أن تبني حساباتها على الصدمة العنيفة التي أحدثها طوفان الأقصى، إلى الحد الذي دمر نظرية الردع الإسرائيلية بشكل شبه كامل. ونجاح هذه الحسابات الإسرائيلية مشروط بعقلانية مماثلة من جانب حزب الله، وكذلك من جانب إيران، وهو ما سوف يتكشف في الأيام المقبلة.

ظهرت هذه المقالة باللغة العربية في العربي في 23 سبتمبر 2024.

رأي: قتل الأطفال المتأصل في الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل

الآراء الواردة في هذه المقالة تعود للمؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لموقع ميدل إيست مونيتور.

شاركها.