اليمن على مفترق طرق: سيطرة الجنوبيين تثير مخاوف من حرب أهلية جديدة
شهد اليمن تطورات دراماتيكية في التاسع من ديسمبر، حيث أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي، مما يهدد بإشعال حرب أهلية جديدة بعد فترة هدوء طويلة. هذه التطورات تثير حالة من عدم اليقين في بلد يقع بالقرب من طرق بحرية حيوية، وتلقي بظلالها على الاستقرار الإقليمي. يمثل هذا التصعيد تحديًا جديدًا لجهود السلام الهشة في اليمن، ويطرح تساؤلات حول مستقبل البلاد.
تاريخ الصراع في اليمن: جذور عميقة
لفهم الوضع الحالي، يجب العودة إلى تاريخ اليمن المعقد. كان اليمن مقسمًا إلى دولتين، شمالية وجنوبية، حتى عام 1990. شهدت اليمن الجنوبية، التي كانت الدولة العربية الشيوعية الوحيدة، توحيدًا مع الشمال بعد حرب أهلية داخلية عام 1986 أدت إلى تدمير قيادتها السياسية، بالتزامن مع انهيار الاتحاد السوفيتي، راعيها المالي الرئيسي.
بعد الوحدة، هيمنت المنطقة الشمالية، وحاولت الأحزاب الجنوبية الانفصال، مما أدى إلى حرب قصيرة عام 1994 انتصر فيها الشمال. في الوقت نفسه، ظهرت حركة الحوثيين في الشمال في أواخر التسعينيات، وخاضت حرب عصابات ضد الحكومة بسبب ما اعتبروه تهميشًا للطائفة الزيدية الشيعية.
الربيع العربي وتصاعد الفوضى
مع اندلاع احتجاجات الربيع العربي عام 2011، تفككت المؤسسة العسكرية اليمنية. دعمت دول الخليج انتقالًا سياسيًا بحكومة مؤقتة في صنعاء، وبدأت محادثات حول دستور فيدرالي جديد، لكن الحوثيين والانفصاليين الجنوبيين عارضا ذلك.
في أواخر عام 2014، استولى الحوثيون على صنعاء، وفرت الحكومة المؤقتة إلى الجنوب عام 2015، مما أدى إلى تدخل تحالف بقيادة السعودية لدعم الحكومة ضد الحوثيين.
أهمية سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي
استمرت الحرب الأهلية اليمنية لسنوات على خطوط مواجهة مستقرة نسبيًا. لكن سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على جزء كبير من الجنوب تهدد هذا الوضع الهش.
تأثيرات اقتصادية واستراتيجية
تأتي هذه السيطرة في وقت حرج، خاصةً بعد أن أدت هجمات الحوثيين على الشحن في البحر الأحمر بسبب الحرب في غزة إلى تعطيل التجارة العالمية، مما يؤكد إمكانية تصعيد النزاع وتجاوز حدوده. بالإضافة إلى ذلك، تسيطر الآن على جزء كبير من احتياطيات النفط اليمنية المتواضعة ومنشآت الإنتاج، كما أن السيطرة على عدن، العاصمة الجنوبية القديمة، تشكل تحديًا للحكومة المعترف بها دوليًا.
يطل اليمن على مضيق باب المندب، وهو ممر مائي ضيق يربط البحر الأحمر بخليج عدن، وهو طريق تجاري بحري حيوي بين أوروبا وآسيا والشرق الأوسط.
هل سينفصل الجنوب؟
تأسس المجلس الانتقالي الجنوبي عام 2017 من مجموعة متنوعة من الفصائل الجنوبية المتنافسة. يعتبر الاستقلال تطلعات لجميع الجنوبيين، ويرفع علم اليمن الجنوبي القديم. ومع ذلك، فقد أشار أيضًا إلى أنه يسعى إلى الحكم الذاتي في الوقت الحالي، وأن أولويته الفورية هي محاربة الحوثيين.
يتكون المجلس الانتقالي الجنوبي من شبكة قوية من القادة العسكريين والأمنيين المرتبطين ارتباطًا وثيقًا بالإمارات العربية المتحدة، والذين برزوا خلال معركة إخراج الحوثيين من عدن عام 2015.
انضم المجلس الانتقالي الجنوبي إلى المجلس الرئاسي اليمني، وهو الهيئة التي تولت مهام رئيس الدولة في الحكومة المعترف بها دوليًا، في عام 2022. ومع ذلك، ليس من الواضح إلى أي مدى تمكنت الحركة الجنوبية من وضع خلافاتها الإقليمية والقبلية والأيديولوجية جانبًا والتوحد حول أهداف مشتركة.
موقف الحكومة المعترف بها دوليًا
على الرغم من أن الحكومة المعترف بها دوليًا تتخذ من عدن مقرًا لها منذ فرارها من الحوثيين في أوائل عام 2015، إلا أنها قضت معظم هذا الوقت في العمل من العاصمة السعودية الرياض. غادر رئيس الحكومة، رشاد العليمي، ورئيس الوزراء، سالم صالح بن برايك، عدن إلى الرياض عندما سيطر المجلس الانتقالي الجنوبي، وفقًا لما قاله المجلس الجنوبي.
أكد العليمي أن تصرفات المجلس الانتقالي الجنوبي تقوض شرعية الحكومة وتنتهك اتفاقيات تقاسم السلطة. لكن الحكومة قد تجاوزت الانقسامات في تحالفها من قبل، حيث اشتبك مقاتلو المجلس الانتقالي الجنوبي مع القوات الموالية للحكومة في عام 2017.
دور الحوثيين والقوى الخارجية
لا يزال الحوثيون متجذرين بعمق في المناطق الأكثر كثافة سكانية في اليمن في المرتفعات وعلى الساحل الأحمر. على الرغم من أنهم أعداء لدودون للحكومة المدعومة دوليًا والمجلس الانتقالي الجنوبي، إلا أن القتال بين الأطراف الثلاثة كان محدودًا لسنوات، وليس من الواضح ما إذا كانت المكاسب الجنوبية ستغير ذلك.
يحظى الحوثيون بدعم إيران، التي قدمت لهم بعض التدريب والمعدات. تمارس السعودية نفوذًا طويل الأمد في اليمن، وتدخلت عام 2015 لدعم الانتقال السياسي الذي توسطت فيه بسبب مخاوفها بشأن علاقة الحوثيين مع إيران، عدوتها الإقليمية. تدعم السعودية الحكومة المعترف بها دوليًا وقوات مختلفة تدعمها، بما في ذلك المقاتلين المرتبطين بجماعة الإخوان المسلمين حول مأرب في الشمال.
انضمت الإمارات العربية المتحدة إلى التحالف بقيادة السعودية عام 2015 وكانت نشطة عسكريًا في الجنوب، حيث دعمت الجماعات الجنوبية، مما كشف عن احتكاكات بين المملكتين الخليجيتين. تعارض الإمارات بشدة جماعة الإخوان المسلمين.
مستقبل اليمن: تحديات جمة
إن الوضع في اليمن معقد للغاية، ويتطلب حلولًا شاملة تأخذ في الاعتبار مصالح جميع الأطراف. إن استمرار الصراع يهدد بتقويض الاستقرار الإقليمي، ويعيق جهود التنمية، ويؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية. من الضروري استئناف الحوار السياسي، والتوصل إلى اتفاق بشأن تقاسم السلطة، ومعالجة الأسباب الجذرية للصراع. إن تحقيق السلام الدائم في اليمن يتطلب التزامًا دوليًا قويًا، وتعاونًا إقليميًا، ورغبة حقيقية في التنازل من جميع الأطراف.
بالإضافة إلى ذلك، يجب التركيز على تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة للمدنيين المتضررين من الحرب، وإعادة بناء البنية التحتية المتضررة، وتعزيز الحكم الرشيد وسيادة القانون. إن مستقبل اليمن يعتمد على قدرة اليمنيين على التغلب على خلافاتهم، والعمل معًا من أجل بناء مستقبل أفضل لأجيالهم القادمة.
