في خضم استمرار الاشتباكات في منطقة تشهد صراعات منذ أمد بعيد، استضافت العاصمة واشنطن اتفاقًا تاريخيًا بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، برعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. يمثل هذا الاتفاق، الذي تم توقيعه يوم الخميس، خطوة نحو تحقيق الاستقرار في المنطقة، ولكنه يأتي في وقت لا تزال فيه التحديات الإنسانية والجيوسياسية قائمة. يركز هذا المقال على تفاصيل هذا الاتفاق، والسياق الذي تم توقيعه فيه، والتحديات المستقبلية التي قد تواجهه، مع التركيز على دور الولايات المتحدة في هذا المسعى، بالإضافة إلى الأهداف الاقتصادية التي تسعى إليها.
اتفاق سلام برعاية ترامب: نظرة عامة
وقّع رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسيكيدي، والرئيس الرواندي، بول كاجامي، على اتفاقية تكامل اقتصادي تم الاتفاق عليها الشهر الماضي، وعلى اتفاق سلام توسطت فيه الولايات المتحدة في يونيو الماضي. بالإضافة إلى ذلك، كان من المقرر أن يوقع الطرفان اتفاقية تتعلق بالمعادن الحيوية. هذا التوقيع يمثل انتصارًا دبلوماسيًا لترامب، وإن كان ذلك يتناقض مع الواقع المرير للقتال الدائر في المنطقة.
وصرح ترامب: “نحن نضع حدًا لحرب مستمرة منذ عقود. لقد أمضوا الكثير من الوقت في قتل بعضهم البعض، والآن سيقضون الكثير من الوقت في العناق وتبادل أطراف الحديث والاستفادة من الولايات المتحدة الأمريكية اقتصاديًا – مثلما تفعل كل دولة أخرى.” يشير هذا التصريح إلى الأهمية التي يوليها الرئيس الأمريكي للعلاقات الاقتصادية مع البلدين الأفريقيين.
دوافع الولايات المتحدة: الوصول إلى الموارد الطبيعية
تسعى واشنطن جاهدة للحصول على مجموعة واسعة من الموارد الطبيعية في الكونغو، وتتنافس عالميًا مع الصين للسيطرة على المعادن الحيوية. تشمل هذه المعادن التنتالوم والقصدير والولفرام والذهب والكوبالت والنحاس والليثيوم وغيرها، والتي تعتبر ضرورية للصناعات التكنولوجية المتقدمة. الكونغو تعتبر غنية بموارد المعادن الاستراتيجية، مما يجعلها نقطة جذب رئيسية للقوى العالمية.
الأهداف الاقتصادية للولايات المتحدة ليست سرًا، وقد صرح مسؤولون أمريكيون مرارًا وتكرارًا برغبتهم في تسهيل استثمارات غربية بمليارات الدولارات في المنطقة. تسعى الولايات المتحدة إلى تنويع مصادر هذه المعادن لضمان استقرار سلاسل التوريد وتقليل الاعتماد على مصدر واحد، وهو الصين في الوقت الحالي.
استمرار الاشتباكات والتحديات على الأرض
على الرغم من توقيع الاتفاقية، استمرت الاشتباكات بين متمردي حركة 23 مارس (M23) المدعومين من رواندا والجيش الكونغولي في مقاطعة كيفو الجنوبية. اتهم متحدث باسم M23 القوات الحكومية بقصف عدة مناطق مدنية.
حركة 23 مارس سيطرت على أكبر مدينتين في شرق الكونغو في وقت سابق من هذا العام، مما أثار مخاوف من اندلاع حرب أوسع نطاقًا. ويقول المحللون إن الدبلوماسية الأمريكية نجحت في وقف تصعيد القتال، لكنها لم تتمكن من حل المشاكل الأساسية التي تسببه. يتزايد القلق بشأن الوضع الإنساني المتدهور، وضرورة توفير الحماية للمدنيين المتضررين.
دور الأطراف الإقليمية والدولية
تأتي هذه الجهود في ظل تدخلات إقليمية ودولية أخرى. ففي حين تتوسط قطر في محادثات منفصلة مع حركة 23 مارس، تواصل الأمم المتحدة جهودها لرصد الوضع وتقييم الانتهاكات المحتملة لحقوق الإنسان. هناك حاجة ماسة إلى تنسيق الجهود بين جميع الأطراف المعنية لضمان تحقيق نتائج ملموسة على الأرض. كما أن الدعم المقدم للمنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة يعتبر أمرًا بالغ الأهمية لتلبية احتياجات السكان المتضررين.
شكوك حول فعالية الاتفاقية
أعرب العديد من المراقبين عن شكوكهم حول قدرة الاتفاقية على تغيير الوضع الإنساني على الأرض. يتهم كل من الجيش الكونغولي وحركة 23 مارس بعضهما البعض بانتهاك اتفاقيات وقف إطلاق النار الحالية. وفي مؤتمر صحفي بواشنطن، اتهم مسؤول كونغولي، باتريك مويايا، حركة 23 مارس بمسؤوليتها عن الاشتباكات الأخيرة، واصفًا إياها بـ “دليل على أن رواندا لا تريد السلام.”
كما أن ما أعلنه الحائز على جائزة نوبل للسلام عام 2018، دينيس موكويجي، من باريس، عزز هذه الشكوك. قال موكويجي إن هذه الصفقات مدفوعة بشكل أكبر بالسعي إلى الحصول على المعادن بدلاً من الرغبة الصادقة في إنهاء سفك الدماء. وأضاف: “بالنسبة لي، من الواضح أن هذا ليس اتفاق سلام. الدليل: هذا الصباح، في قريتي الأم، كان الناس يدفنون الموتى بينما كان يتم توقيع اتفاق سلام. لا تزال حركة 23 مارس تستولي على الأراضي.”
نفي رواندا والاتهامات المتبادلة
تنفي رواندا دعمها لحركة 23 مارس. وقالت كيغالي إن قواتها تصرفت دفاعًا عن النفس ضد مسلحين من الهوتو مرتبطين بإبادة رواندا عام 1994، والتي راح ضحيتها أكثر من مليون شخص. لكن خبراء الأمم المتحدة أكدوا في يوليو الماضي أن رواندا تمارس قيادة وسيطرة على المتمردين.
تزعم حركة 23 مارس أنها تقاتل لحماية المجتمعات من عرقية التوتسي في شرق الكونغو. وتشكل تقدم المتمردين أحدث حلقة في سلسلة من الصراعات العرقية في المناطق الحدودية الشرقية للكونغو ورواندا، والتي كانت مصدرًا للنزاعات لعقود. الحروب المدمرة في منطقة البحيرات العظمى الأفريقية بين عامي 1996 و 2003 أودت بحياة الملايين. لقد أدت الموجة الأخيرة من القتال إلى مقتل الآلاف ونزوح مئات الآلاف. الوضع يتطلب حلولًا مستدامة تعالج الأسباب الجذرية للصراع.
في الختام، يمثل اتفاق السلام الذي تم توقيعه في واشنطن خطوة إيجابية نحو تحقيق الاستقرار في منطقة الكونغو ورواندا، ولكنه يواجه تحديات كبيرة على الأرض. يتطلب تحقيق السلام الدائم معالجة القضايا الأساسية، وضمان المساءلة عن الانتهاكات، وتلبية احتياجات السكان المتضررين. يبقى دور الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الجهود الإقليمية والدولية الأخرى، حاسمًا في دعم هذا المسعى. يجب أن يركز المجتمع الدولي على تعزيز الحوار، وتقديم المساعدة الإنسانية، والعمل على تحقيق التنمية المستدامة في المنطقة للوصول إلى حلول طويلة الأمد. الأمن الإقليمي و التنمية الاقتصادية هما أساس الاستقرار في هذه المنطقة الحيوية.
