في 10 أكتوبر 2025، دخل وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة بين إسرائيل وغزة حيز التنفيذ. وقيل للعالم إن العنف سيتوقف، وسيتنفس المدنيون، وستبدأ عملية إعادة الإعمار. وبدلاً من ذلك، حولت إسرائيل وقف إطلاق النار إلى قناع لاستمرار العدوان. وفي ليلة 28-29 تشرين الأول/أكتوبر، قتلت الغارات الجوية الإسرائيلية أكثر من مائة فلسطيني، من بينهم ستة وأربعون طفلاً. واختفت عائلات بأكملها تحت الأنقاض بينما كانت الطائرات تقصف الأحياء السكنية في وسط غزة. ومرة أخرى يدفع المدنيون ثمن الهدنة التي انتهكت دون عقاب.
“إذا كان هذا وقفًا لإطلاق النار، فكيف ستبدو الحرب؟” أب في دير البلح يبكي على جثة ابنته البالغة من العمر عشر سنوات. كربته ليست استعارة شعرية. إنه واقع غزة اليومي، محفوراً في وجوه الآباء الذين يرسلون أطفالهم للنوم ولا يعرفون ما إذا كان الفجر سيعيدهم أحياء.
وحذر رئيس الوزراء القطري بصراحة من أن “وقف إطلاق النار يجب ألا يكون غطاءً لاستمرار العدوان. فالانتهاكات تقوض كل الثقة والطريق إلى السلام”. سمعه العالم، أومأ برأسه دبلوماسياً، ثم عاد إلى الصمت. وسمعته غزة، وواصلت دفن أطفالها.
وقف إطلاق النار الذي لم يحدث قط
واحتفل الدبلوماسيون بـ”الوقفة”. وشهدت غزة استمراراً للحرب باسم آخر. وتواجه قوافل المساعدات صعوبة في الدخول. كافحت المستشفيات لتعمل. الصدمة لم يكن لها استراحة. وظلت المنازل عبارة عن أكوام من الخرسانة والغبار. الأشخاص الذين حاولوا إعادة البناء رأوا أن جهودهم تحطمت مرة أخرى في غضون أيام.
وهمس أحد الناجين في الثالثة عشرة من عمره في النصيرات قائلاً: “لقد وعدوا بالهدوء. لكن القنابل جاءت مرة أخرى. كان أخي نائماً”. ولم يرتعش صوتها من الخوف وحده، بل من إدراكها أن العالم يعد الفلسطينيين بالبقاء على قيد الحياة كخدمة، وليس كحق لهم على الإطلاق.
وقد صور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الرعب بوضوح: “لقد أصبحت غزة مقبرة للأطفال. ولا يمكن للعالم أن ينظر بعيدا”. لكن العواصم القوية تنظر بعيدا ــ وعندما لا تستطيع ذلك، فإنها تلجأ إلى التبرير والتقليل من شأن الأمر وتبريره.
اقرأ: رئيس الوزراء القطري: انتهاك وقف إطلاق النار في غزة “مخيب للآمال ومحبط”
رواية إسرائيل مقابل الحقيقة على الأرض
وتزعم إسرائيل أن هجومها كان انتقاما لمقتل جندي إسرائيلي. وهذا التبرير، حتى لو كان دقيقا، لا يضفي الشرعية على القتل الجماعي في ظل هدنة معلنة. غزة لم تكن تطلق الصواريخ؛ وكان شعبها يحاول التنفس. لم تتصرف إسرائيل بدافع الضرورة، بل انطلاقا من العقيدة – الاعتقاد بأن الحياة الفلسطينية عبارة عن معاملات وأن وقف إطلاق النار هو مجرد وسائل راحة، وليس التزامات.
وقال أحد عمال الإغاثة الفلسطينيين: “إسرائيل تقصف أولاً، وتبرر لاحقاً”. “إنهم يجدون دائمًا سببًا، والعالم يقبله دائمًا.”
وقد حذر الخبراء القانونيون منذ فترة طويلة من هذا النمط. قالت المدعية العامة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودة ذات مرة: “عندما تطالب الأقوياء بالإعفاء من القانون، تكون النتيجة دائمًا معاناة جماعية”. إن تحذيرها اليوم يعتبر بمثابة نبوءة مكتوبة بدماء الأطفال الفلسطينيين.
إن الجغرافيا الأخلاقية للعالم تتغير
ويصر زعماء إسرائيل على أن هذه الهجمات تضمن الأمن. لكن الأمة لا تستطيع تأمين مستقبلها على جثث أطفالها. ولا يمكنها أن تقصف طريقها إلى الشرعية. ولا يمكنها أن تمحو شعباً وتتوقع أن ينبثق السلام من تحت الأنقاض المشتعلة.
قال رئيس أساقفة جنوب أفريقيا ديزموند توتو ذات مرة: “لقد خلقت إسرائيل واقع الفصل العنصري”. ولم يتكلم بلا مبالاة. لقد تحدث كرجل عرف رائحة الفصل العنصري شخصيا، وتعرف عليه على الأرض الفلسطينية.
جيل اليوم يرى من خلال البيانات الرسمية والإيجازات العسكرية. إنهم يشهدون الإبادة الجماعية في الوقت الحقيقي، وليس من خلال عدسات جيوسياسية انتقائية. إن غضبهم يعيد تشكيل ضمير العالم. ولهذا السبب لا تخشى إسرائيل مقاتلي المقاومة فحسب، بل تخشى أصوات الشباب، والاحتجاجات الطلابية، وشبكات التضامن العالمية، والوضوح الأخلاقي للناس العاديين.
اقرأ: المفوض السامي لحقوق الإنسان “فزع” من الغارات الجوية الإسرائيلية القاتلة في غزة
المعاناة الإنسانية، وليس الجغرافيا السياسية المجردة
المستشفيات تحولت إلى المشارح. المدارس تحت الأنقاض. يتعرف الآباء على أطفالهم من خلال قصاصات الملابس. لقد أصبحت الصدمة هي الهواء الذي تتنفسه غزة. لا يمكن لأي لغة أن تحتوي هذا الحزن بشكل كامل، ومع ذلك يصر الفلسطينيون على وصف ما يفضل العالم ألا يسمعه.
وقالت ممرضة في خان يونس بهدوء: “في كل مرة نعيد البناء، يدمرون مرة أخرى”. “حتى وقف إطلاق النار كان كذبة. نحن نعيش في خراب دائم”. لا ينبغي للطفل أن يتحدث مثل الروح القديمة. لا ينبغي للممرضة أن تتحدث كما لو أن الأمل غريب. ومع ذلك فإنهم يفعلون ذلك، لأن واقعهم لا يترك مجالاً للأوهام.
وتساءل الشاعر الفلسطيني محمود درويش: “أين نذهب بعد الحدود الأخيرة؟ وأين تطير الطيور بعد السماء الأخيرة؟” تعيش غزة اليوم هذا السؤال دون إجابة، وقد تخلى عنه أولئك الذين يدعون الوصاية على حقوق الإنسان.
تأخرت العدالة، ولكن لم يتم إنكارها
إن انتهاكات إسرائيل لوقف إطلاق النار ليست حوادث معزولة. إنها تعبيرات عن لاهوت سياسي يضع حقوق شعب ما فوق وجود شعب آخر. ويتم تمكينهم من خلال التواطؤ الغربي والدعم المادي والحماية الدبلوماسية. ولكن كما ذكّر مارتن لوثر كينغ جونيور البشرية، فإن “قوس الكون الأخلاقي طويل، ولكنه ينحني نحو العدالة”.
إنها تنحني ببطء إلى حد لا يطاق بالنسبة لقتلى غزة، ولكن لا بد من أن تنحني. التاريخ يراقب. وكذلك الناجون. سوف تدوم ذكراهم أكثر من الإحاطات العسكرية والدعاية. وأنقاض غزة هي الشهادة. ودموع أبنائها هي الشهادة. أسماء الموتى، حتى لو لم يتم تسجيلها، هي شهادة.
لقد تم انتهاك وقف إطلاق النار. تحطمت الثقة. لكن الحقيقة تظل ثابتة. غزة تنزف وغزة تتكلم. وقد استنفدت أعذار العالم لعدم الاستماع.
رأي: إسرائيل تغش في وقف إطلاق النار وتسجن أمة
الآراء الواردة في هذا المقال مملوكة للمؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لميدل إيست مونيتور.
    
    
 
		 
									 
					