في تطور لافت، شهد مؤتمر “أمريكا فيست” (America Fest) الذي تنظمه منظمة “Turning Point USA” المحافظة في الولايات المتحدة انقسامًا حادًا وتوترًا متزايدًا بين أبرز الشخصيات المرتبطة بحركة “اجعلوا أمريكا عظيمة مرة أخرى” (Make America Great Again – MAGA). يأتي هذا الانقسام على خلفية انتقادات متصاعدة لما يصفه البعض بسياسات “إسرائيل أولاً”، وتزامن مع التوتر الأوسع في المنطقة وتصاعد الانتقادات في الأوساط اليمينية الأمريكية لمستوى الدعم الأمريكي لإسرائيل.

مؤتمر “أمريكا فيست” والانقسام حول إسرائيل

يشكل هذا المؤتمر، أول تجمع كبير للمنظمة منذ وفاة مؤسسها تشارلي كيرك في وقت سابق من هذا العام، نقطة تحول في الخطاب اليميني الأمريكي. لم يعد الدعم المطلق لإسرائيل أمرًا مفروغًا منه حتى بين حلفاء إسرائيل التقليديين في الولايات المتحدة. ويراقب المراقبون عن كثب تطورات هذا المؤتمر، في ظل التحولات السياسية المتسارعة وشعور متزايد بالاستياء بين بعض قطاعات اليمين الأمريكي تجاه السياسات الخارجية للولايات المتحدة.

المواجهة بين بين شابيرو وتوكر كارلسون

تصاعدت حدة الخلافات العلنية خلال خطابات المؤتمر، حيث شنّ المعلق السياسي المؤيد لإسرائيل بن شابيرو هجومًا لاذعًا على الإعلامي السابق في فوكس نيوز، توكر كارلسون. جاء هذا الهجوم ردًا على مقابلة أجراها كارلسون مع نيك فوينتس، وهو شخصية يمينية متطرفة معروفة بانتقاداتها اللاذعة لإسرائيل. وصف شابيرو قرار كارلسون بإجراء هذه المقابلة بأنه “عمل من أعمال الغباء الأخلاقي”، مشيرًا إلى أن فوينتس هو “مدافع عن هتلر، محب للنازية، وإنسان خسيس معادٍ لأمريكا”.

رد كارلسون وانتقادات لـ “قمع الخطاب”

لكن كارلسون لم يتراجع، بل ردّ على شابيرو بهجوم مضاد، متهماً إياه بمحاولة قمع أي خطاب ينتقد إسرائيل. وأشار إلى أن غالبية الأمريكيين تتفق على مبادئ أساسية، وأنهم منفتحون على “نقاش بحسن نية” حول كيفية تحقيق تلك المبادئ. وتابع قائلاً: “باستثناء قلة، وهم الذين يدورون ويصفون الجميع بمعاداة السامية. لكن الجميع الآخرين يقولون، نعم، بالطبع، يجب أن يكون هذا هو محور النقاش.”

موقف كارلسون من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

خُطى كارلسون أبعد من ذلك، معربًا عن موقف نقدي تجاه إسرائيل، قائلاً: “إذا ارتكب رجل جريمة، فهل نقتل أطفاله؟ لا أهتم إذا كان ذلك في مينيابوليس أو غزة. لا نفعل ذلك”. وأضاف بعناد: “الله ليس على جانب أي دولة”. كما انتقد بشدة التعصب ضد المسلمين، معتبراً أن توجيه الاتهامات ضد الملايين من الأمريكيين المسلمين أمر “مثير للاشمئزاز”.

تصريحات مثيرة للجدل من ستيف بانون

أضاف ستيف بانون، الاستراتيجي السابق في البيت الأبيض لإدارة الرئيس دونالد ترامب، المزيد من الزيت على النار بتصريحاته التي أثارت جدلاً واسعاً. وقال بانون إن تشارلي كيرك كان يعارض “هذا المفهوم الخاص بإسرائيل الكبرى وسياسات ‘إسرائيل أولاً'”. وانتقد بانون أيضاً بن شابيرو بشدة، واصفًا إياه بأنه “مثل السرطان، وهذا السرطان ينتشر”.

ولم يتوقف بانون عند هذا الحد، فقد التقطته كاميرا أخرى وهو يقول: “العدو الأول لإسرائيل هم اليهود الأمريكيون الذين لا يدعمون إسرائيل ولا يدعمون حركة MAGA …أكبر عدو لكم هو داخل الدائرة، المليارديرات اليهود التقدميين.” وأكد أن اليمين الأمريكي يدعم إسرائيل تقليدياً، ولكنه أشار إلى وجود تحولات في هذا الدعم.

تقييم إعلامي: ريف في حركة “MAGA”

من جانبها، علقت الإعلامية ميجان كيلي على الوضع، مشيرة إلى أن “هناك شرخًا [داخل حركة MAGA] حتى قبل أن نفقد تشارلي… وهذا الشرخ يدور حول إسرائيل”. وهذا يشير إلى أن الخلاف حول الدعم الأمريكي لإسرائيل قد كان كامنًا في حركة “MAGA” لفترة طويلة، وأن وفاة تشارلي كيرك قد فتحت الباب أمام مناقشات أكثر صراحة وعلنية حول هذا الموضوع الشائك.

تأييد إيريكا كيرك وخطط مستقبلية

وسط هذه الخلافات، أعلنت إيريكا كيرك، أرملة تشارلي كيرك والقائدة الجديدة لمنظمة “Turning Point USA”، تأييدها لنائب الرئيس الحالي، جيه دي فانس، لخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية في عام 2028. من المقرر أن يلقي فانس كلمة في المؤتمر يوم الأحد، ومن المتوقع أن تتناول كلمته هذه القضية الحساسة، وتحدد موقفه من الصراع المتصاعد حول الدعم الأمريكي لإسرائيل. التركيز على السياسة الأمريكية يتزايد مع إدراك هذه الشخصيات لأهمية حشد التأييد الشعبي في الداخل.

خلاصة الأمر

يشير الانقسام الذي شهده مؤتمر “أمريكا فيست” إلى تحول محتمل في اليمين الأمريكي، حيث لم يعد الدعم لإسرائيل أمرًا تلقائيًا. يثير هذا التطور تساؤلات حول مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية، ودور إسرائيل في هذه السياسة، وإلى أي مدى ستتمكن الشخصيات المؤيدة لإسرائيل من الحفاظ على نفوذها داخل حركة MAGA وغيرها من الحركات اليمينية المتنامية في الولايات المتحدة. من الضروري متابعة تطورات هذا المؤتمر، وفهم المواقف المختلفة للشخصيات المؤثرة فيه، من أجل تقييم التداعيات المحتملة لهذا الانقسام على المشهد السياسي في الولايات المتحدة والمنطقة. نحن أمام مرحلة جديدة تتطلب تحليلًا دقيقًا ومشروحًا وفهمًا عميقًا للسياسة الداخلية الأمريكية وتأثيرها على المشهد الدولي.

شاركها.