تونس تشهد مظاهرات حاشدة ضد الحكومة وتطالب بالإفراج عن المعارضين، في مشهد يعكس تصاعد وتيرة الغضب الشعبي من التضييق على الحريات. شهدت العاصمة التونسية، يوم السبت، مسيرة احتجاجية ضمت مئات المتظاهرين، رافعين شعار “المعارضة ليست جريمة” ومطالبين بالإفراج الفوري عن النشطاء المعتقلين. تأتي هذه التظاهرة في أعقاب سلسلة اعتقالات طالت شخصيات معارضة بارزة، بتهمة “التآمر” ضد الدولة، مما أثار موجة انتقادات واسعة من منظمات حقوق الإنسان.

تدهور الحريات في تونس بعد “الانقلاب”

بعد مسار ديمقراطي واعد عقب ثورة “الربيع العربي”، تشهد تونس، بحسب مراقبين، تراجعاً خطيراً في الحريات العامة. فمنذ اتخاذ الرئيس قيس سعيد إجراءات استثنائية في عام 2021، والتي وصفتها المعارضة بـ “الانقلاب”، تزايدت المخاوف بشأن مستقبل الديمقراطية في البلاد.

وشهدت السنوات الأخيرة محاكمات وسجناً لعشرات من منتقدي سعيد، بتهم مختلفة، بما في ذلك التهم المتعلقة بالإرهاب، ووفقاً لقانون مجرم “نشر أخبار كاذبة” الذي سنه الرئيس عام 2022. يرى معارضون أن هذه التهم تستخدم لقمع المعارضة وكبح جماح حرية التعبير. المظاهرات الأخيرة هي تعبير عن هذا القلق المتزايد.

الاعتقالات الأخيرة وتأثيرها على المشهد السياسي

الشرارة التي أطلقت هذه المظاهرات كانت اعتقال ثلاثة من أبرز الشخصيات المعارضة بتهمة التآمر. هذه الاعتقالات أدت إلى غضب واسع في أوساط المعارضة والمجتمع المدني، ودفعتهم إلى النزول إلى الشوارع للتعبير عن رفضهم لما وصفوه بالـ “قمع السياسي”.

ه Hager Chebbi، ابنة المعارض أحمد نجيب الشابي، المعتقل حديثاً، عبرت عن يأسها من الوضع الحالي قائلة: “منذ الانقلاب، تغير كل شيء. رأينا حرياتنا تُسلب منا تدريجياً، على الرغم من أننا قمنا بثورة”. وأضافت الشابي، في تصريحات لوكالة الأنباء الفرنسية، أن الوضع في تونس يشبه “النزول إلى الجحيم”.

انتقادات دولية متصاعدة ووضع حقوق الإنسان

لم تقتصر ردود الفعل على الاعتقالات داخل تونس، بل تجاوزت ذلك إلى انتقادات دولية متصاعدة. فمنظمة العفو الدولية (Amnesty International) وصفت المحاكمة واعتقال الشابي بأنها جزء من “تصعيد قمعي أعمى” من قبل السلطات، في محاولة لإسكات الأصوات المعارضة.

من جانبه، صرح أحمد بنشمسي، المتحدث باسم هيومن رايتس ووتش لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أن الوضع في تونس بعد 15 عاماً على الثورة، يشبه “عودة الديكتاتورية بشكل رسمي”. هذه التصريحات تعكس عمق القلق الدولي بشأن تدهور الوضع الحقوقي في تونس.

الوضع الحالي يثير تساؤلات حول مستقبل الديمقراطية التونسية، ومدى التزام الحكومة بحماية الحريات العامة وحقوق الإنسان. العديد من المراقبين يرون أن الاستمرار في هذا المسار القمعي قد يؤدي إلى مزيد من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية.

قانون “نشر الأخبار الكاذبة” وسيف مسلط على الإعلام

إلى جانب الاعتقالات، يمثل قانون مكافحة “نشر الأخبار الكاذبة” تحدياً كبيراً لحرية الإعلام والتعبير في تونس. ينتقد هذا القانون بشدة، لأنه يسمح بتفسيرات واسعة قد تجرم أي انتقاد موجه للحكومة أو الرئيس.

وقد أثر هذا القانون بشكل مباشر على عمل العديد من الصحفيين والإعلاميين، الذين يخشون التعرض للملاحقة القضائية بسبب نشرهم معلومات قد تعتبر “كاذبة” من قبل السلطات. يرى خبراء قانونيون أن هذا القانون يتعارض مع الدستور التونسي الذي يضمن حرية التعبير.

المعارضة التونسية والحراك الاجتماعي ودعوات للإصلاح

تواصل المعارضة التونسية حراكها الاجتماعي والسياسي، متحديةً الإجراءات القمعية للحكومة. وتطالب المعارضة بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وإلغاء القوانين التي تقيد الحريات، والعودة إلى المسار الديمقراطي.

وبالإضافة إلى المظاهرات والاحتجاجات، تلجأ المعارضة إلى وسائل أخرى للتعبير عن رفضها، مثل تنظيم الندوات والمؤتمرات، وإطلاق الحملات الإعلامية، والتحالف مع المنظمات الحقوقية الدولية.

وعلى الرغم من التحديات والصعوبات، فإن المعارضة التونسية تحافظ على زخمها، وتواصل جهودها لإحياء الأمل في مستقبل ديمقراطي أفضل. هناك دعوات متزايدة للإصلاح السياسي والاقتصادي، وإعادة بناء الثقة بين الحكومة والشعب. المظاهرات الحاشدة الأخيرة تعكس قوة هذا الحراك الشعبي وتصميمه على التغيير. المظاهرات هي مؤشر واضح على رفض التراجع عن مكتسبات الثورة.

في الختام، يمثل الوضع في تونس تهديداً للديمقراطية الوليدة في البلاد، ويستدعي تحركاً سريعاً لوقف التدهور في الحريات العامة وحقوق الإنسان. يجب على السلطات التونسية الاستماع إلى مطالب الشعب، وإطلاق سراح المعتقلين، وإلغاء القوانين القمعية، والعودة إلى المسار الديمقراطي. الحريات هي أساس بناء المجتمع الديمقراطي المستقر. ندعو الجميع إلى متابعة التطورات في تونس والتعبير عن تضامنهم مع الشعب التونسي في نضاله من أجل الديمقراطية والحرية. الوضع السياسي في تونس يتطلب حواراً وطنياً شاملاً.

شاركها.