على مدى السنوات الماضية، كانت فلسطين محط أنظار العالم، ليس فقط بسبب الصراع المستمر، ولكن أيضًا بسبب الرمزية العميقة التي تحملها. مؤخرًا، ظهرت قصة مؤثرة تجسد هذه الرمزية، وهي تحول سيارة البابا التي استخدمها البابا الراحل فرنسيس خلال زيارته لبيت لحم عام 2014 إلى عيادة طبية متنقلة للأطفال في قطاع غزة. هذه الخطوة ليست مجرد مبادرة إنسانية، بل هي تجسيد لإرادة البابا الراحل وتأكيد على التزام المجتمع الدولي برعاية أطفال غزة في ظل الظروف القاسية التي يعيشونها.

سيارة البابا فرنسيس تتحول إلى “مركبة أمل” لغزة

في يوم الثلاثاء، عادت إلى الواجهة سيارة البابا التي استخدمها البابا فرنسيس خلال زيارته التاريخية لبيت لحم في عام 2014. لكن هذه المرة، عادت بشكلٍ مختلف تمامًا، كـ”مركبة أمل” متنقلة، مهيأة لتقديم الرعاية الصحية للأطفال في قطاع غزة الذي يعاني من ويلات الحرب. السيارة، التي لا تزال تحتفظ بمظهرها المميز – الأبيض النقي من الداخل والخارج، والقبة المرتفعة التي تعلوها – لم تعد وسيلة نقل للبابا، بل أصبحت وسيلة لتقديم العون والرحمة.

تحمل هذه المبادرة معاني عميقة، وتأتي في وقتٍ يشتد فيه الاحتياج إلى الدعم الإنساني في غزة. وبينما تستعد بيت لحم لاستقبال عيد الميلاد، يذكرنا هذا التحول بالرسالة الحقيقية لهذه المناسبة وهي السلام والمحبة والاهتمام بالفئات الأكثر ضعفًا.

تفاصيل المشروع وأهدافه

تم الكشف عن “مركبة الأمل” في بيت لحم، في الضفة الغربية المحتلة، على مقربة من كنيسة الميلاد وساحة المهد. صرح الكاردينال أندرس أربوريليوس، أسقف ستوكهولم، خلال مؤتمر صحفي بعد مباركة السيارة: “نريد أن يشعر كل طفل نصل إليه بأنه مرئي ومسموع ومحمي. حقوق ورفاهية الطفل تأتي أولاً.” وأضاف أن هذه السيارة هي بمثابة شهادة على أن العالم لم ينس أطفال غزة.

العيادة المتنقلة مجهزة بكامل المعدات اللازمة لتقديم الرعاية الأولية، بما في ذلك إجراء الفحوصات والتشخيص والعلاج، وتوفير اللقاحات والضمادات وعلاج الإصابات. من المتوقع أن تكون قادرة على تقديم ما يصل إلى 200 استشارة طبية يوميًا. والأكثر تأثيرًا، هو أن الأطفال الذين يتلقون العلاج سيجلسون على نفس المقعد الذي اعتاد البابا فرنسيس الجلوس عليه.

وصية البابا فرنسيس الأخيرة

لم يكن هذا التحول مجرد فكرة عابرة، بل هو تحقيق لوصية البابا فرنسيس الأخيرة. فقد عبر البابا خلال زيارته لغزة عن قلقه العميق بشأن معاناة الأطفال هناك، وأعرب عن رغبته في أن يتم استخدام سيارة البابا في خدمة هؤلاء الأطفال بعد رحيله. أكدت بوابة الفاتيكان الإخبارية الرسمية في مايو الماضي أن البابا فرنسيس قد رحل عن عالمنا في 21 أبريل عن عمر يناهز 88 عامًا، وأن وصيته الأخيرة كانت تحويل سيارته إلى وحدة رعاية صحية متنقلة لأطفال غزة.

تم تنفيذ هذا التحول من قبل منظمة “Caritas”، وهي منظمة كاثوليكية للعمل الإنساني، بتكلفة بلغت 15 ألف دولار أمريكي. وقد قام ميكانيكيون فلسطينيون بإعادة ترميم وتجهيز السيارة بشكل كامل. وقد تم إغلاق الجوانح المفتوحة لتوفير بيئة أكثر أمانًا وراحة للمرضى.

جهود “Caritas” ورؤيتها الإنسانية

قال بيتر برون، الأمين العام لفرع “Caritas” في السويد: “كان أطفال غزة قريبين جدًا من قلب البابا فرنسيس.” مؤكدًا على أنهم سيتلقون العلاج كأنه أهم شخص على وجه الأرض. هذه الرؤية الإنسانية العميقة هي التي دفعت “Caritas” إلى تبني هذه المبادرة وتنفيذها على أكمل وجه. تعتبر هذه السيارة أكثر من مجرد وسيلة نقل، إنها رسالة محبة وأمل وكرامة.

التحديات والمستقبل

على الرغم من الاستعداد الكامل لـ سيارة البابا الجديدة، لا يزال الحصول على موافقة إسرائيلية لإدخالها إلى قطاع غزة يمثل تحديًا كبيرًا. يأتي هذا في ظل وقف إطلاق النار الهش بين إسرائيل وحماس، والذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر بعد عامين من الحرب التي دمرت البنية التحتية الصحية في القطاع.

صرح أليستير داتون، الأمين العام لمنظمة “Caritas”، لوكالة فرانس برس: “كما هو الحال مع جميع المساعدات الإنسانية، نحن بحاجة ماسة إلى الوصول إلى غزة.” وأضاف أنهم يعملون من خلال القنوات الرسمية لتسهيل دخول السيارة في أسرع وقت ممكن.

يبقى الأمل معلقًا بإمكانية تجاوز هذه العقبات، وبأن تتمكن “مركبة الأمل” من البدء في مهمتها النبيلة في تقديم الرعاية الصحية لأطفال غزة، وتجسيدًا لذكرى البابا فرنسيس وإرادته السامية. هذه المبادرة تدعونا جميعًا إلى التفكير في أهمية العمل الإنساني والتضامن مع الفئات الأكثر احتياجًا، خاصةً في ظل الظروف الصعبة التي يشهدها العالم. تعتبر الرعاية الصحية في غزة من القضايا الملحة التي تستحق كل الدعم والاهتمام.

شاركها.