وفي اجتماع استثنائي للجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري الأسبوع الماضي، أصدر البنك بيانا أبرز فيه القرار الذي اتخذه برفع أسعار الفائدة بمقدار 600 نقطة أساس والسماح لسعر الصرف بالتحرك وفقا لآليات السوق. وبررت هذا القرار بالقضاء على تراكم الطلب على العملة الأجنبية بعد إغلاق الفجوة بين سعر الصرف الرسمي وسعر الصرف الموازي. كما أعلن أنه في إطار اهتمامه بالدور المنوط به لحماية متطلبات التنمية المستدامة، أكد البنك التزامه بالحفاظ على استقرار الأسعار على المدى المتوسط، حيث يستهدف التضخم كأساس رئيسي للسياسة النقدية. مع تحرك سعر الصرف وفق آليات السوق.

وفور الإعلان، انخفض سعر صرف الجنيه المصري في السوق الرسمية بأكثر من 60 في المائة، حيث كان سعر تداوله أمام الدولار 30.9 جنيه قبل التعويم. وتجاوز سعر التداول يوم التعويم 54 جنيها ثم وصل في نهاية اليوم إلى 50.54 جنيها.

قرار البنك المركزي بتعويم الجنيه المصري كان متوقعا ولم يكن مفاجئا، فالتعويم لم يكن مرتبطا بالإرادة المحلية فحسب، بل فرضته الإرادة الخارجية المتمثلة في صندوق النقد الدولي وأمره المهيمن الذي أوقف العمل الثاني. شريحة من قرضها الأخير ــ الذي يقدر بنحو 3 مليارات دولار ــ إلى أن تم الالتزام بإملاءاتها، بدءاً بالتعويم. ولذلك لم يكن مستغرباً أن يصدر قرار التعويم أثناء تواجد وفد صندوق النقد الدولي في مصر، وبعد ساعات قليلة توصلت الحكومة إلى اتفاق بقيمة 8 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي، بالإضافة إلى قرض آخر من صندوق النقد الدولي بقيمة 1 – 1.2 مليار دولار للمناخ. التمويل، وفقا لتصريحات رئيس الوزراء مصطفى مدبولي خلال مؤتمر صحفي بعد ظهر يوم التعويم. وعقد هذا المؤتمر مع محافظ البنك المركزي حسن عبد الله ورئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى مصر.

علاوة على ذلك، فإن مبررات قرار البنك المركزي بتعويم العملة -رغم أنه يخفي دافعه الحقيقي- هي مبررات يجب على البنك المركزي أن يعاقب نفسه عليها. ما هو السبب الذي أدى إلى تراكم الطلب على العملة الصعبة وخلق سوق موازية لسعر الصرف؟ أليس السبب في ذلك سياسات البنك المركزي نفسه وصمته وتحمله التبعات الأنانية لإقامة مشروعات دمرت العملة الصعبة وأبرزها مشروع توسعة قناة السويس والعاصمة الإدارية التي جلبت المكانة والمكانة؟ الدمار في نفس الوقت؟

رفع أسعار الفائدة لن يحقق الاستقرار ولن يعالج التضخم الذي أعلنه البنك المركزي كهدف في بيانه، متضمنا مصطلح التنمية المستدامة في بيانه، حيث تعد مصر أبعد دولة عنه في ظل هذه السياسة. وفي حين أن زيادة سعر الفائدة ستؤدي إلى سحب كمية من السيولة من السوق، خاصة بعد صدور شهادات الاستثمار المصرفية في نفس اليوم بفائدة 30 في المائة، إلا أن هذه السيولة لن تحقق انخفاضا كبيرا في التضخم، خاصة مع ارتفاع سعر الفائدة. تكلفة الائتمان وقيوده. الأمر الذي سيؤدي إلى تعطيل حركة الإنتاج التي تعاني منذ سنوات نتيجة انكماش القطاع الخاص واتساع نطاق العسكرة في الاقتصاد.

أين الذين أشادوا بمليارات مشروع رأس الحكمة، رغم أنها ستتبخر كما تبخر من سبقه، مع تقويض تقسيم الدولة المصرية وأمنها القومي بشكل قاتل؟ وإذا كانت الحكومة تتفاخر بهذه المليارات فلماذا قررت تعويم الجنيه؟

اقرأ: هل تبيع مصر الإسكندرية لتركيا؟

إن التعويم في مصر له نتائج قاتلة، منها استنفاد المدخرات، وارتفاع الأسعار، وزيادة معدل الفقر مع تحلل ما تبقى من الطبقة الوسطى، وزيادة تكاليف الاستيراد، ومضاعفة قيمة النقد الخارجي. الدين عند احتسابه بالعملة المحلية. ولا أمل في زيادة الصادرات في ظل عدم مرونتها وانكماش القطاع الخاص.

تعويم العملة في مصر ما هو إلا حلقة في سلسلة دوامة التعويم، ستنتقل من خلالها مصر من أزمة إلى أزمة أكبر بتعويم جديد، حيث أصبحت دورة التعويم معروفة: ديون، بيع أصول، ترقيع. الديون، ومن ثم تعويم العملة. ثم يبدأ الأمر من جديد بأزمة أكبر بعد التسليم لصندوق النقد الدولي، مما يؤدي إلى تدمير البلاد وإثقال كاهل الناس بالأسعار المرتفعة والفقر جيلاً بعد جيل. إن عواقب هذه السياسة التدميرية على قدرات البلاد ومواردها خطيرة لدرجة أن وزير المالية المصري يتباهى بأن صندوق النقد الدولي يمهد الطريق للحصول على تمويل خارجي بقيمة 20 مليار دولار.

والبلاء الأكبر هو الحكومة التي تنظر إلى العرض وتهمل المرض بالاعتماد على سياسة نقدية قائمة على تعويم العملة تقيد بيع العملات الصعبة وتهمل الحماية الاجتماعية. وفي النهاية سيتم إنشاء سوق موازية جديدة بعد فترة ليست بالطويلة. ما بئس تلك السياسة التي ليس لها هدف سوى تصحيح الديون وبيع الأصول.

إذا كانت الحكومة جادة في حل مشاكلها، فعليها أولاً أن تتبنى سياسة العدالة من خلال إزالة المظالم، وتطهير السجون من المظلومين، وتعويض المعتقلين خطأً. الظلم ظلام، والاقتصاد المصري يعيش في هذا الظلام. وصدق ابن خلدون حين قال: «الظلم ينذر بدمار الحضارة». وتشمل سياسة العدالة أيضًا توفير الحماية الاجتماعية للمحتاجين، حتى لا يضطروا إلى السؤال.

كما يجب التركيز على السياسة الهيكلية التي تنهي عسكرة الاقتصاد وتفتح الباب أمام القطاع الخاص وتعزز الإنتاج وتوفر فرص العمل والعمل وتلبي احتياجات السوق المحلية من السلع والخدمات وتوجه الواردات وتعزز الصادرات. مع الخروج من نفق التعامل مع صندوق النقد بجدولة الديون القائمة. وذلك لأن من دخل نفق صندوق النقد الدولي لا يخرج إلا على أنقاض دولة استعبدت مواردها. وكيف هو الوضع الآن عندما يصل الأمر إلى بيع أصول البلاد لدول وضعت يدها على الاقتصاد المصري والأمن القومي، وتحويل مصر من خزائن أرض غنية إلى خزائن أمة مديونة ومتسولة؟

ظهرت هذه المقالة لأول مرة باللغة العربية في عربي21 في 13 مارس 2024

اقرأ: الإمارات تجري محادثات لشراء الساحل المصري مقابل 22 مليار دولار

الآراء الواردة في هذا المقال مملوكة للمؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لميدل إيست مونيتور.

شاركها.