تحديات ما بعد الحرب: كيف يكافح الاحتلال الإسرائيلي للتعافي من تداعيات الصراع مع إيران
بعد مرور خمسة أشهر على انتهاء الحرب مع إيران، لا يزال الاحتلال الإسرائيلي يواجه صعوبات جمة في التعافي من الأضرار الهائلة التي خلفتها 12 يومًا من القتال. تتراوح هذه الصعوبات بين إعادة بناء المنازل المدمرة، وتداعيات اقتصادية مقلقة، وهجرة الكفاءات، بالإضافة إلى خطط مثيرة للجدل لخفض الميزانيات المخصصة للمواطنين الفلسطينيين. هذه التحديات المتراكمة تضع مستقبل الاحتلال الإسرائيلي أمام اختبار حقيقي.
حجم الأضرار المادية: إعادة الإعمار تواجه عقبات سياسية
تشير تقديرات صحيفة “ذا ماركر” الإسرائيلية إلى أن حوالي 700 إسرائيلي فقدوا منازلهم نتيجة ضربات الصواريخ الإيرانية. ومع ذلك، تواجه السلطات صعوبة في تحديد آليات فعالة لإعادة بناء هذه الممتلكات المدمرة.
في بداية الشهر الجاري، قدمت الحكومة الإسرائيلية خطة لهدم وإعادة بناء المنازل المتضررة، مع خيار الانتقال إلى شقق جديدة أو بيع الأراضي بقيمتها الجديدة. لكن هذه الخطة تواجه شبح التعطيل بسبب الخلافات الحادة بين الحكومة والأحزاب المتطرفة، والتي انسحبت من الائتلاف الحكومي في وقت سابق من هذا العام بسبب خلافات حول التجنيد الإلزامي للشباب المتدينين (الحريديم). هذا الجمود السياسي يعيق عملية التعافي ويؤجج حالة الإحباط بين المتضررين.
يقول أحد سكان حيفا، الذي دمر صاروخ إيراني منزله، لصحيفة “كالكالست” الاقتصادية: “عملية إعادة الإعمار لا تتقدم على الإطلاق، وفي هذه الأثناء، هناك عمليات نهب. الضرر لم ينتهِ في اليوم الذي سقط فيه الصاروخ، بل يستمر حتى الآن.”
كما يواجه أصحاب المنازل التي تعرضت لأضرار جزئية صعوبات مماثلة. صرح أحد سكان مدينة رمات غان: “من المستحيل العيش في مكان آخر، لأنه وفقًا لسلطة الضرائب على الممتلكات، يعتبر المبنى صالحًا للسكن. وفي الوقت نفسه، نحن ببساطة ننتظر.”
تشير التقديرات المنشورة في وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن الأضرار الناجمة عن ضربات الصواريخ الإيرانية بلغت حوالي خمسة مليارات شيكل (حوالي 1.53 مليار دولار). هذا المبلغ الضخم يمثل عبئًا كبيرًا على الاقتصاد الإسرائيلي، ويؤثر على قدرته على الاستثمار في مجالات أخرى.
تداعيات اقتصادية واجتماعية: هجرة الكفاءات وخطط لخفض الميزانيات
بالإضافة إلى الأضرار المادية، يواجه الاحتلال الإسرائيلي تداعيات اقتصادية واجتماعية مقلقة. تشير التقارير إلى أن حوالي 200 ألف مواطن إسرائيلي غادروا البلاد منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر 2023.
وكشفت دراسة حديثة أجراها باحثون في جامعة تل أبيب، ونشرتها صحيفة “كالكالست”، أن نسبة كبيرة من هؤلاء المهاجرين هم من الشباب المنتمين إلى الطبقات الاجتماعية والاقتصادية العليا. ففي العام الماضي، غادر إسرائيل ما يقرب من 900 طبيب، وأكثر من 19 ألف شخص حاصل على شهادات جامعية، وأكثر من 3 آلاف مهندس.
وتشير الدراسة إلى أن 75٪ من جميع المهاجرين تقل أعمارهم عن 40 عامًا. هذا النزيف المستمر للكفاءات يهدد مستقبل الاقتصاد الإسرائيلي، خاصة في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة. وتقدر الدراسة أن الدولة خسرت حوالي 1.5 مليار شيكل (459 مليون دولار) في إيرادات الضرائب الشخصية بسبب هذا الاتجاه، بالإضافة إلى خسائر أخرى ناجمة عن الهجرة.
إذا استمر هذا الوتيرة، تحذر الدراسة، فقد يواجه الاحتلال الإسرائيلي “عواقب اقتصادية كلية وخيمة بسبب فقدان رأس المال البشري الأساسي”. تقرير منفصل حول قطاع التكنولوجيا الإسرائيلية وجد موجة مماثلة من المغادرة، حيث هاجر أكثر من 8 آلاف عامل تقني في العام الماضي وحده، وخاصة إلى الولايات المتحدة وكندا وألمانيا.
هجرة الكفاءات تمثل تحديًا كبيرًا للاحتلال الإسرائيلي، وتتطلب حلولًا جذرية لمعالجة الأسباب الكامنة وراءها.
خطط مثيرة للجدل: خفض الميزانيات المخصصة للفلسطينيين
في سياق متصل، أثارت خطط وزيرة المساواة الاجتماعية الإسرائيلية، ماي غولان، لخفض الميزانيات المخصصة للمجتمع الفلسطيني في إسرائيل جدلاً واسعًا.
خلال مناقشة برلمانية عُقدت الأربعاء الماضي، حذرت النائبة في الكنيست، عايدة توما سليمان، من حزب حدش (اليساري)، من “خطرين يواجهاننا: خفض الميزانية للعام الحالي وتداعياته على العام المقبل.” وأضافت: “إنهم لا ينقلون الميزانيات، بل يمنعون استخدامها، وفي نهاية العام يحولون الأموال إلى وزارات أخرى بذريعة عدم استخدامها. هذا سرقة في وضح النهار.”
في وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت غولان، وهي مقربة من وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، عن خطط لإلغاء برنامج بقيمة ثلاثة مليارات شيكل (918 مليون دولار) يهدف إلى تقليل الفوارق الاجتماعية بين الفلسطينيين في إسرائيل والسكان اليهود.
ووفقًا لصحيفة “كالكالست”، تخطط غولان لإعادة توجيه معظم أموال البرنامج إلى الشرطة، بحجة مكافحة الجريمة المتزايدة في المجتمع الفلسطيني. بموجب خطة غولان، سيتم تحويل مئات الملايين من الشواكل، والتي كانت مخصصة لبناء المدارس ودور الحضانة، ووسائل النقل العام، والبنية التحتية، والإسكان، والتدريب المهني، وغيرها من المبادرات، إلى إنشاء أقسام شرطة في البلدات الفلسطينية وتمويل أنشطة الشرطة الأخرى.
انتقدت جمعية الحقوق المدنية في إسرائيل هذه الخطة، واصفة إياها بأنها “انتهاك لحق المساواة والحقوق الأساسية الأخرى للسكان العرب.” وأضافت: “إن تحويل الميزانيات المخصصة لرفاهية المجتمع العربي إلى معالجة الجريمة أمر سخيف، لأنه إذا جاءت هذه الخطط على حساب بعضها البعض، فمن غير المتوقع أن ينجح أي منهما.”
مستقبل غامض
بشكل عام، يواجه الاحتلال الإسرائيلي تحديات متعددة الأوجه في أعقاب الحرب مع إيران. التعافي الاقتصادي يتطلب معالجة الأضرار المادية، واستعادة ثقة المستثمرين، ووقف نزيف الكفاءات. كما أن معالجة القضايا الاجتماعية والسياسية، مثل خطط خفض الميزانيات المخصصة للفلسطينيين، أمر ضروري لتحقيق الاستقرار والازدهار على المدى الطويل. إن مستقبل الاحتلال الإسرائيلي يعتمد على قدرته على التغلب على هذه التحديات، وبناء مجتمع أكثر عدلاً ومساواة للجميع.
