في خيام بيضاء منصوبة على أرض رملية في الزوايدة، بقطاع غزة، تتصاعد همسات الإثارة بينما يستكشف خمسة أطفال عالمًا افتراضيًا بعيدًا عن الدمار الذي يحيط بهم. هذه ليست مجرد لعبة، بل جزء من برنامج علاجي مبتكر يستخدم تقنية الواقع الافتراضي لمساعدة الأطفال المتضررين من الحرب في غزة على استعادة صحتهم النفسية. هذا البرنامج، الذي يركز على الصحة النفسية للأطفال، يُظهر نتائج واعدة، حيث يشير المشغلون إلى أنه يمكن أن يحقق نتائج أسرع مقارنة بالعلاج التقليدي.
الواقع الافتراضي: نافذة أمل للأطفال في غزة
الحرب تترك ندوبًا عميقة، ليس فقط على الأجساد، بل وعلى الأرواح أيضًا. الأطفال، وهم الفئة الأكثر ضعفًا، غالبًا ما يعانون من صدمات نفسية طويلة الأمد. في ظل نقص الخدمات النفسية والاجتماعية في غزة، يمثل هذا البرنامج باستخدام العلاج بالواقع الافتراضي بصيص أمل.
داخل الخيمة، يرتدي الأطفال سماعات الرأس الزرقاء TechMed Gaza، وينغمسون في عوالم مليئة بالحدائق الخضراء والشواطئ الهادئة والمدن الآمنة. أحدهم، جالسًا على كرسي متحرك، يمد يده ليصفق وكأنه يطرد ذبابة. آخر، مبتسمًا، يحاول لمس المناظر الطبيعية أمامه.
“أرى كلبًا يركض نحوي!”، صرخ أحدهم، داعيًا إياه بحماس. “تعال! تعال!”. “أرى طيورًا”، قال الطفل الجالس على الكرسي المتحرك للمشغل، وهو ينظر حوله بفضول.
كيف يعمل العلاج بالواقع الافتراضي؟
لا يقتصر الأمر على الهروب من الواقع المؤلم فحسب، بل يتعداه إلى إعادة بناء الثقة بالنفس وتعزيز القدرة على التأقلم. يشرح عبد الله أبو شمالة، المشرف على الصحة النفسية، أن البرامج مصممة خصيصًا للأطفال المتضررين، مع مراعاة حالتهم الجسدية والنفسية.
“من خلال المبرمجين، نتمكن من تصميم ألعاب ذات أهداف علاجية ووقائية وتنموية تساعد على إعداد الطفل أو تمكينه من التعامل مع حياته بفعالية أكبر”، يقول أبو شمالة. ويضيف: “لقد أثبتت هذه الطريقة فعاليتها على مدار عام كامل من العمل مع العديد من الأطفال، بمن فيهم الأطفال الذين فقدوا أطرافهم بسبب الحرب، والأطفال المصابين، والأطفال الذين تعرضوا لأحداث صادمة للغاية.”
برامج مصممة خصيصًا للصدمات النفسية
تعتمد الجلسات على برامج مصممة خصيصًا للأطفال الذين عانوا من الصدمات، وتساعدهم على استعادة تصورات إيجابية عن العالم. يتم “علاج ومرافقة الأطفال من خلال جلسات الواقع الافتراضي، وعندما دمجناهم في هذه التقنيات، أظهروا استجابة قوية جدًا ونتائج إيجابية للغاية.”
نتائج مبشرة وسرعة في التعافي
تشير البيانات إلى أن العلاج النفسي للأطفال باستخدام الواقع الافتراضي يحقق نتائج أسرع من العلاج التقليدي. “سرعة العلاج والتعافي والوصول إلى الاستقرار باستخدام تقنيات الواقع الافتراضي كانت أسرع من الجلسات العادية. في الجلسات العادية بدون الواقع الافتراضي، نحتاج عادةً إلى حوالي 10 إلى 12 جلسة، بينما باستخدام الواقع الافتراضي يمكننا تحقيق نتائج في 5 إلى 7 جلسات فقط”، يوضح أبو شمالة.
هذا التقدم يأتي في ظل وقف هش لإطلاق النار بين إسرائيل وحماس منذ 10 أكتوبر. ومع ذلك، لا يزال الوضع الإنساني في غزة صعبًا للغاية. تقدر منظمة الصحة العالمية أن الإصابات المتعلقة بالصراع تؤدي إلى أعباء نفسية كبيرة، وأن الناجين يعانون من الصدمات والخسائر والصراع اليومي من أجل البقاء.
احتياجات ملحة للدعم النفسي والاجتماعي
جوناتان كريككس، المتحدث باسم وكالة الأمم المتحدة للأطفال اليونيسف، أكد أن حوالي مليون طفل، أي “جميع الأطفال في قطاع غزة، يحتاجون إلى دعم الصحة النفسية والدعم النفسي والاجتماعي بعد عامين من حرب مروعة”. هذا يؤكد على الحاجة الملحة لتوسيع نطاق هذه البرامج المبتكرة وتوفير الدعم اللازم للأطفال المتضررين. إن دعم الأطفال المتضررين من الحرب ليس مجرد واجب إنساني، بل هو استثمار في مستقبل أفضل لغزة.
في الختام، يمثل برنامج العلاج بالواقع الافتراضي في غزة نموذجًا واعدًا لتقديم الدعم النفسي للأطفال المتضررين من الحرب. من خلال توفير بيئة آمنة ومحفزة، يساعد هذا البرنامج الأطفال على التغلب على صدماتهم واستعادة الأمل في مستقبل أفضل. ندعو إلى دعم هذه المبادرات وتوسيع نطاقها لضمان حصول جميع الأطفال في غزة على الرعاية التي يحتاجونها. شارك هذه المقالة للمساهمة في نشر الوعي حول هذه القضية الهامة.
