تفجير يستهدف مسجداً في حمص السورية ويُعيد شبح العنف الطائفي

أفادت وسائل الإعلام الرسمية السورية بأن انفجاراً أسفر عن مقتل ما لا يقل عن ثمانية مصلين في مسجد بمدينة حمص، ذات الغالبية العلوية، يوم الجمعة. وأعلنت جماعة متطرفة تابعة لتنظيمات إسلامية مسؤوليتها عن الهجوم، مما يثير مخاوف من تصاعد جديد للعنف الطائفي في سوريا بعد عام من تغيير السلطة. هذا الهجوم، الذي استهدف المصلين أثناء أداء صلاة الجمعة، هو الأحدث في سلسلة هجمات تستهدف الجالية العلوية، ويأتي بعد أقل من عام على تفجير انتحاري في كنيسة بدمشق أودى بحياة 25 شخصاً في يونيو الماضي.

تفاصيل الهجوم وإدانة واسعة النطاق

أعلنت “سرايا أنصار السنة”، وهي جماعة متطرفة، مسؤوليتها عن الهجوم عبر صفحتها على تطبيق “تيليجرام”، مدعية أن مقاتليها قاموا بزرع “عدد من العبوات المتفجرة” داخل مسجد الإمام علي بن أبي طالب في حي الوعر بمدينة حمص.

وذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) وقوع الانفجار في المسجد، مشيرة إلى أن الحصيلة الأولية للضحايا بلغت 8 قتلى و 18 جريحاً، نقلاً عن مسؤول في وزارة الصحة. وذكر شهود عيان أن قوات الأمن طوقت المنطقة المحيطة بالمسجد، فيما قام عناصر الأمن بتأمين الموقع وتحديد مكان الانفجار في زاوية متفحمة ومليئة بالحطام.

أحد الجرحى، عسام إبراهيم (47 عاماً)، والذي كان يتلقى العلاج في المستشفى بسبب شظايا في رأسه وظهره، قال لـ “فرانس برس” إنه كان يؤدي صلاة الجمعة عندما سمع دوي انفجار هائل. “تحول العالم إلى اللون الأحمر… وسقطت على الأرض. ثم رأيت الدم يتدفق من رأسي”، هكذا وصف إبراهيم لحظات الرعب.

تصاعد التوترات الطائفية بعد تغيير السلطة

يأتي هذا الهجوم في ظل تصاعد التوترات الطائفية في سوريا منذ الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، وهو من الطائفة العلوية، العام الماضي. وقد شهدت البلاد عمليات خطف وقتل تستهدف أفراداً من الطائفة العلوية، بالإضافة إلى حوادث عنف طائفي دامية.

وفي مارس الماضي، شهدت المناطق الساحلية السورية مجزرة بحق مدنيين علويين، اتهمت فيها السلطات أنصاراً سابقين للأسد بإثارة العنف من خلال مهاجمة قوات الأمن. وذكرت لجنة تحقيق وطنية أن ما لا يقل عن 1426 شخصاً من الطائفة العلوية قتلوا، بينما قدرت “المرصد السوري لحقوق الإنسان” عدد القتلى بأكثر من 1700 شخص.

وفي نهاية الشهر الماضي، تظاهر آلاف الأشخاص في المناطق الساحلية احتجاجاً على الهجمات المتجددة التي تستهدف العلويين في حمص ومناطق أخرى. وقبل وبعد مجزرة مارس، نفذت السلطات حملة اعتقالات واسعة النطاق في المناطق ذات الغالبية العلوية، والتي كانت تعتبر معاقل للأسد سابقاً.

ردود الفعل الرسمية والإفراج عن المعتقلين

أصدرت وزارة الداخلية السورية بياناً أشارت فيه إلى أن “تفجيراً إرهابياً” استهدف المسجد، وأن السلطات قد “بدأت التحقيق وجمع الأدلة لملاحقة مرتكبي هذا الفعل الإجرامي”. ونقلت وكالة سانا عن مصدر أمني أن التحقيقات الأولية تشير إلى أن “عبوات ناسفة زرعت داخل المسجد” هي التي تسببت في الانفجار.

وفي الوقت نفسه، أعلنت التلفزيونية السورية الرسمية عن إطلاق سراح 70 معتقلاً في مدينة اللاذقية الساحلية “بعد ثبوت عدم تورطهم في جرائم حرب”، مشيرة إلى أن المزيد من عمليات الإفراج ستتبع ذلك.

وأدانت وزارة الخارجية السورية “هذا الفعل الإجرامي الجبان”، مشيرة إلى أنه يأتي “في سياق المحاولات اليائسة المتكررة لتقويض الأمن والاستقرار ونشر الفوضى بين الشعب السوري”. وأكدت الوزارة “موقفها الثابت في مكافحة الإرهاب بكل أشكاله”، متوعدة بمحاسبة المهاجمين.

إدانات دولية ومخاوف بشأن مستقبل الأقليات

تلقت سوريا إدانات واسعة النطاق للهجوم من عدة دول، بما في ذلك السعودية ولبنان وتركيا والأردن. وعلى الرغم من تأكيدات دمشق بأن جميع المجتمعات السورية ستحظى بالحماية، إلا أن الأقليات في البلاد لا تزال تشعر بالقلق إزاء مستقبلها في ظل السلطات الإسلامية الجديدة.

ففي يوليو الماضي، شهدت محافظة السويداء الجنوبية اشتباكات طائفية أسفرت عن مقتل أكثر من 2000 شخص، بينهم المئات من المدنيين من الطائفة الدرزية الذين قال “المرصد السوري لحقوق الإنسان” إنهم “أعدموا بإجراءات موجزة من قبل عناصر من وزارة الدفاع والداخلية”.

وفي خطاب ألقاه هذا الشهر بمناسبة مرور عام على سقوط الأسد، أكد الرئيس السوري أحمد الشراعا على أهمية توحيد جهود جميع السوريين “لبناء سوريا قوية”. وعلى الرغم من الإنجازات الكبيرة في إعادة إطلاق مكانة سوريا على الساحة الدولية، إلا أن الشراعا يواجه تحدياً داخلياً كبيراً يتمثل في الحفاظ على الأمن والوحدة في جميع أنحاء البلاد. الوضع الأمني في سوريا يظل هشاً للغاية، ويتطلب جهوداً مضاعفة لضمان الاستقرار وحماية جميع المواطنين. العنف الطائفي يمثل تهديداً وجودياً للوحدة الوطنية، ويجب التصدي له بحزم. مستقبل الأقليات في سوريا هو قضية ملحة تتطلب حواراً شاملاً وضمانات قوية لحقوقهم وسلامتهم.

شاركها.