لقد اعترفت إسرائيل والولايات المتحدة بوضوح تام بأن أي قرار لوقف إطلاق النار لا يتعلق إلا بإعادة الرهائن الإسرائيليين. وفي تصريحات أدلى بها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ونشرتها وزارة الخارجية الأميركية، كان الهدف واضحا: “إن تركيز زيارتي (إلى دولة الفصل العنصري) ينصب بشكل مكثف على استعادة الرهائن، وإتمام وقف إطلاق النار”. وعلى هذا فإن تركيز الولايات المتحدة في غير محله بوضوح، لأن إنهاء الإبادة الجماعية ينبغي أن يكون الهدف الرئيسي لبلينكن.
ولقد ذهب الرئيس الإسرائيلي إسحق هيرتزوغ إلى أبعد من ذلك حين قال: “لا يوجد هدف إنساني أعظم ولا توجد قضية إنسانية أعظم من إعادة رهائننا إلى ديارهم، كما كان ينبغي لهم أن يعودوا منذ زمن بعيد”. وهناك العديد من الأهداف الإنسانية الأكبر نتيجة للإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وسوف تكون عودة الرهائن بعيدة كل البعد عن سلامة وأمن الشعب الفلسطيني، الذي يتعرض باستمرار للتشريد القسري والقصف والذبح، ويواجه أمراضاً معدية مختلفة، ويتضور جوعاً ويدفن تحت أنقاض منازله والبنية الأساسية المدنية الأخرى.
كما يجب أن نذكر أن هيرتسوغ يصور العالم بأسره على أنه يشكل تهديداً نشطاً لإسرائيل، بدلاً من أن تكون إسرائيل تهديداً للعالم. فقد زعم: “نحن محاطون بالإرهاب من أركان الأرض الأربعة، ونحن نقاوم كأمة قوية ومرنة”. وهذا خطأ.
إسرائيل هي التي خلقت الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين والتهديدات في المنطقة.
إنها دولة استعمارية عدائية قائمة على أيديولوجية توسعية. ولن تحتاج دولة قوية ومرنة إلى اللجوء إلى الإبادة الجماعية والاحتلال العسكري الوحشي. أما الكيان الاستعماري الاستيطاني الذي يزدهر بالتطهير العرقي واغتصاب الأراضي، فإن الإبادة الجماعية تصبح مجرد أداة أخرى في عملية الاستعمار الاستيطاني، وقد شرّع المجتمع الدولي جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل من خلال صمته.
رأي: صحيح أن نتنياهو لم يكن شريكاً للسلام أبداً
ولكن من الممكن أن نضيف هنا أن المجتمع الدولي، مثل إسرائيل، لا يشعر بأي تحفظ إزاء قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي بقصف الرهائن في الوقت الذي تقصف فيه الفلسطينيين في غزة، لأن كلمة “رهائن” أصبحت الآن مجرد كلمة دبلوماسية تستخدم في تنفيذ الإبادة الجماعية دون عقاب. ولا يهتم هرتسوغ ولا نتنياهو ولا المجتمع الدولي كثيراً ببقاء هؤلاء الرهائن. فهناك قضايا أكبر على المحك، أحدها ضمان تمكين إسرائيل من قتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين حتى تتمكن العملية الاستعمارية الصهيونية من المضي قدماً. ولكن أين هي المخاوف الإنسانية التي يرى هرتسوغ أنه من المناسب أن يشرحها بالتفصيل؟ كيف لا يوجد “هدف إنساني أعظم” في حين تقصف إسرائيل غزة بلا هوادة بموافقة ضمنية من ما يسميه الرئيس الإسرائيلي “كل قيادات العالم”؟
كما لا يرى وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتعصب اليميني إيتمار بن جفير أي تناقض بين قصف غزة وعودة الرهائن الإسرائيليين، قائلاً إن الرهائن المتبقين “يجب إعادتهم فقط من خلال الضغط العسكري المكثف، ووقف دخول الوقود والمساعدات الإنسانية للإرهاب وأنصاره، وليس من خلال صفقات غير مسؤولة من شأنها أن تجلب علينا، لا قدر الله، المزيد من الرهائن والقتلى في المستقبل”.
هرتسوغ وبن جفير هما وجهان لعملة صهيونية واحدة.
إن التعريف الوحيد لـ “الهدف الإنساني” بين الطرفين هو تشويهه لقتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، بحجة إعادة الرهائن. وإذا ما قُتل الرهائن الإسرائيليون كضرر جانبي، فإنهم بذلك يكونون قد خدموا غرضاً، لأن ارتفاع عدد القتلى الفلسطينيين أفضل من إسرائيل الصهيونية.
إن سياسة الإبادة الجماعية التي تنتهجها دولة الاحتلال بسيطة: قتل الفلسطينيين لإنقاذ الرهائن، وقتل الفلسطينيين حتى لو كان ذلك يعني عدم إنقاذ الرهائن. لأن لا شيء يهم، باستثناء السرقة غير القانونية لأكبر قدر ممكن من الأراضي الفلسطينية مع أقل عدد ممكن من الفلسطينيين الذين يعيشون عليها. هذا هو جوهر الصهيونية. إن “الهدف الإنساني” الزائف الذي يروج له هرتزوج غارق في دماء الفلسطينيين.
رأي: إن إطالة أمد الإبادة الجماعية ما هو إلا ستار دخاني لحرب إسرائيلية أخرى في الضفة الغربية
الآراء الواردة في هذه المقالة تعود للمؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لموقع ميدل إيست مونيتور.