إن النهج الإنساني الذي تنتهجه تركيا تجاه اللاجئين، وخاصة في سياق الحرب الأهلية السورية، يعد أحد أهم الجهود وأوسعها نطاقًا في التاريخ الحديث. فاعتبارًا من عام 2023، تستضيف تركيا أكبر عدد من اللاجئين في العالم، حيث يوجد أكثر من 3.6 مليون لاجئ سوري مسجل وحوالي 300 ألف آخرين من بلدان مختلفة، بما في ذلك العراق وأفغانستان وإيران. ويتناول هذا المقال سياسات تركيا والتأثير الاقتصادي والاجتماعي لاستضافة مثل هذا العدد الهائل من اللاجئين والتحديات والنجاحات التي حققها نهجها.
إطار سياسة اللاجئين في تركيا
إن النهج الذي تتبناه تركيا في التعامل مع اللاجئين يتشكل من خلال موقعها الجغرافي، الذي يمتد بين أوروبا والشرق الأوسط، وخبرتها التاريخية في التعامل مع الهجرة. فقد وقعت تركيا على اتفاقية جنيف لعام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين وبروتوكولها لعام 1967، وإن كان ذلك مع وجود قيد جغرافي لا يمنح وضع اللاجئ الكامل إلا لأولئك الفارين من أوروبا. ويحصل اللاجئون غير الأوروبيين على الحماية المؤقتة، والتي أصبحت الأساس لاستجابة تركيا لأزمة اللاجئين السوريين.
رأي: ماذا يدور في ذهن أردوغان التكتيكي بشأن المصالحة مع سوريا؟
إن لائحة الحماية المؤقتة، التي تم تقديمها في عام 2014، هي حجر الزاوية في سياسة تركيا تجاه اللاجئين. توفر هذه اللائحة للاجئين المسجلين الإقامة القانونية، والوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم وغيرها من الخدمات الأساسية. كما تضمن عدم الإعادة القسرية، ومبدأ عدم إعادة اللاجئين إلى بلد قد يواجهون فيه تهديدات لحياتهم أو حريتهم. وقد مكنت هذه السياسة تركيا من إدارة التدفق غير المسبوق للاجئين، مع الحفاظ على الالتزام بالمبادئ الإنسانية.
الأثر الاقتصادي والمساعدات الإنسانية
كان لاستضافة ملايين اللاجئين آثار اقتصادية كبيرة على تركيا. فقد استثمرت الحكومة التركية ما يقرب من 40 مليار دولار في دعم اللاجئين منذ بداية الأزمة السورية. وتغطي هذه النفقات مجموعة واسعة من الخدمات، بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم والمساعدة الاجتماعية.
يعد برنامج شبكة الأمان الاجتماعي الطارئة، الذي أُطلق في عام 2016 بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي وبرنامج الغذاء العالمي، أحد المكونات الأساسية للمساعدات الإنسانية التي تقدمها تركيا للاجئين. يوفر برنامج شبكة الأمان الاجتماعي الطارئة تحويلات نقدية شهرية لأسر اللاجئين المعرضة للخطر، مما يسمح لهم بتلبية احتياجاتهم الأساسية مع الحفاظ على كرامتهم واستقلاليتهم. وبحلول عام 2023، وصل برنامج شبكة الأمان الاجتماعي الطارئة إلى أكثر من 1.7 مليون لاجئ، مع تخصيص أكثر من 2.5 مليار يورو (2.8 مليار دولار) للبرنامج.
وعلى الرغم من العبء المالي الكبير، فقد جلب وجود اللاجئين أيضًا فوائد اقتصادية لتركيا. فقد أظهرت الدراسات أن تدفق اللاجئين ساهم في النمو الاقتصادي، وخاصة في الاقتصاد غير الرسمي، حيث يجد العديد من اللاجئين فرص عمل. وعلاوة على ذلك، أدى وجود المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية المشاركة في مساعدة اللاجئين إلى ضخ أموال كبيرة في الاقتصاد المحلي.
التكامل الاجتماعي والتحديات
لقد كان التكامل الاجتماعي للاجئين في تركيا عملية معقدة ومتعددة الأوجه. وقد اتخذت الحكومة التركية عدة خطوات لتسهيل التكامل، وخاصة في التعليم والتوظيف. وبحلول عام 2022، تم تسجيل أكثر من 750 ألف طفل سوري في المدارس التركية، وبُذلت جهود لإدراج اللاجئين في نظام التعليم الوطني بدلاً من فصلهم في مدارس منفصلة. وكان هذا التكامل حاسماً في منع ظهور “جيل ضائع” من اللاجئين غير المتعلمين.
في سوق العمل، منحت تركيا تصاريح عمل لنحو 150 ألف لاجئ سوري منذ عام 2016. ومع ذلك، تعمل الغالبية العظمى من اللاجئين في القطاع غير الرسمي، وغالبًا في وظائف منخفضة الأجر وغير مستقرة. وفي حين سمح هذا للعديد من اللاجئين بإعالة أنفسهم وأسرهم، فإنه يفرض أيضًا تحديات كبيرة فيما يتعلق بحقوق العمل والضمان الاجتماعي والاستغلال.
يقرأ: السوريون في تركيا يخشون على مستقبلهم بعد خطط أردوغان لإجراء محادثات مع الأسد
كما كان التأثير الاجتماعي لاستضافة مثل هذا العدد الكبير من اللاجئين واضحا في المواقف العامة. ففي حين أظهر المجتمع التركي قدرا كبيرا من التضامن والضيافة، وخاصة في السنوات الأولى من الأزمة، فقد تحول الشعور العام تدريجيا. وقد ساهم ارتفاع معدلات البطالة والصعوبات الاقتصادية والاختلافات الثقافية في زيادة التوترات بين المجتمعات المضيفة واللاجئين. ووجد استطلاع أجرته جامعة إسطنبول بيلجي في عام 2022 أن 81 في المائة من المستجيبين الأتراك يعتقدون أن اللاجئين السوريين يجب أن يعودوا في نهاية المطاف إلى سوريا، مما يعكس المخاوف المتزايدة بشأن الوجود الطويل الأمد للاجئين في تركيا.
الدعم الدولي وتقاسم الأعباء
حظيت جهود تركيا في استضافة اللاجئين باعتراف واسع النطاق على المستوى الدولي، لكن البلاد انتقدت في كثير من الأحيان الافتقار إلى تقاسم العبء بشكل مناسب من قبل المجتمع الدولي. قدم الاتحاد الأوروبي دعمًا ماليًا كبيرًا من خلال مرفق اللاجئين في تركيا، والذي خصص 6 مليارات يورو (6.6 مليار دولار) بين عامي 2016 و2021. وقد دعم هذا التمويل مشاريع مختلفة في مجال الصحة والتعليم والبنية الأساسية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية للاجئين.
ومع ذلك، زعمت تركيا أن استجابة المجتمع الدولي لم تكن كافية، بالنظر إلى حجم الأزمة. ودعت الحكومة التركية مراراً وتكراراً إلى تقاسم أكثر إنصافاً للأعباء، بما في ذلك زيادة فرص إعادة التوطين للاجئين في بلدان ثالثة وزيادة المساعدات المالية من الجهات المانحة الدولية.
خاتمة
إن النهج الإنساني الذي تنتهجه تركيا في التعامل مع اللاجئين يمثل أحد أكثر الاستجابات شمولاً وتعقيداً للاجئين في التاريخ الحديث. وفي حين قطعت البلاد خطوات كبيرة في توفير الحماية والخدمات والفرص لملايين اللاجئين، فإن تحديات الاستدامة الاقتصادية والتكامل الاجتماعي وتقاسم الأعباء الدولية تظل بالغة الأهمية. ومع استمرار الأزمة السورية دون نهاية فورية في الأفق، تقدم تجربة تركيا دروساً قيمة للدول والمناطق الأخرى التي تواجه تحركات لاجئين واسعة النطاق.
يتعين على المجتمع الدولي أن يعترف بجهود تركيا ويدعمها بشكل أكثر فعالية لضمان حماية اللاجئين، فضلاً عن منحهم الفرصة لإعادة بناء حياتهم بكرامة وأمان. وتؤكد تجربة تركيا على أهمية اتباع نهج شامل وتعاوني في معالجة أزمات اللاجئين، وهو النهج الذي يوازن بين المخاوف الإنسانية والواقع الاقتصادي والاجتماعي.
رأي: لقد قامت تركيا بدورها في أزمة اللاجئين؛ والآن الأمر متروك للغرب
الآراء الواردة في هذه المقالة تعود للمؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لموقع ميدل إيست مونيتور.
