تحتضن القدس المحتلة جزءاً أساسياً من خريطة المقاومة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في ظل المخططات التهويدية التي تشهدها المدينة والاستهداف المتصاعد للمقدسات والسكان على حد سواء. وهذا ما دفع المزيد من الفلسطينيين إلى القيام بعمليات فردية والمشاركة في المقاومة الشعبية ورشق الحجارة والتصدي لاقتحامات قوات الاحتلال للأحياء الفلسطينية في المدينة المحتلة. ورغم محاولات الاحتلال خنق المدينة عقب معركة فيضان الأقصى، إلا أن المدينة شهدت عددا من التطورات والعمليات. سنعرض في هذا المقال رؤية للمقاومة في القدس منذ بداية عام 2023 وحتى نهاية شهر مايو 2024.
40% من وفيات الاحتلال حدثت في القدس المحتلة
وتشهد مدينة القدس المحتلة عدداً كبيراً من العمليات الفردية، إضافة إلى المواجهات شبه اليومية التي تشهدها أحياء المدينة. وفيما يتعلق بإجمالي العمليات في القدس المحتلة عام 2023، رصد مركز المعلومات الفلسطيني 1675 عملية في القدس المحتلة من أصل 14183 عملية. وتشكل هذه العمليات ما يقارب 12% من إجمالي العمليات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهي نسبة ليست بالقليلة بالنظر إلى حجم التواجد الأمني الإسرائيلي في القدس المحتلة والقيود التي تفرضها قوات الاحتلال على حركة الفلسطينيين في المدينة.
اقرأ: تحذر منظمة الصحة العالمية من أن الحرارة الشديدة في غزة قد تؤدي إلى تفاقم الأزمة الصحية للفلسطينيين
ونجحت العمليات الفردية التي جرت في القدس المحتلة في إلحاق خسائر فادحة بالاحتلال، حيث أدت إلى مقتل 17 مستوطنا وعنصر أمن من أصل 43 قتيلا إسرائيليا في كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة. وهذا يعني أن جدوى عمليات المقاومة في القدس المحتلة مرتفعة للغاية، إذ أن أقل من 12 في المائة من إجمالي العمليات حققت نحو 40 في المائة من إجمالي عدد القتلى الإسرائيليين في عام 2023.
تصاعد إطلاق النار
وتشهد مدينة القدس المحتلة، منذ مطلع العام 2023، تطوراً ملحوظاً على صعيد تنفيذ المزيد من عمليات إطلاق النار. وتركزت هذه العمليات على استهداف حواجز الاحتلال والحواجز التي تفصل مدينة القدس المحتلة عن بقية الأراضي المحتلة، بالإضافة إلى استهداف المستوطنات. وكانت عملية الشهيد خيري علقم أول عملية مؤثرة عام 2023 وعلى كامل ساحة المقاومة في الأراضي المحتلة. وجاء ذلك ردا مباشرا على مقتل عدد من المقاومين في مخيم جنين. بتاريخ 27 ديسمبر 2023، نفذ علقم، 21 عاماً، عملية إطلاق نار من سيارته بالقرب من كنيس يقع وسط حي نيفي يعقوب (النبي يعقوب). وأدت العملية إلى مقتل سبعة مستوطنين وإصابة عشرة آخرين. ووصفت مصادر إسرائيلية العملية بأنها الأخطر منذ عام 2008، حيث تمكن منفذ العملية من الانسحاب من مكان العملية واشتبك مع قوات الاحتلال عدة مرات قبل مقتله.
ومن أبرز العمليات التي شهدتها القدس المحتلة عام 2023، عملية الدهس التي نفذها الشهيد حسين قراقع 30 عاماً، بتاريخ 10 شباط 2023، والتي أسفرت عن مقتل ثلاثة مستوطنين وجرح ستة آخرين واستشهاد منفذ الهجوم. . إضافة إلى ذلك، هناك عملية الشهيد حاتم أبو نجمة، 39 عاما، بتاريخ 24 إبريل 2023، عندما نفذ عملية دهس في القدس المحتلة، أدت إلى إصابة ثمانية مستوطنين قبل مقتله.
وبتاريخ 16/11/2023، نفذ عدد من المقاومين وهم عبد القادر عبد الله القواسمي 26 عاماً، وحسن مأمون قفيشة 28 عاماً، ونصر عبد العفو القواسمي 17 عاماً، عملية إطلاق نار استهدفت حاجز النفق العسكري الفاصل. مدينة بيت لحم وجنوب القدس المحتلة، مما أدى إلى استشهاد جندي وإصابة ستة آخرين واستشهاد المنفذين بعد إطلاق النار عليهم من قبل قوات الاحتلال. وفي اليوم نفسه، أعلنت كتائب القسام مسؤوليتها عن العملية.
اقرأ: لجنة الخبراء في SOAS تناقش المساءلة عن جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل في غزة
وكانت آخر عملية لعام 2023، جرت في 30 تشرين الثاني/نوفمبر، ونفذها الشقيقان إبراهيم النمر 30 عاماً، ومراد النمر 38 عاماً، وتضمنت عملية إطلاق نار وكر وفر عند المدخل الشمالي الغربي للمدينة. مدينة القدس المحتلة، قرب مستوطنة راموت. وأدى ذلك إلى مقتل أربعة مستوطنين، بينهم حاخام رفيع المستوى، وإصابة 12 مستوطنا، نهاية بإطلاق النار على منفذي الهجوم. وبعد الكشف عن هوية منفذي الهجوم، اقتحمت قوات الاحتلال منزل الشقيقين، واعتقلت والدهما وعدد من أفراد العائلة.
تجدد في النصف الأول من عام 2024
وتشهد القدس المحتلة عشرات العمليات كل شهر، تتراوح بين إطلاق النار ورشق الحجارة وحتى مواجهة المستوطنين. وبحسب مصادر فلسطينية فإن المدينة المحتلة شهدت خلال الفترة من 1 كانون الثاني/يناير وحتى 30 أيار/مايو 2024، نحو 137 عملية، شهد شهر كانون الثاني/يناير العدد الأكبر من العمليات بـ 38 عملية.
وشهدت المدينة المحتلة خلال العام 2024، عدداً من العمليات التي نفذها مقدسيون في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة. ومن أبرز تلك العمليات، عملية الشهيد فادي جموم (40 عاماً)، بتاريخ 17 فبراير 2024، حيث نفذ عملية إطلاق نار في محطة الحافلات في مستوطنة كريات ملاخي جنوب فلسطين المحتلة، ما أدى إلى مقتل مستوطنين اثنين وإصابة أربعة آخرين وقتل المستوطنين. منفذ الهجوم، حيث أعلن الاحتلال أن المنفذ من مخيم شعفاط بالقدس المحتلة. وأعقب ذلك عملية حاجز الزعيم في 22 شباط/فبراير 2024، حيث نفذ ثلاثة مقاومين هجوم إطلاق نار بالقرب من الحاجز أدى إلى مقتل عناصر أمن إسرائيليين وإصابة سبعة مستوطنين آخرين واستشهاد اثنين من الجناة. أما الجناة فهما محمد زواهرة (26 عاما)، وأحمد الوحش (31 عاما)، فيما اعتقل الجاني الثالث كاظم زواهرة بعد إصابته برصاص الاحتلال.
كما أن العملية التي نفذها يوم 29 فبراير 2024، الأسير المحرر والشرطي التابع للسلطة الفلسطينية محمد يوسف ذياب مناصرة، 31 عاماً، من سكان مخيم قلنديا شمال القدس المحتلة. وفتح النار على محطة وقود قرب مستوطنة إيلي جنوب نابلس، ما أدى إلى مقتل مستوطنين اثنين ومقتل منفذ الهجوم. وكانت آخر العمليات بتاريخ 30 نيسان/أبريل 2024، حيث أصيب ضابط أمن بعملية طعن قرب باب الساهرة في البلدة القديمة، نفذها السائح التركي حسن سكلنان (34 عاماً) الذي وصل إلى المدينة المحتلة قبل يوم واستشهد برصاص قوات الاحتلال. وعلى إثر العملية، أغلقت قوات الاحتلال أبواب البلدة القديمة وأبواب المسجد الأقصى، وفرضت قيودا مشددة في محيط مكان الحادث.
وتشكل هذه الأمثلة رؤية لتصاعد المقاومة في القدس المحتلة، وتعطينا صورة مهمة عن مشاركة الأراضي المحتلة في مواجهة الاحتلال وإحباط اجتياحاته. وتشير المعطيات السابقة إلى تصاعد عمليات المقاومة هذه عقب عملية فيضان الأقصى، رغم الإجراءات والقيود المشددة التي تفرضها قوات الاحتلال المسلحة، في محاولة لقمع أي مواجهة في المدينة المحتلة وآثار الفلسطينيين. المشاركة في هذه المواجهة.
مترجم من عربي21، 17 يونيو 2024
الآراء الواردة في هذا المقال مملوكة للمؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لميدل إيست مونيتور.