لقد شهد هذا الشهر ثلاثة أحداث تتعلق بوقف الحرب في السودان، وقد تناول كل منها القضية من زاوية مختلفة.

كان الحدث الأول هو مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية الذي عقد في القاهرة في السادس من يوليو/تموز الماضي، وقد أرسل المؤتمر إشارات إيجابية لا بد من أخذها في الاعتبار، حيث جمع لأول مرة منذ اندلاع الحرب في إبريل/نيسان من العام الماضي المجموعات المدنية والسياسية التي كانت تتصادم بعنف في السابق، وهو ما كان يوحي بأنها لن تجتمع في غرفة واحدة، ولكنها اجتمعت تحت رعاية وسطاء سودانيين، بينما ركز دور مصر، ولله الحمد، على توفير اللوجستيات اللازمة لإنجاح الاجتماع.

ومن المؤشرات الإيجابية أيضاً أن رؤساء الكتل تخلوا عن مخاطبة المؤتمر فردياً، واختاروا إلقاء كلمة واحدة باسمهم جميعاً، ثم حضر ممثلو الكتل في اجتماع مشترك، وتمكنوا من الاتفاق على البيان الختامي، وإن كانت بعض الكتل انسحبت منه لاحقاً.

وكان المؤشر الأكثر إيجابية، من وجهة نظري، هو أن الجميع اتفقوا على آلية أو لجنة من الوسطاء السودانيين للتواصل مع الجميع واقتراح الخطوات التالية.

وأعتقد أن المؤتمر لم يكن ليحقق أكثر من ذلك، لذا فإن ما حققه هو خطوة أولى في البحث عن رؤية مشتركة للمجتمع المدني حول كيفية وقف الحرب. وتقع المسؤولية الرئيسية لإنهاء الحرب على عاتق المجتمع المدني، حيث أوكلت إليه مهمة الإجابة على الأسئلة حول مستقبل قيادة الجيش، ومستقبل قوات الدعم السريع والميليشيات الأخرى، والمساءلة عن جريمة اندلاع الحرب والانتهاكات التي ارتكبت. كما يجب على المجتمع المدني معالجة الأزمة الإنسانية المتفاقمة في السودان، والتوصل إلى توافق بشأن فترة انتقالية بقيادة مدنية دون شركاء من أي من الطرفين المتحاربين. هذا بالإضافة إلى عناصر أخرى من العملية السياسية التي بدونها لن تنتهي الحرب.

الحدث الثاني الذي يعقد الآن في جنيف تحت رعاية الأمم المتحدة، ويتضمن لقاءات غير مباشرة بين ممثلي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وهدفه معالجة قضية الأزمة الإنسانية. وما زلت مقتنعاً بأن معالجة القضية الإنسانية هي النهج الصحيح لوقف الحرب في السودان، وهي أولوية قصوى لمعالجة الوضع المتدهور في جميع أنحاء البلاد. وأود أن أؤكد أن هذه القضية لا يمكن تسييسها، ولا يمكن أن تنطوي على مساومة؛ ولا ينبغي احتجاز المساعدات الإنسانية كرهينة في أيدي الأطراف المتحاربة أو تسليحها. والنجاح في هذا الملف، بالإضافة إلى تخفيف حدة الأزمة، يمكن أن يكون بمثابة مدخل عملي لوحدة الأطراف المدنية والسياسية التي تعارض الحرب، ومدخل مناسب لإطلاق العملية السياسية.

يقرأ: منظمة الصحة العالمية تقول إن الوصول إلى السودان “ضروري للغاية وفوريًا” لتجنب الوضع الصحي “الكارثي”

ونظراً للفشل في ترتيب المساعدات الإنسانية وحماية المحتاجين في السودان منذ اندلاع الحرب، فقد اقترحت في وقت سابق أن يجتمع الفاعلون الدوليون والإقليميون لإعادة النظر في النهج المعمول به حتى الآن والاتفاق على أساليب جديدة، والتفكير خارج الصندوق، والتي تكون أكثر فعالية لتلبية احتياجات الناس. وأعتقد أيضاً أننا بحاجة إلى التحديث والابتكار في إجراءات جديدة بما في ذلك التسليم عبر الحدود، والتفتيش المشترك للمساعدات من قبل أطراف النزاع والداعمين الدوليين، ودعم أنشطة غرف الطوارئ، واستخدام التحويلات النقدية الإلكترونية. ومن الممكن أيضاً الاستفادة من تجارب منهجية المساعدة الإنسانية السابقة مثل عملية شريان الحياة، ومقترحات 2016-2017 لمساعدة ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق السودانيتين.

وفي ذات السياق، وكما سبق أن اقترحت، ينبغي لكبار القادة وذوي الخبرة من المجتمع الدولي والإقليمي أن يتفاوضوا بشكل منفصل مع كبار الضباط المؤثرين في الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وأن يتفقوا ثنائيا مع كل طرف بشأن إنشاء ممرات آمنة وإيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين. وهذا على أساس الاعتراف بحق كل طرف في التحكم والموافقة على ممرات إيصال المساعدات.

وأتمنى أن يكون هذا هو جوهر ما يحدث الآن في جنيف.

أما الحدث الثالث فهو الذي يقام في أديس أبابا تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، ولكنني أعتقد أنه تكرار للأخطاء التي يرتكبها الاتحاد الأفريقي منذ أصبحت حرب السودان جزءاً من أجندته. ففي يوليو/تموز من العام الماضي أعلن الاتحاد الأفريقي أنه من أجل إشراك الجماعات المدنية السودانية في الجهود الرامية إلى وقف الحرب من خلال إطلاق عملية سياسية مصممة وقيادية سودانية، فإنه سيدعو إلى اجتماع في الخامس والعشرين من أغسطس/آب من العام الماضي في أديس أبابا، يشارك فيه عدد كبير من السودانيين. وبمجرد انتشار الخبر في ذلك الوقت، نشأت تساؤلات: هل الاجتماع من بنات أفكار الاتحاد الأفريقي، أم أنه نتاج مشاورات مع مجموعة من السودانيين؟ وإذا كان الأمر كذلك، فمن هم هؤلاء الأفراد السودانيون وماذا يمثلون؟

فضلاً عن ذلك، ما هي معايير اختيار المشاركين؟ هل كان اجتماعاً لمناقشة مساهمة القوى المدنية في وقف الحرب، وبالتالي تشارك فيه القوى المناهضة للحرب وليس من يذكونها، أم كان أشبه باجتماعات سابقة لم تسفر عن شيء؟ وإذا كانت هناك إجابات على كل هذه الأسئلة وغيرها، فلماذا هذا الافتقار إلى الشفافية؟

ومن المؤسف أن الاتحاد الأفريقي سار على نفس النهج في ما يتصل بالاجتماع الحالي في أديس أبابا، وهو ما لن يحقق انطلاقة لأي عملية سياسية، بل سيكون مصيره الفشل، لأنه يقتصر على كتلة واحدة متجانسة الأهداف والرؤى، في حين قاطعته كتل ومجموعات كبرى ذات رؤى مختلفة. ولا يمكن لأي عملية سياسية أن تنجح إلا إذا التقت رؤى متعارضة. وهذا النهج الذي لا يأخذ في الاعتبار التعقيدات الشائكة المحيطة بالعلاقات داخل المجتمع المدني السوداني، والذي يفرض نفسه دون أي تشاور مسبق مع المجموعات والكتل فيه، ودون الأخذ بملاحظاتها، هو نهج ضار وسيزيد الأمر تعقيداً. وعلى الاتحاد الأفريقي أن يعيد النظر فيما يفعله.

ظهرت هذه المقالة أولاً باللغة العربية في صحيفة القدس العربي بتاريخ 14 يوليو 2024

يقرأ: السودان يدعو إلى إنهاء الحرب وتشكيل حكومة “مؤقتة غير حزبية”

الآراء الواردة في هذه المقالة تعود للمؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لموقع ميدل إيست مونيتور.

شاركها.