يشهد لبنان تصعيدًا ملحوظًا في الضغوط الإسرائيلية والأمريكية بهدف تسريع عملية نزع سلاح حزب الله، وهو ما تجلى في إلغاء زيارة مقررة لرئيس الجيش اللبناني إلى واشنطن بعد تجاهل من مسؤولين أمريكيين، وفقًا لمصدر عسكري تحدث لوكالة فرانس برس. وتأتي هذه التطورات في ظل حالة من التوتر المستمر على الحدود الجنوبية للبنان، حيث كثفت إسرائيل من غاراتها في الأسابيع الأخيرة.
الضغوط المتزايدة لنزع سلاح حزب الله
تزايدت الضغوط على الجيش اللبناني لتنفيذ خطة نزع سلاح حزب الله، التي أقرتها الحكومة اللبنانية. تهدف هذه الخطة إلى تفكيك البنية التحتية العسكرية للحزب جنوب نهر الليطاني، على بعد حوالي 30 كيلومترًا من الحدود الإسرائيلية، بحلول نهاية العام الحالي، قبل التوسع لتشمل باقي أنحاء البلاد.
المصدر العسكري اللبناني أكد احترام الجيش للجدول الزمني الذي اعتمدته الحكومة، والذي تدرك الولايات المتحدة والأطراف المعنية الأخرى تفاصيله. ومع ذلك، أعرب المصدر عن قلقه من أن هذه الضغوط “الممنهجة قد تمهد الطريق لتصعيد الضربات الإسرائيلية”. وأضاف أن “المطالبة بنزع سلاح حزب الله في جميع أنحاء لبنان بحلول نهاية العام أمر مستحيل”.
غارات إسرائيلية وتصعيد عسكري
تواصل إسرائيل شن هجمات شبه يومية على الأراضي اللبنانية، وتحتفظ بوجود عسكري في خمسة مواقع جنوب لبنان. وقد كثفت القوات الإسرائيلية من غاراتها في الأسابيع الأخيرة، متهمة حزب الله بإعادة بناء قدراته العسكرية بالقرب من الحدود.
وتشمل الضغوط الممارسة على الجيش اللبناني إجراء تفتيش دقيق للمنازل في جنوب لبنان بحثًا عن أسلحة أو أنفاق تابعة لحزب الله. ويواجه الجيش اللبناني تحديات كبيرة في هذا الصدد، حيث يفتقر إلى الموارد الكافية والخبرة اللازمة لتنفيذ هذه المهمة الحساسة، بالإضافة إلى حرصه على تجنب أي صراع داخلي في معقل حزب الله الجنوبي.
إلغاء زيارة رئيس الأركان إلى واشنطن
تأتي هذه التطورات في أعقاب إلغاء زيارة كان من المقرر أن يقوم بها رئيس الأركان اللبناني رودولف هيلال إلى واشنطن هذا الأسبوع. وقد ألغى مسؤولون سياسيون وعسكريون أمريكيون اجتماعاتهم معه قبل ساعات قليلة من موعد إقلاع طائرته.
السيناتور الجمهوري المؤثر ليندسي غراهام انتقد بشدة ما وصفه بـ “الجهد الضعيف، بل شبه المعدوم” الذي يبذله الجيش اللبناني لنزع سلاح حزب الله. كما انتقد غراهام بيانًا صادرًا عن الجيش اللبناني وصف فيه إسرائيل بـ “العدو”، وهو مصطلح شائع الاستخدام في الخطاب الرسمي اللبناني، نظرًا للوضع التقني الذي لا يزال قائماً وهو حالة الحرب مع إسرائيل منذ عام 1948. البيان المذكور أدانت فيه “إصرار العدو الإسرائيلي على انتهاك السيادة اللبنانية”، وذلك بعد إطلاق جنود إسرائيليين النار على قوات حفظ السلام التابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) يوم الأحد الماضي.
دور اليونيفيل ومراقبة الهدنة
منذ وقف إطلاق النار في نوفمبر الماضي، سجلت اليونيفيل أكثر من 7500 انتهاك جوي، وحوالي 2500 انتهاك بري شمال الخط الأزرق، بالإضافة إلى اكتشاف أكثر من 360 مخبأ أسلحة تم الإبلاغ عنها للجيش اللبناني.
وتجتمع لجنة تضم الولايات المتحدة وفرنسا ولبنان وإسرائيل واليونيفيل بشكل دوري لمراقبة الهدنة. وعلى الرغم من التحديات، يواصل الجيش اللبناني التنسيق مع اللجنة واليونيفيل لتفكيك البنية التحتية لحزب الله، على الرغم من محدودية المعدات والإمكانيات المتاحة له. وقد سقط 12 جنديًا لبنانيًا قتيلًا خلال هذه العمليات في الأشهر الأخيرة.
تحديات تواجه الجيش اللبناني
“الجيش اللبناني يُطلب منه القيام بما لم تتمكن القوات الإسرائيلية من تحقيقه خلال الحرب بصواريخها وطائراتها وتقنياتها”، هذا ما قاله المصدر العسكري، مشيرًا إلى المطالب بتفتيش المنازل في الجنوب. وأضاف أن الجيش يفتقر إلى العدد الكافي من الجنود والخبرة اللازمة لتنفيذ هذه المهمة.
بالإضافة إلى ذلك، لم يتم عقد المؤتمر الدولي للمانحين الذي كان من المفترض أن يدعم الجيش اللبناني ماليًا. ويعتبر الجيش اللبناني، الذي يضم حوالي 80 ألف فرد ويعتمد بشكل كبير على المساعدات الأمريكية، ركيزة أساسية للاستقرار في لبنان الذي يعاني من أزمة اقتصادية حادة.
موقف حزب الله وإسرائيل
تأسس حزب الله بعد الغزو الإسرائيلي عام 1982، وهو المجموعة الوحيدة التي احتفظت بأسلحتها منذ الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، بذريعة “المقاومة” ضد إسرائيل. ويؤكد الحزب أنه يحترم وقف إطلاق النار، لكنه يرفض تسليم أسلحته.
من جانبه، صرح مسؤول عسكري إسرائيلي لوكالة فرانس برس أن آلية مراقبة الهدنة تعمل، لكنها “ليست بالسرعة التي نرغب بها، ولا في الأماكن التي نريدها”. وأضاف: “نرى الطريقة التي يعيد بها حزب الله بناء نفسه… ولا نسمح لهذه التهديدات بالنمو في باحتنا الخلفية”. وأقر المسؤول الإسرائيلي بأن حزب الله لا يزال يمتلك صواريخ بعيدة المدى، وأن “حوالي 20 إلى 30 بالمائة من قدراته النارية” بقيت سليمة بعد انتهاء الحرب. وأضاف: “لا يمكنك الوصول إلى صفر… من أجل الوصول إلى صفر، تحتاج إلى الذهاب من منزل إلى منزل – في كل مكان في لبنان، وهو ما نتوقعه من الجيش اللبناني، لأننا لا نستطيع فعل ذلك بأنفسنا”.
الخلاصة:
الوضع في جنوب لبنان يتسم بالتعقيد والتصعيد المستمر. الضغوط الإسرائيلية والأمريكية على الجيش اللبناني لنزع سلاح حزب الله تزداد حدة، في حين يرفض الحزب التخلي عن أسلحته. ويتطلب حل هذه الأزمة معالجة شاملة للقضايا الأمنية والسياسية، بالإضافة إلى دعم دولي للجيش اللبناني لتمكينه من القيام بمهامه بفعالية. نزع سلاح حزب الله يظل تحديًا رئيسيًا يهدد الاستقرار في لبنان والمنطقة. هل ستنجح الضغوط الدولية في تحقيق هذا الهدف؟ وهل سيتمكن الجيش اللبناني من القيام بهذه المهمة الحساسة دون إثارة صراع داخلي؟ هذه الأسئلة تبقى معلقة في ظل التطورات المتسارعة.
