بعد ما يقرب من عام من القصد والفعل الإبادة الجماعية، قال الجيش الإسرائيلي إنه سيحقق في “حادث خطير لا يتماشى مع قيم جيش الدفاع الإسرائيلي وما هو متوقع من الجنود الإسرائيليين”. وكان البيان يتعلق بلقطات فيديو لجنود يلقون بجثث ثلاثة من مقاتلي المقاومة الفلسطينية من فوق سطح مبنى في قباطية بالضفة الغربية المحتلة، خلال غارة قتلت فيها قوات الدفاع الإسرائيلية سبعة فلسطينيين.

لا أحد يستطيع أن يقول ما الذي قد يبدو باهتاً بالمقارنة عندما نشاهد لقطات الفلسطينيين الذين مزقتهم القنابل الإسرائيلية، والمزاج العفوي المتمثل في ركل الفلسطينيين القتلى من فوق أسطح المنازل. بطبيعة الحال، كانت الإبادة الجماعية أكثر وضوحاً. ولكن لقطات قباطية لا تقل أهمية عن كونها مثالاً على جوهر إسرائيل الحقيقي ـ طرد الفلسطينيين.

بطبيعة الحال، لا يمكن أخذ بيان جيش الدفاع الإسرائيلي حول قيمه على محمل الجد. فلا أحد يتوقع من أي شخص أن يرتكب جريمة إبادة جماعية أو يركل جثثاً من فوق سطح منزل ـ أي شخص ليس جزءاً من جيش الدفاع الإسرائيلي. ذلك أن ما تم تصويره في اللقطات يعكس بوضوح ليس فقط بدايات جيش الدفاع الإسرائيلي شبه العسكرية، بل وأيضاً وجود إسرائيل.

وبما أن الإبادة الجماعية فشلت في تحريك زعماء العالم للتحرك على مدى عام تقريبا، فإلى جانب النقاش والتفاوض على وقفات إنسانية غير مجدية، فإن ما فعله الجنود الإسرائيليون في قباطية هو انعكاس لمدى سماح المجتمع الدولي لنزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين بالتعايش في وئام مع حقوق الإنسان.

لا تريد الأمم المتحدة سوى إحياء ذكرى النكبة مثل أي ذكرى أخرى تمر – يوم للتأمل في أفضل الأحوال. لكنها لن تسمح بتذكر النكبة على حقيقتها – التطهير العرقي للفلسطينيين نتيجة لخطة التقسيم لعام 1947. وفي فشلها في السماح بإحياء ذكرى حقيقية لنكبة عام 1948، التي ارتكبت فيها الميليشيات الصهيونية جرائم مروعة، موثقة حتى في أرشيفات إسرائيل، مهدت الأمم المتحدة الطريق أمام تحول نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين إلى موقف سلبي دولي. لدرجة أنه بعد عقود من الزمان وانتهاكات لا حصر لها للقانون الدولي، لم يتم جمع كل حالة من حالات العنف الاستعماري الإسرائيلي ضد الفلسطينيين إلا لأغراض إحصائية.

إن كان من الممكن نزع الصفة الإنسانية عن شعب ما، فمن الممكن فعل أي شيء له. ولكن لا بد من فضح نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين على المستوى الدولي إلى جانب نزع الصفة الإنسانية عن السكان المستعمرين من قِبَل إسرائيل. فمنذ عام 1948، عملت الأمم المتحدة على نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين من خلال قرارات غير ملزمة. وأثناء الإبادة الجماعية، عملت الأمم المتحدة على نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين بشكل أكبر من خلال خلق فترات توقف إنسانية ــ تأخير متعمد للمذبحة الوشيكة. وفي الضفة الغربية المحتلة ــ الصورة التي يرسمها المجتمع الدولي عن الشكل الذي ينبغي أن تبدو عليه عملية بناء الدولة الفلسطينية، على الأقل على السطح ــ يُقتَل الفلسطينيون ويُنسى أمرهم باسم أكبر وهم للحكم، وهو الوهم الذي لا يزال المجتمع الدولي في احتياج إليه لإنقاذ دبلوماسيته.

والآن، تستطيع قوات الدفاع الإسرائيلية أن تتظاهر بالوعظ الأخلاقي إزاء سلوك ثلاثة من جنودها الذين ألقوا جثث فلسطينيين من فوق سطح أحد المباني، وكأنها لم تر قط أو تعرف عن أي فظائع ارتكبها الصهاينة قبل إنشاء إسرائيل وبعده. لقد منح نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين منبراً لقوات الدفاع الإسرائيلية لتتنكر في هيئة بطل أخلاقي في حين أنها القوة العسكرية الرائدة وراء الإبادة الجماعية في غزة. ولكن إلى أي حد يمكن لهذا العالم أن يخطئ؟

اقرأ: نتنياهو عن الغارة الإسرائيلية على بيروت: “سنعمل على تغيير الشرق الأوسط”

الآراء الواردة في هذه المقالة تعود للمؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لموقع ميدل إيست مونيتور.

شاركها.