إن عضوية تركيا المحتملة في مجموعة البريكس هي خطوة مثيرة للاهتمام تشير إلى نية أنقرة الاستراتيجية لتنويع تحالفاتها الدولية بما يتجاوز انتماءاتها التقليدية، وفي المقام الأول حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي. ولا يقتصر هذا التطور على تعزيز الفرص التجارية أو الاقتصادية فحسب، بل يعكس أيضًا طموحات تركيا لإعادة وضع نفسها كلاعب أكثر تأثيرًا في الحوكمة العالمية. في هذا التحليل، سوف نستكشف سبب تفكير تركيا في عضوية مجموعة البريكس، والتداعيات الاقتصادية والجيوسياسية والعوامل الدافعة لهذا التحول، كل ذلك مع تسليط الضوء على وضعها الحالي كعضو في الناتو.

التنويع الاقتصادي والفوائد

يعد الاقتصاد التركي واحدًا من أكبر الاقتصادات في الشرق الأوسط ويحتل المرتبة التاسعة عشرة من حيث أكبر اقتصاد في العالم، حيث يبلغ الناتج المحلي الإجمالي حوالي 906 مليار دولار في عام 2023. وبينما تم دمج تركيا منذ فترة طويلة في الهياكل الاقتصادية الغربية مثل حلف شمال الأطلسي والاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي، فإن جاذبية تركيا هي واحدة من أكبر الاقتصادات في الشرق الأوسط. يكمن الانضمام إلى مجموعة البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) في الفوائد الاقتصادية الكبيرة التي يوفرها:

الوصول إلى الأسواق الناشئةتمثل دول البريكس مجتمعة نحو 31.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، متجاوزة حصة مجموعة السبع البالغة 30.7 في المائة. إن تحالف تركيا مع مجموعة البريكس من شأنه أن يوفر إمكانية الوصول إلى كتلة اقتصادية واسعة تضم بعض الاقتصادات الأسرع نموا في العالم، بما في ذلك الصين والهند، اللتين من المتوقع أن تستمرا في مسارات نموهما في السنوات المقبلة.

رأي: المؤيدون الأوروبيون للإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل يهددون الحرية الأكاديمية

فرص التجارة والاستثمار: شهدت تجارة تركيا مع دول البريكس ارتفاعًا، حيث وصلت إلى حوالي 120 مليار دولار في عام 2023. وتعد الصين وحدها واحدة من أكبر الشركاء التجاريين لتركيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية 38 مليار دولار. ومن خلال الانضمام إلى مجموعة البريكس، تستطيع تركيا تأمين شروط تجارية أكثر ملاءمة، وتنويع أسواق صادراتها، وجذب الاستثمارات من هذه الاقتصادات سريعة النمو.

الاستثمار في البنية التحتية: يمكن أن تسهل العضوية أيضًا وصول تركيا إلى مؤسسات البريكس مثل بنك التنمية الجديد (NDB)، الذي يمول مشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة. ومع خطط تركيا الطموحة لتوسيع البنية التحتية، مثل مشروع قناة اسطنبول وتحديث قطاع الطاقة، يمكن لعضوية البريكس أن تفتح سبل تمويل جديدة وخبرة فنية.

إعادة التموضع الجيوسياسي: تحقيق التوازن بين حلف شمال الأطلسي والغرب

أصبحت تركيا عضوًا في حلف شمال الأطلسي (الناتو) منذ عام 1952، وقد شكل هذا التحالف تقليديًا العمود الفقري لدفاعها وسياستها الخارجية. ومع ذلك، شهدت السنوات الأخيرة توترات في علاقة تركيا مع حلفائها الغربيين:

التوترات مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدةلقد تعثرت محاولة تركيا الطويلة الأمد للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وكثيراً ما شابت العلاقة خلافات حول حقوق الإنسان، وقبرص، والتدخلات العسكرية لأنقرة في سوريا. بالإضافة إلى ذلك، أدى شراء تركيا لنظام الصواريخ الروسي S-400 إلى توتر علاقاتها مع الولايات المتحدة، مما أدى إلى فرض عقوبات واستبعاد تركيا من برنامج الطائرات المقاتلة F-35.

محور استراتيجي نحو التعددية القطبية: يمثل اهتمام تركيا بمجموعة البريكس محورا نحو سياسة خارجية أكثر تعددية الأقطاب. ومن خلال الانضمام إلى مجموعة البريكس، تسعى تركيا إلى تقليل اعتمادها على التحالفات الغربية، مما يشير إلى أنها منفتحة على شراكات أخرى تتوافق بشكل أفضل مع مصالحها الإقليمية وطموحاتها العالمية.

اعتبارات أمن الطاقةمع مجموعة البريكس، يمكن لتركيا أيضًا تعميق علاقات الطاقة مع روسيا والصين، وكلاهما يلعبان أدوارًا حاسمة في إمدادات الطاقة. إن موقع تركيا الاستراتيجي كمركز عبور للطاقة بين آسيا وأوروبا يجعلها لاعباً أساسياً في قطاع الطاقة. ومن خلال الانضمام إلى مجموعة البريكس، تستطيع تركيا تعزيز تعاونها مع عمالقة الطاقة هؤلاء، وتأمين صفقات وشراكات مواتية لتلبية احتياجاتها المتزايدة من الطاقة.

دور تركيا في الحوكمة العالمية

ومن خلال النظر في عضوية مجموعة البريكس، تهدف تركيا أيضًا إلى تضخيم تأثيرها على هياكل الحوكمة العالمية:

رأي: على الرغم من وفاته منذ 13 عامًا، لا يزال القذافي شخصية قيادية في ليبيا

صوت أكبر في المنصات المتعددة الأطرافتدعو مجموعة البريكس إلى نموذج حوكمة عالمية أكثر شمولا يعكس النفوذ المتنامي للاقتصادات الناشئة. بالنسبة لتركيا، فإن الانضمام إلى مجموعة البريكس يعني المشاركة في كتلة تدفع باتجاه إصلاح المؤسسات مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. ويمكن لتركيا الاستفادة من هذا المنبر للدفاع عن مصالحها الإقليمية، مثل الاستقرار في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.

بناء جسر دبلوماسي: مشاركة تركيا في كل من حلف شمال الأطلسي (الناتو) ومجموعة البريكس يمكن أن تجعلها جسرًا دبلوماسيًا بين الشرق والغرب. يتيح هذا الاصطفاف المزدوج لتركيا التوسط والتأثير في المفاوضات بين مراكز القوى المختلفة، مما يعزز قيمتها الاستراتيجية على مستوى العالم. على سبيل المثال، تُظهر الجهود التي تبذلها تركيا في التوسط في الصفقات، مثل اتفاقية تصدير الحبوب بين روسيا وأوكرانيا، قدرتها على لعب دور الوساطة.

لماذا البريكس، في حين كونها عضوا في الناتو؟

وبينما توفر عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي ضمانات أمنية عسكرية، فإن مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية تمتد إلى ما هو أبعد من التحالف الغربي. هناك عدة أسباب توضح سبب تفكير تركيا في هذه الخطوة، على الرغم من كونها عضوًا في الناتو:

زيادة الاستقلالية والمرونة الاستراتيجية: إن تحول تركيا إلى مجموعة البريكس يسمح لها بممارسة قدر أكبر من الاستقلالية في قرارات سياستها الخارجية. ومع تحول ديناميكيات القوى العالمية والتحديات المتزايدة التي يواجهها نفوذ القوى الغربية من قبل القوى الصاعدة مثل الصين، ترى تركيا فرصة لتنويع شراكاتها وتقليل الاعتماد على حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي.

البدائل غير الغربية: انتقدت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تركيا بسبب سجلها في مجال حقوق الإنسان، وأفعالها في سوريا، وشرائها أنظمة دفاع روسية. ومن خلال الانضمام إلى مجموعة البريكس، تشير تركيا إلى أن لديها شركاء بديلين لا يفرضون نفس المستوى من التدقيق السياسي أو الاقتصادي.

التعاون العسكري الصناعي: أدت عضوية الناتو إلى تقييد طموحات تركيا الصناعية العسكرية، كما رأينا مع القيود التي فرضتها الولايات المتحدة بعد حصول تركيا على نظام S-400 من روسيا. ويمكن لمجموعة البريكس أن توفر منصة بديلة للتعاون العسكري، خاصة مع روسيا والصين والهند، مما يسمح لتركيا بتطوير وتوسيع صناعتها الدفاعية دون مواجهة القيود الغربية.

التحديات والمخاطر التي تواجه تركيا

على الرغم من الفوائد المحتملة، فإن محاولة تركيا للانضمام إلى البريكس لا تخلو من المخاطر:

التنقل في التحالفات المتضاربةإن تحقيق التوازن بين التزاماتها تجاه حلف شمال الأطلسي (الناتو) والعلاقة المتنامية مع مجموعة البريكس سوف يشكل تحديًا دبلوماسيًا لتركيا. وقد ينظر حلف شمال الأطلسي إلى علاقات تركيا العميقة مع مجموعة البريكس، وخاصة مع روسيا والصين، على أنها تهديد لوحدة الحلف.

مقايضات اقتصادية وسياسيةفي حين أن عضوية البريكس قد توفر فرصًا اقتصادية، فإن تركيا تخاطر بتنفير حلفائها الغربيين، الذين يظلون شركاء تجاريين مهمين ومصادر للاستثمار الأجنبي المباشر. ويمثل الاتحاد الأوروبي نحو 40% من صادرات تركيا، وأي تحول كبير نحو مجموعة البريكس قد يؤدي إلى تعقيد علاقاتها الاقتصادية مع أوروبا.

القيود المؤسسية داخل البريكس: تظل البريكس مجموعة غير رسمية ليس لها نفس المستوى من الهيكل المؤسسي مثل الناتو أو الاتحاد الأوروبي. وتتباين قدرة المجموعة على العمل بشكل متماسك في مواجهة التحديات العالمية، وقد تجد تركيا صعوبة في استخلاص فوائد ملموسة إذا لم تتطور مجموعة البريكس إلى كيان أكثر تنظيماً واستباقية.

وتعكس عضوية تركيا المحتملة في مجموعة البريكس الرغبة في التنويع وزيادة النفوذ على الساحة العالمية. وبينما تستمر أنقرة في الاعتماد على حلف شمال الأطلسي لتلبية احتياجاتها الأمنية، فإن مشاركة أنقرة مع مجموعة البريكس هي محاولة استراتيجية لتقليل الاعتماد على الحلفاء الغربيين واستكشاف الفرص الاقتصادية والسياسية غير الغربية. إن تحقيق التوازن بين هذه التحالفات سيكون أمراً بالغ الأهمية بالنسبة لتركيا، حيث إنها تتنقل عبر الديناميكيات المعقدة لنظام عالمي سريع التحول.

رأي: حروب إسرائيل التوراتية “للدفاع عن النفس”: أسطورة “جبهات الحرب السبع”

الآراء الواردة في هذا المقال مملوكة للمؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لميدل إيست مونيتور.

شاركها.