يتوجه البابا ليو الرابع عشر في أول رحلة خارجية له يوم الخميس، إلى تركيا ولبنان، بهدف تعزيز الوحدة المسيحية وحث الجهود السلمية في ظل تصاعد التوترات في الشرق الأوسط. هذه الرحلة، التي تستغرق ستة أيام، تمثل اختبارًا دوليًا هامًا للبابا الجديد، الذي انتُخب رئيسًا للكنيسة الكاثوليكية في مايو، ويتميز أسلوبه المتواضع بالمقارنة مع سلفه الكاريزمي والاندفاعي، البابا فرنسيس. وتعتبر الرحلة البابوية إلى الشرق الأوسط حدثًا له دلالات روحية وسياسية عميقة، وتسلط الضوء على أهمية الحوار بين الأديان والسعي نحو السلام.
محطة تركيا: إحياء ذكرى مجمع نيقية
تتضمن الرحلة التاريخية محطة في تركيا لإحياء الذكرى السابعة عشرة لمجمع نيقية، حيث صيغت الرسالة الإيمانية – وهي إعلان تأسيسي للإيمان المسيحي. على الرغم من أن زيارة البابا ليو الرابع عشر المرتقبة لم تحظَ باهتمام كبير حتى الآن في هذا البلد ذي الأغلبية المسلمة، حيث يمثل المسيحيون 0.2 بالمائة فقط من سكانه البالغ عددهم 86 مليون نسمة، إلا أنها تحظى بانتظار حماسي في لبنان.
الأهمية الروحية لمجمع نيقية
مجمع نيقية، الذي عُقد عام 325 ميلاديًا، كان نقطة تحول في تاريخ الكنيسة. من خلال صياغة الرسالة الإيمانية، سعى المجمع إلى توحيد المعتقدات المسيحية ومواجهة الهرطقات التي كانت تظهر. إن إحياء ذكرى هذا المجمع يمثل فرصة لتذكير المسيحيين بأصولهم المشتركة وتعزيز وحدتهم في مواجهة التحديات الحديثة.
لبنان على مفترق الطرق: أمل في السلام والاستقرار
يعتبر لبنان تقليديًا نموذجًا للتعايش الديني، لكن البلاد تعاني منذ عام 2019 من أزمات متتالية، بما في ذلك الانهيار الاقتصادي الذي تسبب في فقر واسع النطاق، والانفجار المدمر في مرفأ بيروت عام 2020، والحرب الأخيرة مع إسرائيل. “الشعب اللبناني متعب”، قال فنسنت جيلو، مدير مكتب لـ”لأعمال الشرق” في لبنان وسوريا، وهي منظمة كاثوليكية تدعم المسيحيين في الشرق الأوسط. “إنهم يتوقعون كلمة صريحة للنخبة اللبنانية، بالإضافة إلى إجراءات قوية وملموسة”.
الدعوات إلى التغيير في لبنان
الزيارة البابوية تثير آمالًا كبيرة في لبنان، حيث يتوق الشعب إلى التغيير والاستقرار. يعتقد الكثيرون أن البابا ليو الرابع عشر سيستخدم نفوذه الروحي للضغط على القادة اللبنانيين لإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية ضرورية. هناك أيضًا توقعات بأن تدعو الكنيسة الكاثوليكية إلى تعزيز الوحدة الوطنية والحوار بين جميع الطوائف الدينية في لبنان.
تجري الاستعدادات على قدم وساق في المواقع التي سيزورها البابا، حيث تُعلَّق اللافتات التي تحمل صورته وعبارة “لبنان يريد السلام” على طول الطرق التي تم ترميمها حديثًا. وقال فادي عساف، السفير اللبناني لدى الكرسي الرسولي، إنها “زيارة استثنائية” ستسلط الضوء على “الصعوبات التي يواجهها لبنان”، الذي يأمل في تحقيق “اختراق سياسي واقتصادي”. وأضاف جيلو أن اللبنانيين عالقون في “دائرة مفرغة من الحروب والمعاناة” و”آمال محطمة” و”عدم اليقين بشأن المستقبل”، وأنهم “يدركون تمامًا أن (هذه الزيارة) لن تحل جميع مشاكلهم”. ومع ذلك، فهي فرصة لتسليط الضوء على دور المنظمات الخاصة، وغالبًا ما تكون دينية، في ضمان الحصول على الرعاية الصحية والتعليم – مثل المستشفى النفسي الذي تديره راهبات الفرنسيسكان والذي من المقرر أن يزوره البابا.
محطات رئيسية في الزيارة
تشمل أبرز محطات الزيارة لقاءً مع شباب البلاد، وذبيحة إلهية في الهواء الطلق يُتوقع أن تجذب 100 ألف شخص، وصلوات في موقع انفجار المرفأ الذي أودى بحياة أكثر من 220 شخصًا وتسبب في أضرار جسيمة للعاصمة اللبنانية. وقال أبدو أبو قاسم، منسق الإعلام في الكنيسة للزيارة، إن البابا يريد أيضًا “إعادة تأكيد دور لبنان كـ… نموذج للشرق والغرب” من خلال لقاء بين الأديان في وسط بيروت.
تعزيز الحوار بين الكنائس والديانات
لا تقتصر الرسالة البابوية على لبنان، بل تشمل أيضًا تركيا، التي تعتبر معبرًا استراتيجيًا بين الشرق والغرب. سيلتقي البابا ليو الرابع عشر بالرئيس رجب طيب أردوغان في أنقرة يوم الخميس وسيزور المسجد الأزرق في إسطنبول يوم السبت، بهدف تعزيز الحوار بين الكنيسة والإسلام.
الوحدة المسيحية وتحدياتها
في قلب الرحلة تكمن ذكرى مجمع نيقية، الذي دُعي البابا ليو الرابع عشر لحضوره من قبل البطريرك برثلماوس الأول، الرئيس الروحي للمسيحية الأرثوذكسية. يعترف الكاثوليك بالسلطة العالمية للبابا كرئيس للكنيسة، بينما تنظم المسيحية الأرثوذكسية كنائس تعين رؤساءها الخاصين. إن الاجتماع الذي عُقد في نيقية عام 325 ميلاديًا سبق الانقسامات التي قسمت المسيحية بين الشرق والغرب، وتمثل الذكرى لحظة مهمة لتعزيز الوحدة المسيحية.
ولكن، في ظل تعمق الخلاف بين بطريركيتي موسكو والقسطنطينية بسبب الحرب في أوكرانيا، لم تتم دعوة البطريرك كيريل الروسي – وهو داعم للرئيس فلاديمير بوتين. سيحرص البابا على عدم تفاقم التوترات بشكل أكبر عن طريق إزعاج موسكو، التي تخشى أن يعزز الفاتيكان دور القسطنطينية كممثل مفضل ويضعف نفوذها.
في الختام، تحمل زيارة البابا ليو الرابع عشر إلى تركيا ولبنان رسالة أمل وسلام إلى منطقة الشرق الأوسط المضطربة. من خلال تعزيز الوحدة المسيحية والحوار بين الأديان، يسعى البابا إلى المساهمة في تحقيق الاستقرار والازدهار للجميع. هذه الرحلة هي فرصة سانحة لإعادة التأكيد على القيم الإنسانية المشتركة التي تجمع بين الناس، وتشجيعهم على العمل معًا من أجل مستقبل أفضل. ندعو القراء لمتابعة أخبار الزيارة البابوية والتعبير عن دعمهم لجهود السلام في المنطقة.
