إن الضفة الغربية المحتلة على وشك أن تشهد انقلاباً كبيراً. وربما يكون الحدث الذي يخشاه الكيان الصهيوني على وشك الحدوث، وذلك بسبب تزايد عدد وفعالية أعمال المقاومة الفلسطينية. والانتفاضة الثالثة في مرحلة المخاض، وإذا اندلعت فإنها سوف تتحول إلى جبهة حاسمة إلى جانب غزة والحدود الشمالية لدولة الاحتلال. وسوف تجد قوات الاحتلال الصهيوني صعوبة بالغة في مواجهتها، بل وربما صعوبة أكبر في التغلب عليها.

إن هذا سوف يشكل جبهة قتالية معقدة سوف يضطر جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى التعامل معها، ومن المعروف أن الكيان الصهيوني لا يملك القدرات العسكرية اللازمة لمواجهة حرب عصابات حضرية ضد مقاتلي المقاومة الفلسطينية. وهم يتميزون بالجرأة والتصميم والتنظيم، فضلاً عن التطور العملياتي الذي قد يشل حركة العدو. ولعل العمليات الأخيرة في جوش عتصيون في قلب تل أبيب، وفي الخليل وجنين ونابلس هي أمثلة على ذلك.

الانتفاضة كلمة عربية تعني حرفيًا “الثورة” وتستخدم لوصف حركة التمرد الشعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي، والتي أكدت محكمة العدل الدولية عدم شرعيتها. اندلعت الانتفاضة الأولى في غزة في 8 ديسمبر 1987، وانتشرت بسرعة في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة حتى 13 سبتمبر 1993. وقد عُرفت باسم “انتفاضة الحجارة” لأن أحد أقوى الجيوش في العالم واجه تحديًا من الأطفال والشباب بالحجارة.

وأظهرت صورة انتشرت عبر العالم طفلاً فلسطينياً يواجه دبابة صهيونية وبيده حجارة.

وفي الثامن والعشرين من سبتمبر/أيلول 2000، اندلعت الانتفاضة الثانية، أو انتفاضة الأقصى، في ظل الإحباط من تطورات اتفاق أوسلو الموقع بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، فضلاً عن السياسات القمعية والعدائية المستمرة التي ينتهجها النظام الصهيوني. وكان أرييل شارون هو الذي أشعل فتيل الانتفاضة عندما دخل باحة المسجد الأقصى محاطاً بحراسة أمنية مشددة. وقد رأى أكثر من ألف فلسطيني كانوا حاضرين في ذلك الوقت في ذلك استفزازاً غير مقبول. واستمرت الانتفاضة حتى الثامن من فبراير/شباط 2005.

هل من الممكن أن تندلع انتفاضة ثالثة؟ – كاريكاتير (كارلوس لطوف/ميدل إيست مونيتور)

ويأتي طرح مسألة اندلاع انتفاضة ثالثة في ظل تصاعد التوترات بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في السنوات الأخيرة، مع موجات دورية من العنف والمقاومة، والاستقطاب السياسي المتزايد داخل المعسكر الصهيوني، فضلاً عن إضعاف السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة.

يقرأ: الضفة الغربية: مستوطن مسلح يهاجم أطفالا فلسطينيين في أول يوم عودة للمدارس

ورغم أنه لم يتم الإعلان رسميا عن الانتفاضة الثالثة حتى الآن، فإن بعض العناصر تشير إلى أن مرحلة جديدة من الصراع قد بدأت تظهر. فقد تصاعدت وتيرة العنف من جانب قوات الاحتلال في الضفة الغربية، سواء القوات النظامية أو المستوطنين الفاشيين المسلحين، في أجزاء مختلفة من إسرائيل والأراضي المحتلة. وترد جماعات المقاومة في الضفة الغربية على هذا العنف لحماية عائلاتها ومنازلها وأرضها. فهل يتمكن النظام الصهيوني من وقفها؟

وإذا اندلعت انتفاضة أخرى، فسوف تواجه إسرائيل تحديات كبرى في محاولة احتوائها. فقد خضعت حركة المقاومة الفلسطينية لتحولات كبيرة منذ الانتفاضتين الأوليين. فقد مكنت التكنولوجيا ووسائل الإعلام الاجتماعية من التعبئة الأسرع والأكثر شمولاً، وهو ما قد يجعل الحركة أقل مركزية وأكثر صعوبة في الاحتواء. كما تنوعت الحركة، وتبنت تكتيكات تسمح للمقاتلين بالعمل بطريقة لامركزية، مما يجعل الأمور أكثر صعوبة بالنسبة لإسرائيل التي تمارس سياسة الفصل العنصري.

ومن المرجح أن تكتشف الدولة الصهيونية أن القمع المسلح والاعتقالات والاغتيالات لن تكون كافية لوقف حركة تنطوي على المقاومة الشعبية والنضال المسلح. فالمقاومة قائمة بسبب الاحتلال غير الشرعي، وهي متجذرة في النضال المشروع من أجل الحقوق الفلسطينية وتقرير المصير.

إن اندلاع الانتفاضة في الضفة الغربية من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الوضع بحيث تفشل إسرائيل في تحقيق النصر الكامل الذي وعد به رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يكافح من أجل حياته السياسية. فهو لم ينجح في إخراج حماس من غزة ولم يستعيد الرهائن الإسرائيليين. بل على العكس من ذلك، واجه هزيمة عسكرية وسياسية وأخلاقية في غزة؛ وخسارة شمال فلسطين المحتلة عام 1948 وتدمير قواعدها العسكرية؛ والإخلاء الجماعي للمستوطنين اليهود على طول منطقة الحدود.

ويعلم القادة الصهاينة أنه لا أمل في تحقيق النصر المطلق في غزة.

ويزداد الوضع سوءا في الشمال، حيث يشهد الجيش الإسرائيلي تدهورا في قدراته العسكرية مع تدمير معدات المراقبة والعديد من بطاريات نظام الدفاع الجوي “القبة الحديدية”.

لقد فشلت الحرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ولن تتمكن من تحقيق أي من أهدافها العدوانية، وخاصة القضاء على المقاومة الفلسطينية المشروعة للاحتلال غير الشرعي للأرض الفلسطينية. إن تصرفات دولة الاحتلال في الضفة الغربية، من تدمير البنية التحتية إلى قتل واعتقال الفلسطينيين من الرجال والنساء والأطفال، لن توقف تحرير فلسطين “من النهر إلى البحر”.

رأي: ما هو الخيار الذي تركه الاحتلال الإسرائيلي للفلسطينيين؟

الآراء الواردة في هذه المقالة تعود للمؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لموقع ميدل إيست مونيتور.

شاركها.