في ظل تزايد المخاوف بشأن حرية الصحافة عالميًا، كشفت منظمة “مراسلون بلا حدود” (RSF) عن تقريرها السنوي المروع في التاسع من ديسمبر، والذي وثق مقتل 67 صحفيًا حول العالم خلال العام الماضي. هذا الرقم الصادم، و الذي يمثل تصعيدًا مقلقًا في العنف ضد الصحفيين، يثير تساؤلات جوهرية حول التزام المؤسسات الإعلامية الغربية بقيمها المعلنة. التقرير يركز بشكل خاص على الوضع في الأراضي الفلسطينية، حيث شكلت حصيلة الضحايا نسبة غير مسبوقة من إجمالي القتلى.

حصيلة مروعة: 67 صحفيًا ضحية العنف في عام 2023

التقرير السنوي لمنظمة “مراسلون بلا حدود” يقدم صورة قاتمة للوضع الأمني الذي يواجهه الصحفيون في مناطق الصراع والبلدان التي تعاني من عدم الاستقرار السياسي. لم يكن عام 2023 مجرد عام صعب على الصحافة، بل كان الأكثر دموية منذ بدء المنظمة في توثيق هذه الحصيلة. المنظمة تؤكد أن هذه الأرقام تعكس ليس فقط المخاطر المتزايدة التي يتعرض لها الصحفيون، بل أيضًا الإفلات من العقاب الذي يحيط بجرائم العنف ضدهم.

غزة: بؤرة مأساة الصحفيين

تُظهر البيانات أن قطاع غزة وحده شكل ما يقرب من نصف إجمالي عدد الصحفيين الذين قتلوا في جميع أنحاء العالم. 43% من الصحفيين الذين قضوا في عام 2023 كانوا فلسطينيين، سقطوا ضحايا هجمات إسرائيلية استهدفتهم بشكل مباشر، وهو ما وصفته المنظمة بأنه “غير مسبوق في التاريخ الحديث”. هذا يشير إلى نمط مقلق من الاستهداف المباشر للصحفيين، مما يثير تساؤلات حول احترام القانون الدولي الإنساني وحماية حرية الصحافة في مناطق النزاع.

إسرائيل.. “العدو الأكبر للصحفيين”؟

منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر 2023، وثقت “مراسلون بلا حدود” مقتل ما يقرب من 220 صحفيًا على يد القوات الإسرائيلية. هذا العدد الهائل دفع المنظمة إلى وصف إسرائيل بأنها “العدو الأكبر للصحفيين”، وهو تصريح قوي يعكس خطورة الوضع الذي يواجهه الصحفيون في الأراضي الفلسطينية. المنظمة لم تكتفِ بالإشارة إلى العدد، بل سلطت الضوء على الظروف المحيطة بالوفاة، مؤكدة أن العديد من الصحفيين قتلوا أثناء تغطيتهم للأحداث في مناطق معروفة بوجودهم فيها، مما يشير إلى استهداف متعمد.

ازدواجية المعايير الإعلامية الغربية

على الرغم من فداحة هذه النتائج، إلا أن العديد من وسائل الإعلام الغربية الكبرى، التي تتبنى خطابًا متصاعدًا حول حرية الصحافة وحقوق الإنسان، لم تمنح هذه القضية المساحة الكافية في تغطياتها. التركيز الضئيل على مقتل هذا العدد الكبير من الصحفيين، خاصة وأن الغالبية العظمى منهم فلسطينيون، يثير تساؤلات حول وجود ازدواجية في المعايير. هذا التجاهل الصارخ يقلل من قيمة حياة الصحفيين الفلسطينيين ويساهم في إدامة ثقافة الإفلات من العقاب.

صمت الإعلام الغربي وتأثيره على حرية الصحافة

إن الصمت أو التغطية الهامشية من قبل وسائل الإعلام الغربية الكبرى حول مقتل الصحفيين في غزة يبعث برسائل خطيرة. فهو يقلل من أهمية دور الصحافة في فضح الحقائق وكشف الانتهاكات، ويشجع القوى التي تسعى إلى إسكات الأصوات المستقلة. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا الصمت يساهم في تشويه صورة الصحفيين الفلسطينيين، ويجعلهم يبدون وكأنهم أقل أهمية من نظرائهم الغربيين. هذا الأمر يتناقض بشكل صارخ مع المبادئ الأساسية التي تدعي هذه المؤسسات الإعلامية التمسك بها. كما أن هذا التجاهل يفتح الباب أمام تساؤلات حول تأثير الضغوط السياسية والإعلانية على تغطية الأحداث.

“نيويورك تايمز” واستعادة الضمير المشروط

في مقال ذي صلة، سلطت الضوء على مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” اعترفت فيه بتجاهلها السابق لقصص مقتل الصحفيين الفلسطينيين، واصفة ذلك بأنه “إغفال تاريخي”. المقال، الذي يحمل عنوانًا لافتًا للانتباه (“نيويورك تايمز تكتشف ضميرها عندما لا يكون الصحفي القتيل فلسطينيًا”)، يمثل اعترافًا ضمنيًا بوجود تحيز في التغطية الإعلامية. ومع ذلك، فإن هذا الاعتراف المتأخر لا يغير من حقيقة أن الصحافة الغربية قد فشلت في إعطاء الأولوية لحياة الصحفيين الفلسطينيين الذين سقطوا ضحايا العنف. هذا يثير تساؤلات حول ما إذا كانت “استعادة الضمير” هذه مشروطة بظروف معينة، أم أنها تعكس تحولًا حقيقيًا في طريقة تعامل هذه المؤسسات الإعلامية مع قضايا حقوق الإنسان وحرية الصحافة.

نحو مستقبل أفضل لحرية الصحافة

إن مقتل 67 صحفيًا في عام 2023 هو تذكير مؤلم بأهمية حماية حرية الصحافة في جميع أنحاء العالم. يجب على المجتمع الدولي، بما في ذلك المؤسسات الإعلامية الغربية، أن يتحملوا مسؤوليتهم في محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم، وأن يضمنوا بيئة آمنة للصحفيين لكي يتمكنوا من أداء عملهم دون خوف من التهديد أو الانتقام. يجب أن تكون حماية الصحفيين أولوية قصوى، وأن يتم التعامل مع أي هجوم عليهم على أنه هجوم على حرية التعبير والحق في المعرفة. ندعوكم لمشاركة هذا المقال لزيادة الوعي حول هذا الموضوع الهام، والمطالبة بتحقيق العدالة للصحفيين الذين فقدوا حياتهم في سبيل الحقيقة. كما نشجعكم على متابعة عمل منظمة “مراسلون بلا حدود” ودعم جهودها في الدفاع عن حرية الصحافة في جميع أنحاء العالم.

شاركها.