كان إسماعيل الغول ومصوره رامي الرفاعي يراقبان أفضل ممارسات التغطية الإعلامية في مناطق الصراع، أثناء عودتهما بالسيارة من مهمتهما في اليوم الأخير من شهر يوليو/تموز. وبعد أن قاما بتغطية القضايا التي تواجه النازحين في شمال غزة، كانا يغادران مكان الخطر الأعظم. وكانت السترات الواقية من الرصاص التي تحمل شارة “صحافة” تحمي أجسادهما. وقبل دقائق كانا قد قاما بتحديث الجزيرة غرفة الأخبار مع موقعها.

لم ينقذ أي من هذا حياتهم عندما انفجرت طائرة بدون طيار إسرائيلية في سيارتهم. أدى الانفجار إلى بتر رأس الغول – وهي الصورة التي تم تداولها لاحقًا على وسائل التواصل الاجتماعي. كما توفي الرفاعي وخالد الشوا، وهو صبي كان يمر بالصدفة على دراجة، على الفور.

ومن الغريب أننا نعلم أن عملية القتل كانت متعمدة ــ لأن قوات الدفاع الإسرائيلية اعترفت بذلك.

شاهد هذا المنشور على الانستجرام

تم نشر هذه التدوينة بواسطة Middle East Monitor (@middleeastmonitor)

لقد برر جيش الاحتلال عملية الاغتيال بحجة أن اسم الصحفي يظهر في قائمة “كبار ضباط حماس” الذين أسرهم في وقت سابق من الصراع. وقد نفت عائلة الغول وصاحب عمله ونقابته هذا الادعاء بشدة. كما بدت “الأدلة” الإسرائيلية في حالات مماثلة مشكوك فيها. والواقع أن الغول أمضى وقتاً كافياً “أمام الكاميرات” بحيث أصبحت قدرته خارج مجال الصحافة محدودة.

ولكن من الأهمية بمكان أن نذكر أن جنوداً إسرائيليين اعتقلوه في مارس/آذار واحتجزوه لمدة اثنتي عشرة ساعة قبل أن يطلقوا سراحه دون توجيه أي تهمة إليه. وإذا كانت الأدلة التي تثبت عضويته في حركة حماس تبرر قتله، فلابد وأن تكون هناك أسس كافية لمحاكمته.

إن هذا الاعتراف بالاستهداف يؤكد الكثير من المزاعم التي كانت تدور منذ شهور حول العمليات الإسرائيلية. ونحن نعلم أن إسرائيل تمتلك برنامجاً سرياً ـ بيجاسوس ـ يخترق الهواتف المحمولة ويشاركها في تحديد مواقع مستخدميه، واتصالاتهم، وهويات الأشخاص الذين يلتقون بهم.

ونحن نعلم أن الجيش الإسرائيلي يستخدم برنامجاً يسمى “لافندر” يستخدم الذكاء الاصطناعي لفرز المعلومات الاستخباراتية العملياتية واقتراح أهداف للاغتيال. وهناك أداة أخرى تسمى “الإنجيل” تقوم بتحميل المواقع الجغرافية للأهداف إلى طائرات بدون طيار قاتلة بشكل أسرع كثيراً مما كان ممكناً باستخدام البرمجة اليدوية.

أكثر من 12% من الصحافيين في غزة قُتلوا

وإلى جانب هذه القدرة التكنولوجية، هناك العدد الهائل من الصحافيين الذين قتلوا في غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وتشير التقديرات الأكثر تحفظاً إلى أن عددهم بلغ نحو 120 صحافياً، في حين يعتقد البعض أن عدد الصحافيين الغزيين الذين لقوا حتفهم منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول بلغ 165 صحافياً. وهذا الرقم ضئيل للغاية مقارنة بإجمالي عدد القتلى في غزة، والذي بلغ الآن نحو 40 ألف ضحية. ولكن معدل الوفيات بين الصحافيين هو الذي يلفت الانتباه حقاً. ففي بداية الصراع كان هناك نحو ألف صحافي في غزة ـ والآن فقد أكثر من 12% منهم حياتهم.

إن هذا المعدل غير العادي من القتل، والاستهداف الدقيق الذي اعترفت به قوات الاحتلال الإسرائيلي، يشير إلى استنتاج بسيط وفظيع. ولكن هناك أكثر من ذلك.

منذ بداية الصراع، منعت الحكومة الإسرائيلية المراسلين الدوليين من دخول غزة ـ على الرغم من التماسات المئات منهم للسماح لهم بذلك. كما هددت الحكومة الإسرائيلية بسحب التمويل من الصحف مثل هآرتس، اغلق الجزيرةعملياتها في إسرائيل، وقامت بتعطيل الإنترنت في لحظات مهمة.

ولكن الجيش لا يلتزم بالقانون أيضاً. فعندما حققت الأمم المتحدة في مقتل شيرين أبو عاقلة، خلص تقريرها إلى أن “قوات الأمن الإسرائيلية استخدمت القوة المميتة دون مبرر بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، وانتهكت عمداً أو بتهور حق شيرين أبو عاقلة في الحياة”.

ولكن لماذا يستهدفون الصحافيين بهذه الطريقة؟ التفسير الوحيد المعقول هو أن هذه محاولة للسيطرة على رواية الحرب.

في القانون الدولي، يعتبر الصحافيون مدنيين؛ ويلتزم المقاتلون بضمان سلامتهم. والواقع أن الحملة الدموية التي يشنها الجيش الإسرائيلي تشكل انتهاكاً واضحاً لهذا القانون ـ ولكن ما إذا كانت مؤسسات القانون الدولي سوف تقدم أحداً إلى العدالة لا يزال أمراً غير واضح. ولقد أظهر كريم خان، المدعي العام الرئيسي للمحكمة الجنائية الدولية، شجاعة كبيرة في مايو/أيار عندما أصدر أوامر اعتقال بحق القيادات الإسرائيلية وقيادات حماس. وإذا ما توصل إلى استنتاجات مرضية في هذه القضايا فسوف يثبت أنه واحد من أعظم رجال القانون في عصرنا.

إن العدالة، إذا تحققت، لن تكون عزاءً للغول والرفاعي. ولكنهما تميزا بوقوفهما في وجه أبشع قوة مورست على الصحفيين على الإطلاق، ومواصلتهما العمل كعيون وآذان للعالم. ولا يوجد أي عزاء لهما ـ ولكنهما يستحقان الاحتفال؛ وزملاؤهما، الذين يواصلون هذا العمل، يستحقون دعمنا.

إقرأ: 160 صحفياً قُتلوا منذ بدء العدوان على غزة

الآراء الواردة في هذه المقالة تعود للمؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لموقع ميدل إيست مونيتور.

شاركها.