أثارت إعلان إسرائيل اعترافها الرسمي بإقليم صوماليلاند الانفصالي في الصومال، موجة من الاحتجاجات يوم الأحد، حيث خرجت مظاهرات في عدة مدن للتعبير عن الرفض والاعتراض على هذه الخطوة. وتأتي هذه التطورات في ظل تصاعد التوترات الإقليمية والقلق الدولي بشأن مستقبل المنطقة. يركز هذا المقال على تفاصيل هذه الاحتجاجات، ردود الأفعال الإقليمية والدولية، والخلفيات السياسية التي أدت إلى هذا الاعتراف المثير للجدل.

احتجاجات عارمة ضد اعتراف إسرائيل بصوماليلاند

اندلعت الاحتجاجات في مدينة بوراما، الواقعة على بعد 50 كيلومترًا غرب العاصمة الإقليمية لصوماليلاند، هرجيسا. وشارك في المظاهرات حشود كبيرة من المتظاهرين الذين رفعوا الأعلام الفلسطينية ورددوا هتافات منددة بإسرائيل، مثل “فلسطين حرة، فلسطين حرة”. كما عبر المتظاهرون عن رفضهم لفكرة الانفصال، وهتفوا بشعارات “لا نريد انفصاليين”.

تأتي هذه المظاهرات تعبيرًا عن التضامن مع الشعب الفلسطيني، ورفضًا لأي محاولة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل في ظل استمرار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وتشير إلى عمق المشاعر العربية والإسلامية تجاه القضية الفلسطينية في المنطقة.

اعتراف إسرائيل بصوماليلاند: دوافع وتوقيت

أعلنت إسرائيل يوم الجمعة الماضي اعترافها بصوماليلاند كدولة ذات سيادة، في خطوة تعتبر الأولى من نوعها على مستوى الدول. صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن إسرائيل تسعى إلى التعاون الفوري مع صوماليلاند في مجالات الزراعة والصحة والتكنولوجيا والاقتصاد.

لكن دوافع هذا الاعتراف لا تزال غامضة، ولا يعرف على وجه اليقين ما إذا كانت إسرائيل تتوقع شيئًا في المقابل. تزامن هذا الإعلان مع تقارير إخبارية سابقة تحدثت عن مباحثات بين إسرائيل والولايات المتحدة حول إمكانية قبول صوماليلاند للاجئين الفلسطينيين من قطاع غزة، كجزء من خطة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لإعادة توطين السكان.

لم تتطرق صوماليلاند أو إسرائيل إلى هذه المسألة في بياناتهما الرسمية. ومع ذلك، يرى البعض أن الاعتراف بصوماليلاند قد يكون مرتبطًا بجهود إسرائيل لتوسيع نفوذها في منطقة القرن الأفريقي، والحصول على موطئ قدم استراتيجي في المنطقة.

ردود الفعل الإقليمية والدولية: رفض واسع النطاق

لاقى اعتراف إسرائيل بصوماليلاند رفضًا واسع النطاق على المستويات الإقليمية والدولية. أعربت الحكومة الصومالية عن غضبها الشديد، واعتبرت الاعتراف انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي. وأكد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود أن المنطقة الشمالية لا تزال جزءًا لا يتجزأ من الأراضي الصومالية ذات السيادة، وحث المجتمع الدولي على رفض هذا “السابقة الخطيرة”.

كما شهدت العاصمة الصومالية مقديشو مظاهرات حاشدة لدعم الوحدة الوطنية وإدانة الاعتراف. من جانبها، هددت حركة الشباب المسلحة، المتمركزة في الصومال، بتوجيه ضربات لأي تواجد أو مصالح إسرائيلية في صوماليلاند.

إضافة إلى ذلك، أعربت دول أخرى، بما في ذلك السعودية وتركيا وباكستان، عن رفضها لقرار إسرائيل، معتبرة أنه يقوض الأعراف الدولية ويعرض منطقة القرن الأفريقي لخطر عدم الاستقرار. وأكدت وزارة الخارجية المصرية، وهي وسيط رئيسي في الحرب الإسرائيلية على غزة، رفضها للاعتراف ودعمها الكامل لسيادة ووحدة الأراضي الصومالية.

صوماليلاند: تاريخ من السعي للاعتراف

أعلنت صوماليلاند استقلالها عن الصومال في عام 1991، بعد انهيار الحكومة المركزية. ومنذ ذلك الحين، تسعى جاهدة للحصول على اعتراف دولي، لكنها لم تحظَ باعتراف الأمم المتحدة أو أي من الدول الأعضاء فيها حتى الآن.

على الرغم من ذلك، تمكنت صوماليلاند من بناء مؤسسات ديمقراطية مستقرة، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وتحقيق تقدم اقتصادي واجتماعي ملحوظ. وقد بدأ الرئيس الحالي لصوماليلاند، عبد الرحمن محمد عبد اللهي (المعروف أيضًا باسم عبد الرحمن سيرو)، في إعطاء أولوية قصوى لقضية الاعتراف منذ توليه منصبه العام الماضي.

تداعيات محتملة وتحديات مستقبلية

يثير اعتراف إسرائيل بصوماليلاند مخاوف بشأن التداعيات المحتملة على الاستقرار الإقليمي. فقد يؤدي إلى تصعيد التوترات بين الصومال وإسرائيل، وإلى تدخل دولي في المنطقة. كما أن تهديدات حركة الشباب بتوجيه ضربات لإسرائيل قد يزيد من خطر العنف وعدم الاستقرار.

بالإضافة إلى ذلك، قد يشجع هذا الاعتراف حركات انفصالية أخرى في المنطقة على السعي للاستقلال، مما قد يؤدي إلى تفكك الدول القائمة وزيادة الصراعات.

صوماليلاند تواجه تحديًا كبيرًا في التعامل مع هذه التطورات، والحفاظ على علاقاتها مع الدول الأخرى في المنطقة والعالم. ويتطلب ذلك حكمة ودبلوماسية، والعمل على طمأنة جميع الأطراف المعنية بأنها ملتزمة بالحفاظ على السلام والاستقرار الإقليمي.

في الختام، يمثل اعتراف إسرائيل بصوماليلاند تطورًا معقدًا له تداعيات بعيدة المدى. ويتطلب الأمر متابعة دقيقة وتحليلًا معمقًا لفهم جميع جوانبه، والعمل على احتواء أي مخاطر محتملة. نأمل أن يتمكن المجتمع الدولي من التوصل إلى حل سلمي لهذه القضية، يحافظ على وحدة الأراضي الصومالية، ويضمن الاستقرار الإقليمي.

شاركها.