إن الهجوم الإسرائيلي الأخير على مستشفى كمال عدوان، وهو المستشفى الوحيد الذي يعمل جزئيا في شمال غزة، كان آخر مرحلة من تجاهل إسرائيل الصارخ للقانون الإنساني الدولي وحرمة المرافق الطبية. وقد سلط هذا العمل الجريء الضوء على الإفلات المثير للقلق من العقاب الذي تتمتع به إسرائيل في حرب الإبادة الجماعية في غزة، كما أنه يزيد من تفاقم معاناة الفلسطينيين في القطاع.
في مهاجمتها كمال عدوان، لجأت إسرائيل إلى نفس الأكاذيب الفاضحة التي استخدمت لتبرير هجومها على مستشفى الشفاء في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، والتي زعمت أن حماس تدير مركز قيادة أسفل المستشفى. وقد تم استخدام هذا التلفيق منذ فترة طويلة كذريعة لاستهداف المرافق الطبية في جميع أنحاء غزة. وخلال مداهمتها لمشفى الشفاء، لم تجد القوات الإسرائيلية أي دليل على وجود عسكري، لكنها شرعت في تدمير المستشفى على أية حال.
وأفاد شهود عيان أن قوات الاحتلال اقتحمت المستشفى بحجة البحث عن أفراد يُزعم أنهم على صلة بفصائل المقاومة. وتم إخراج موظفي المستشفى بالقوة من مواقعهم، وترك العديد من المرضى، بمن فيهم الأطفال، دون رعاية خلال المداهمة. وواجه المرضى والعاملون الطبيون الترهيب الشديد والاعتقال، وتعطلت الرعاية الحرجة عندما قام الجنود بتمشيط العنابر وغرف العمليات. ثم أشعلوا النار في المستشفى بعد فشلهم في الكشف عن البنية التحتية العسكرية المزعومة.
وبعد يومين من إشعال النيران في مستشفى كمال عدوان، صعّدت إسرائيل هجماتها على البنية التحتية الطبية في غزة، مما أدى إلى مقتل سبعة مدنيين في غارة على مستشفى الوفاء في مدينة غزة وقصف المستشفى الأهلي المعمداني المجاور. وعلى الرغم من الأدلة المتزايدة التي تدحض ادعاءاتها، كررت إسرائيل، دون منازع، نفس التبرير الملفق: حيث زُعم أن مقاتلي المقاومة يعملون داخل المستشفيات. لقد أصبح هذا القالب غير الموثق ذريعة روتينية لاستهداف مرافق الرعاية الصحية، متجاهلاً القوانين الدولية المصممة لحماية المدنيين والمؤسسات الطبية أثناء النزاع.
يقرأ: إسرائيل تدمر نظام الرعاية الصحية في شمال غزة: الصليب الأحمر
تستمر وسائل الإعلام الغربية في نشر المعلومات المضللة التي تقدمها إسرائيل بشأن وجود أهداف عسكرية داخل المرافق الطبية في غزة، دون أدنى شك، على الرغم من وجود سجل موثق جيدًا من عدم الدقة وتاريخ من الأكاذيب التي ينشرها المتحدثون باسم دولة الاحتلال.
تقوض هذه التقارير غير النقدية النزاهة الصحفية وتديم رواية مضللة تمامًا، وغالبًا ما تقلل من أهمية الجرائم الإسرائيلية أو تتجاهلها ببساطة.
ومن خلال حذف السياق الأوسع للاحتلال، وعقدين من الحصار، والقمع الممنهج، تساهم هذه المنصات الإعلامية في تمثيل مشوه للواقع على الأرض. وتقوم وسائل الإعلام الغربية، على وجه الخصوص، بتغطية الفظائع الإسرائيلية بشكل متكرر وكأنها كوارث طبيعية لا مفر منها، وخالية من المساءلة الإنسانية أو التعاطف. ولا يؤدي هذا النهج إلى محو القوة التي تقف وراء هذه المآسي فحسب، بل يجرد الفلسطينيين من إنسانيتهم ويحولهم إلى مجرد إحصائيات.
إن الفشل في إجراء فحص شامل للأكاذيب الإسرائيلية المتكررة وتحديها يعكس انحيازاً صارخاً في الصحافة الغربية. ومن خلال منح وزن غير متناسب لوجهات النظر الإسرائيلية مع تهميش الأصوات الفلسطينية، تعمل هذه المنافذ على إدامة الصور النمطية وتعزيز العنصرية المنهجية. إن هذه التقارير الأحادية الجانب عن غزة عن بعد تقوض مبادئ النزاهة الصحفية وتؤجج اللامبالاة العالمية بمحنة المدنيين. إن الافتقار إلى المساءلة عن مثل هذه التغطية المتحيزة يسلط الضوء على الحاجة إلى نهج أكثر إنصافًا وصدقًا من خلال تقديم التقارير مباشرة من داخل منطقة الحرب.
لم تكن مداهمة مستشفى كمال عدوان حادثة معزولة؛ لقد كان مظهرًا لسياسة عسكرية أوسع تهدف إلى إلحاق أقصى قدر من الألم بشعب غزة. ومع حرمانهم بالفعل من الغذاء والماء والكهرباء والإمدادات الطبية الكافية بسبب الحصار الإسرائيلي، فإن توقيت الغارة على المستشفى الوحيد الذي يعمل جزئياً في شمال غزة، كان رمزاً لاستراتيجية منهجية لجعل المنطقة غير صالحة للسكن.
إن الرد الفاتر من جانب المجتمع الدولي على مثل هذه الانتهاكات الصارخة قد شجع إسرائيل على التصرف مع الإفلات من العقاب.
وعلى الرغم من الأدلة الواضحة على ارتكاب جرائم حرب، إلا أن المساءلة لا تزال بعيدة المنال. إن عدم اتخاذ إجراءات ذات معنى من جانب القوى والمؤسسات العالمية يقوض مصداقية القانون الدولي ويعطي إشارة لإسرائيل بأنها قادرة على التهرب من أي وجميع العواقب المترتبة على أفعالها.
يتم الاعتراف بالمستشفيات، بما في ذلك المستشفيات العسكرية، كمساحات محايدة بموجب القانون الدولي، ومحمية من العدوان العسكري لضمان توفير الرعاية الحرجة دون انقطاع في أوقات الحرب. يقع على عاتق الأمم المتحدة التزام أخلاقي وقانوني بدعم وتنفيذ المادة 18 من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر صراحة الهجمات على المرافق الطبية. وأي شيء أقل من ذلك سيكون بمثابة خيانة للمبادئ التي يقوم عليها القانون الإنساني الدولي وفشل في وقف جرائم الحرب.
إن حرب الإبادة الجماعية في غزة ليست مجرد قضية إقليمية؛ إنه اختبار أخلاقي للمجتمع العالمي. إن كل قنبلة تسقط، وكل منزل يدمر، وكل شخص يقتل في غزة هو وصمة عار على ضمير الإنسانية. ويجب على المجتمع الدولي أن يواجه هذه الإبادة الجماعية بالسرعة التي تتطلبها وبحلها. إن التقاعس عن التحرك لا يعرض سكان غزة لمزيد من المعاناة فحسب، بل إنه يؤدي أيضاً إلى تآكل أسس القانون الدولي واللياقة الإنسانية.
يقرأ: المقرر الخاص للأمم المتحدة يدعو إلى مقاطعة طبية عالمية لإسرائيل
لقد كانت استجابة المجتمع الدولي للإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة غير كافية على الإطلاق. وبينما تصدر بعض الدول إدانات فاترة، فإن دولًا أخرى، مثل الولايات المتحدة، تقدم دعمًا ثابتًا لإسرائيل “لإنهاء المهمة”. ويكشف هذا المعيار المزدوج نفاق الولايات المتحدة والقوى الغربية التي تدافع ظاهرياً عن حقوق الإنسان والقانون الدولي في سياقات أخرى، بينما تغض الطرف عن الظلم في فلسطين التي تحتلها إسرائيل.
كما تكشف الهجمات الإسرائيلية على المرافق الطبية عن نية متعمدة لإجبار السكان على التطهير العرقي “الطوعي” القسري. إن استهداف المستشفيات وتدميرها لاحقاً ليس عشوائياً. إنه جزء من نمط أوسع وممنهج من العنف العسكري ضد جميع جوانب الحياة المدنية في غزة. ويشمل ذلك المستشفيات والمدارس والملاجئ والمراكز الدينية والبنية التحتية الزراعية وآبار المياه والمخابز وشبكات توزيع المساعدات الإنسانية. وتهدف هذه الاعتداءات المدروسة إلى تفكيك أسس الحياة اليومية، وتفاقم الأزمة الإنسانية، وتجريد السكان حتى من أبسط سبل البقاء على قيد الحياة.
إن صمت المجتمع الدولي الواضح وفشله في مساءلة إسرائيل قد شجع على مثل هذه الأفعال، مما خلق بيئة يسود فيها الإفلات من العقاب. ومن خلال استهداف المستشفيات – شرايين الحياة الأساسية في أي مجتمع، ناهيك عن أي مجتمع تحت الحصار – لا تؤدي إسرائيل إلى تعميق الأزمة الإنسانية فحسب، بل تبعث أيضا برسالة تقشعر لها الأبدان: لا يوجد مكان محظور، ولا حتى تلك المخصصة لإنقاذ الأرواح.
ولا يمكن تجاهل جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة.
ويجب على العالم أن يستجيب. ليس بالعبارات المبتذلة أو بالإيماءات الفارغة، ولكن بإجراءات ملموسة لضمان محاسبة المسؤولين عن هذه الإبادة الجماعية المستمرة.
رأي: لا يوجد علاج لمرض إسرائيل العضال لأنه يدمر القطاع الصحي في غزة
الآراء الواردة في هذا المقال مملوكة للمؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لميدل إيست مونيتور.