تونس تشهد تصاعدًا في الأزمة السياسية والاقتصادية مع دعم متزايد للرئيس قيس سعيد

شهدت العاصمة التونسية يوم الأربعاء 17 ديسمبر 2024 مظاهرات حاشدة مؤيدة للرئيس قيس سعيد، وذلك في ظل تصاعد الاحتجاجات الشعبية في الأسابيع الأخيرة، والتي تعكس انقسامات سياسية متزايدة. وتأتي هذه التطورات في خضم أزمة اقتصادية حادة تعاني منها البلاد، تتميز بارتفاع معدلات التضخم ونقص بعض السلع الأساسية وتدهور الخدمات العمومية، مما أثار غضبًا شعبيًا واسعًا. الوضع الحالي يثير تساؤلات حول مستقبل الوضع السياسي في تونس ومسار الإصلاحات.

دعم شعبي للرئيس قيس سعيد وتصاعد الخطاب المعارض

تجمع أنصار الرئيس قيس سعيد في وسط العاصمة حاملين الأعلام الوطنية ومرددين الهتافات الداعمة له، معبرين عن ثقتهم في قدرته على مواجهة الفساد والنخب السياسية المتجذرة. اتهم المتظاهرون المعارضين بالسعي لزعزعة استقرار البلاد ووصفوهم بـ “الخونة”. هتافات مثل “الشعب يريد سعيد مرة أخرى” و “ندعم القيادة والسيادة” كانت تردد بقوة.

صالح الغيلوفي، أحد المتظاهرين، صرح قائلاً: “نحن هنا لإنقاذ تونس من الخونة وأذناب الاستعمار”. هذا التصريح يعكس حالة الاستقطاب الحادة التي تشهدها تونس، حيث يرى أنصار الرئيس في خطواته محاولة لتطهير البلاد من الفاسدين والموالين للقوى الخارجية.

تصعيد الإجراءات ضد المعارضة واتهامات بالقمع

في المقابل، يرى منتقدو الرئيس سعيد أن الاعتقالات المتزايدة لقادة المعارضة ونشطاء المجتمع المدني والصحفيين تشكل تصعيدًا خطيرًا في وتيرة القمع السياسي. ويؤكدون أن هذه الإجراءات تهدف إلى إسكات أي صوت ينتقد سياساته، وتعتبر بمثابة تراجع غير مسبوق عن المكتسبات الديمقراطية التي تحققت بعد الثورة.

من جهته، يرفض الرئيس سعيد هذه الاتهامات، مؤكدًا أنه يعمل على تطهير البلاد من “الخونة” و”النخب الفاسدة”. ويعتبر أن الإجراءات التي يتخذها ضرورية لحماية الدولة وضمان استقرارها.

أحكام بالسجن على معارضي الرئيس

في سياق متصل، أصدرت محكمة تونسية الأسبوع الماضي حكمًا بالسجن لمدة 12 عامًا على أبرز شخصيات المعارضة، عبير موسي، في قرار اعتبره المنتقدون خطوة أخرى نحو ترسيخ حكم الرجل الواحد. كما أصدرت محكمة استئناف الشهر الماضي أحكامًا بالسجن تصل إلى 45 عامًا على العشرات من قادة المعارضة ورجال الأعمال والمحامين بتهمة التآمر للإطاحة بالرئيس سعيد.

الأزمة الاقتصادية وتأثيرها على المشهد السياسي

لا يمكن النظر إلى الاحتجاجات في تونس بمعزل عن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها البلاد. فارتفاع معدلات التضخم ونقص بعض السلع الأساسية وتدهور الخدمات العمومية قد أثار غضبًا شعبيًا واسعًا، وأدى إلى تصاعد المطالبات بالتغيير.

الوضع الاقتصادي الصعب يفاقم الانقسامات السياسية، حيث يتهم المعارضون الرئيس سعيد بإدارة سيئة للاقتصاد وعدم قدرته على إيجاد حلول للأزمة. بينما يرى أنصاره أنه يحتاج إلى مزيد من الوقت والسلطة لتنفيذ الإصلاحات اللازمة.

دعوات للإضراب العام وتخوفات من مزيد من التصعيد

في ظل هذا الوضع المتأزم، دعت الاتحاد العام التونسي للشغل (UGTT) إلى إضراب عام على مستوى البلاد في الشهر المقبل. ويأتي هذا الإضراب في إطار تصاعد الضغوط على الحكومة لاتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية.

هناك تخوفات متزايدة من أن يؤدي هذا التصعيد إلى مزيد من الاضطرابات السياسية والاجتماعية في تونس. ويخشى مراقبون من أن تتدهور الأوضاع أكثر إذا لم يتم التوصل إلى حلول سياسية واقتصادية شاملة. الوضع الاقتصادي في تونس يتطلب حلولًا جذرية وشفافية في التعامل مع الملفات الحساسة.

تداعيات دولية ومخاوف بشأن المسار الديمقراطي

لم تقتصر تداعيات الأزمة التونسية على الداخل فحسب، بل امتدت لتشمل الساحة الدولية. فقد أعرب العديد من الشركاء الدوليين عن قلقهم بشأن تراجع المسار الديمقراطي في تونس، وحثوا الرئيس سعيد على احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية.

انتُخب الرئيس سعيد في عام 2019 بأغلبية ساحقة، لكن تركيزه للسلطة أثار إنذارًا لدى المعارضين المحليين والشركاء الدوليين، الذين يحذرون من أن تونس تنحرف عن الحكم الديمقراطي. المجتمع الدولي يراقب عن كثب التطورات السياسية في تونس ويحث على الحوار الشامل.

في الختام، يواجه الوضع في تونس تحديات كبيرة على الصعيدين السياسي والاقتصادي. يتطلب تجاوز هذه التحديات حوارًا وطنيًا شاملًا يجمع جميع الأطراف، وإيجاد حلول جذرية للأزمة الاقتصادية، واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية. من الضروري أن تتجه تونس نحو تعزيز الديمقراطية وسيادة القانون، لضمان مستقبل أفضل لشعبها. نأمل أن تشهد تونس استقرارًا سياسيًا وازدهارًا اقتصاديًا في القريب العاجل.

شاركها.