وفي كشف جديد من شأنه أن يقوض بشكل أكبر ادعاء إسرائيل بأنها تمتلك “الجيش الأكثر أخلاقية” في العالم، تعرضت القوات المسلحة الإسرائيلية لانتقادات شديدة من حكومة توني بلير باعتبارها “غير متحضرة” خلال توغل عسكري كبير في الضفة الغربية المحتلة في عام 2002، وفقا لملفات رسمية صدرت حديثا من الأرشيف الوطني.
وتكشف الوثائق عن الإحباط المتزايد الذي يشعر به حلفاء الغرب إزاء ارتفاع حصيلة القتلى الفلسطينيين مع محاصرة قوات الدفاع الإسرائيلية لمقر الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات خلال ما أطلق عليه الإسرائيليون عملية الدرع الواقي.
وفي اجتماع متوتر عقده السفير البريطاني شيرارد كوبر كولز مع مستشار السياسة الخارجية الإسرائيلي داني أيالون، حذر من أن الهجوم كان “خطأ استراتيجيا كبيرا” يقوض الدعم لإسرائيل بين حلفائها. ونقل عن كوبر كولز قوله: “إذا كانت بعض التقارير التي تلقيناها موثوقة، فإن سلوك جيش الدفاع الإسرائيلي كان أكثر جدارة بالجيش الروسي من سلوك دولة متحضرة من المفترض”.
اقرأ: دعاية جيش الدفاع الإسرائيلي لم تعد لها أي وزن
ووصف السفير الجنود الإسرائيليين بأنهم “خارجون عن السيطرة ويرتكبون أفعالاً تثير غضب الرأي العام الدولي”. واستشهد بمثال لجنود إسرائيليين يبثون مقاطع فيديو إباحية على التلفزيون الفلسطيني، مع علمهم بأن ذلك من شأنه أن يسيء إلى المسلمين المتدينين.
وتكتسب هذه الاكتشافات أهمية إضافية في ضوء الهجوم العسكري الإسرائيلي الحالي على غزة، حيث تخضع للتحقيق من جانب محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب إبادة جماعية. ويعكس وصف القوات الإسرائيلية بأنها “خارجة عن السيطرة” وتمارس سلوكاً لا يليق ببلد متحضر الانتقادات الحالية لأفعال إسرائيل في غزة. فقد قتلت إسرائيل أكثر من أربعين ألف فلسطيني منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وكانت الأغلبية الساحقة منهم من النساء والأطفال.
كما ورد أن الرئيس الأميركي جورج بوش أعرب عن إحباطه من تصرفات إسرائيل في مكالمة خاصة مع بلير. فقد اشتكى بوش قائلاً: “إن الإسرائيليين كانوا يحاولون خوض حرب القرن الحادي والعشرين بتقنيات القرن العشرين. إن إرسال الدبابات إلى الأزقة كان ببساطة كارثة علاقات عامة”.
لقد استخدمت إسرائيل الدبابات في الهجوم الأخير، والذي أدى إلى تدمير أو إتلاف حوالي 62% من جميع المنازل في غزة، ونزوح ما يقرب من 2.2 مليون نسمة من سكان القطاع المحاصر. كما تم استهداف المدارس والمستشفيات وملاجئ اللاجئين في ما يصفه الكثيرون بأنه حرب إبادة.
ولقد قدم ضابط بريطاني راقب عمليات جيش الدفاع الإسرائيلي في الأراضي المحتلة قبل عملية الدرع الواقي تقييماً لاذعاً للجيش الإسرائيلي، حيث وصفه بأنه “قوة من الدرجة الثانية، تفتقر إلى الانضباط، ومتغطرسة، ومتسلطة”. وأشار إلى أن “الجيش الإسرائيلي يستخدم القوة المفرطة بشكل روتيني، مثل إطلاق النار على “أرجل” راشقي الحجارة أو على “إطارات السيارات”، مع التدفق المستمر لسيارات الإسعاف التي تنقل الشباب إلى المستشفى وهم مصابون بجروح قاتلة من الرصاص في الرأس والجسم”.
إن التوترات التي تصفها هذه الوثائق تحمل أوجه تشابه مخيفة مع المخاوف الغربية الحالية بشأن العمليات الإسرائيلية في قطاع غزة. إن الانتقادات التي وجهت إلى السلوك العسكري الإسرائيلي في عام 2002، والتي جاءت من حكومة يُنظَر إليها عادة باعتبارها داعمة لإسرائيل، تؤكد على الطبيعة القديمة للمخاوف بشأن تكتيكات الجيش الإسرائيلي وتأثيرها على السكان المدنيين.
وبينما تواجه إسرائيل التدقيق الدولي بسبب أفعالها الحالية في غزة، توفر هذه الوثائق التاريخية سياقاً صادماً، مما يشير إلى أن الانتقادات الموجهة إلى السلوك العسكري الإسرائيلي ليست جديدة، بل هي جزء من نمط استمر لعقود من الزمن، مما يشكل تحدياً لتصوير إسرائيل لنفسها كقوة لا مثيل لها في ضبط النفس الأخلاقي في الحرب.
اقرأ: ذكرى ياسر عرفات