بعد انتشار خبر عاجل عن اشتباك بين الجيش المصري وقوة من جيش الاحتلال على معبر رفح الحدودي، تضاربت تفاصيل الخبر. الرواية الصحفية المصرية – لأنه حتى كتابة هذا المقال لم تصدر رواية رسمية – أكدت وقوع حادث إطلاق نار على الحدود؛ ثم نقلت عن الجيشين المصري والإسرائيلي تأكيدهما وقوع الحادث، واصفين إياه بالنادر. ونقلت الصحف عن المتحدث العسكري المصري قوله إن الجيش سيجري تحقيقات في الحادث، خاصة بعد استشهاد عنصرين من الجيش المصري أحدهما برتبة ملازم، بحسب بعض الروايات التي ذكرت اسمه.
أما الرواية الإسرائيلية فكان همها الرئيسي في هذه الحادثة هو التأكد من عدم وقوع إصابات في صفوف جنودها، لكنها أكدت مقتل أحد أفراد الجيش المصري. وذكرت أن الجيش المصري يجري تحقيقات في الحادث، لكنها اعتمدت رواية أن الجيش المصري هو الذي بدأ إطلاق النار على مقاتلي الجيش الإسرائيلي الذين هم جزء من قوة مدرعة من اللواء 401. وأضافت أن جنود القوة أطلقوا طلقات تحذيرية قبل أن يشتبكوا مع مصدر إطلاق النار – في إشارة إلى الجنود المصريين – وأن الجهات الإسرائيلية المختصة تتواصل مع الجانب المصري لمعرفة أسباب ما حدث. وقد قيل كل ذلك قبل أن يزيل الجيش الإسرائيلي أي خبر يتعلق بالحادثة.
رأي: كيف أصبح أسطول الحرية مهمة إنسانية عالمية إلى غزة؟
وبسبب التباين في الروايات، تُركت السيناريوهات مفتوحة؛ فلكل رواية سيناريو، ولكل سيناريو قراءة وتحليل. وإذا أخذنا الرواية المصرية التي اقتصرت على تأكيد مقتل أحد عناصر قوات حماية العبور ومن ثم تأكيد مقتل عنصر آخر، نجد أن الرواية غامضة ولا تدخل في التفاصيل أو تذكر من أطلق الرصاص. أولاً. وهنا نحن أمام احتمالين؛ الأول أن الحادث كان حادثاً عرضياً، وكان بدافع شخصي من «الضابط»، فالضابط هو من أمر الجنود بإطلاق النار، إما بسبب خرق الإسرائيليين للملاحق الأمنية لاتفاقية السلام، أو انتقاماً. دماء أشقائه الفلسطينيين. والاحتمال الثاني، وهو الأرجح، في ظل الانضباط العسكري للجيش المصري، هو أن الضابط قد أُمر بإطلاق النار، والقراءة في ذلك تذهب في اتجاه مختلف.
ولو كان الضابط قد أُمر بإطلاق النار، لربما كان الحادث بمثابة قنبلة دخان للتغطية على “فضيحة” ضابط المخابرات المصرية المكلف بالتوسط في مفاوضات بين المقاومة والاحتلال لتغيير بنود الاتفاق الأخير، مما أدى إلى عودة الحرب بقوة بين المقاومة والاحتلال بعد أن كانت على وشك التوصل إلى حل. وبالطبع نفت القاهرة ما نقلته الصحف الغربية في هذا الشأن، لكنه كان نفيًا بروتوكوليًا مفهومًا. ولم تكن الحادثة مفهومة ولها جوانب مختلفة. وقد تناولته جميع الأطراف، بما في ذلك الجانب الإسرائيلي، وأدانه الجانب الأمريكي. وربما كان إطلاق النار من الجانب المصري متعمداً، لتظهر القاهرة كمدافع عن الحقوق الفلسطينية، ولتغير مواقفها تجاه الأزمة.
وربما يكون الحادث «مدبراً» لتجنيب القاهرة الإحراج، من خلال نشر القوات الدولية المتعددة الجنسيات الموجودة في سيناء، والتي تعمل على مراقبة تنفيذ الاتفاقات الأمنية والحفاظ على الهدوء على الجانبين المصري والإسرائيلي من الحدود. وفي مثل هذه الحوادث، من المتوقع أن تلعب القوة الدولية دوراً في مراقبة الوضع والتحقق من الالتزام بالاتفاقيات الدولية. نظرياً على الأقل، تقوم هذه القوة بمراقبة الوضع ورفع التقارير إلى الأطراف المعنية، وتعمل على منع التصعيد بين الجانبين، ما يعني أنها تستطيع نشر أفرادها على طول الحدود، بل ويمكنها أن تطلب تزويدها بمزيد من العناصر. . ومن ثم، يتم استبعاد القاهرة من معادلة عملية رفح، سواء على مستوى المجازر أو التهجير المحتمل.
وإذا قبلنا الرواية الإسرائيلية وقرأنا الوضع فيها نجد أن الحادثة وقعت بعد ساعات من إعلانها هيئة الإذاعة الإسرائيلية وأن تل أبيب قدمت للوسطاء عرضين للمضي قدماً في المناقشات حول صفقة تبادل الأسرى. وإذا كان هذا الإعلان والحديث عن صفقة جديدة محاولة لصرف الأنظار عن نتنياهو بسبب المجازر التي ترتكبها إسرائيل، فإن حادثة رفح يمكن اعتبارها الترياق الذي سيشفي نتنياهو من سم هذه المفاوضات التي يراها. باعتبارها قاتلة لمستقبله السياسي. وهذا ما أكده زعيم المعارضة في الاحتلال يائير لابيد، الذي قال إن نتنياهو يطيل الحرب من أجل إطالة عمره وعمر حكومته.
الجميع سيستفيد من هذه الحادثة، باستثناء الفلسطينيين. ستتصدر الحادثة كل الأخبار لمدة يوم أو يومين، قد يحدث خلالها شيء ما، لكن في ظل كل هذه الألاعيب الاستخباراتية، فإن المقاومة تعرف طريقها جيداً، وتعرف ما يحدث على المستوى العسكري. وقصف تل أبيب دليل كاف، وعلى المستوى السياسي، إذ يواصل إصراره على مبدأي إعادة النازحين وانسحاب المعتدين.
رأي: هناك حاجة إلى خطوات ملموسة إذا أردنا احترام القانون الدولي وإنفاذه
ظهر هذا المقال باللغة العربية في عربي21 في 28 مايو 2024.
الآراء الواردة في هذا المقال مملوكة للمؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لميدل إيست مونيتور.