إن الموقف الأوروبي من قضية فلسطين، وخاصة في سياق الحرب الدائرة في غزة، يتسم بطبيعة معقدة ومتناقضة في كثير من الأحيان بين مختلف الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ومؤسساته، بما في ذلك المفوضية الأوروبية والاتحاد الأوروبي والمجلس الأوروبي. تاريخيا، دعم الاتحاد الأوروبي حل الدولتين، ودعا إلى إنشاء دولة فلسطينية على أساس حدود عام 1967 الاسمية. ووصفت بيانات وسياسات الاتحاد الأوروبي المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية باستمرار بأنها غير قانونية بموجب القانون الدولي وأكدت على ضرورة اتخاذ القرارات الدبلوماسية واحترام حقوق الإنسان.
ولكن التطورات الأخيرة أبرزت التحول عن هذا الخطاب القائم على القيم الثابتة. فلم يتضمن نهج الاتحاد الأوروبي في التعامل مع الصراع الأخير دعوات لوقف إطلاق النار الفوري أو إنهاء معاناة الفلسطينيين. ويشير غياب الإدانة بشأن الهجمات الإسرائيلية وعنف المستوطنين في الضفة الغربية إلى انحراف عن المواقف السابقة وتوافق ملحوظ مع دعم الإدارة الأميركية الواضح لإسرائيل.
يعكس هذا التباين الانقسام الداخلي داخل الاتحاد الأوروبي بشأن القضية الإسرائيلية الفلسطينية.
في حين تحافظ المؤسسات الأوروبية على التزامها الرسمي بالتفاوض والحلول السلمية، فقد أظهرت المواقف الفردية للدول الأعضاء تبايناً كبيراً. فقد اتخذت بعض دول الاتحاد الأوروبي خطوات جريئة، مثل الاعتراف رسمياً بدولة فلسطين أو إدانة الإجراءات الإسرائيلية. على سبيل المثال، اعترفت أيرلندا وإسبانيا والنرويج وسلوفينيا بدولة فلسطين على مدى الأشهر القليلة الماضية، مما يمثل تحولاً كبيراً في الدبلوماسية الأوروبية.
وتشير هذه التحركات إلى انقسام متزايد في موقف الاتحاد الأوروبي المؤيد لإسرائيل تقليديا، وتمثل انحرافا عن دعمه التاريخي لدولة الاحتلال، مما يعكس تحولا أوسع نطاقا نحو موقف أكثر توازنا. ويتجلى هذا التحول أيضا في الاحتجاجات الواسعة النطاق في مختلف البلدان الأوروبية التي تدين السياسات الإسرائيلية وتعرب عن التضامن مع الشعب الفلسطيني.
آلاف الأشخاص يشاركون في احتجاج كبير مؤيد للفلسطينيين، حيث يسافر الحاضرون من مختلف أنحاء أيرلندا للانضمام إلى الحدث في العاصمة دبلن، أيرلندا في 18 مايو 2024. (مصطفى درويش – وكالة الأناضول)
لقد تضمنت الاستجابة الأوروبية للعنف المستمر في غزة خطوات دبلوماسية ملموسة تشير إلى تحول صغير ولكن ملحوظ نحو دعم أكثر صراحة لحقوق الفلسطينيين. وهذا جزء من اتجاه أوسع نطاقاً حيث أصبحت بعض الدول الأوروبية أكثر صراحة في انتقادها للسياسات والإجراءات الإسرائيلية.
يقرأ: تقرير: مقتل وإصابة ما لا يقل عن 10 آلاف جندي إسرائيلي في غزة
ومن المرجح أن يستمر الاتجاه نحو الاعتراف بفلسطين؛ وقد أشارت مالطا بالفعل إلى نيتها في اتباع نفس النهج. وإذا استمر هذا الاتجاه، فمن المتوقع أن تعترف 13 دولة من الدول الأعضاء السبع والعشرين في الاتحاد الأوروبي رسميًا بفلسطين في المستقبل القريب. وهذا من شأنه أن يمثل مكسبًا كبيرًا لفلسطين وقضيتها على الساحة الدولية، نظرًا لأن العدد الإجمالي للدول التي تعترف بفلسطين يبلغ الآن 146 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة.
إن هذا التحول في السياسة الأوروبية لا ينبع فقط من الأحداث في غزة، بل وأيضاً من رغبة دولية أوسع نطاقاً في محاسبة إسرائيل على انتهاكاتها المزعومة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب. وفي هذا السياق، تعكس تصريحات رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز بأن “رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليس لديه خطة سلام لفلسطين” إحباطاً أوروبياً متزايداً من سياسات إسرائيل الحالية ورغبة في اتباع نهج أكثر جوهرية وفعالية في التعامل مع الصراع.
ورغم هذه التطورات الإيجابية، فإن الموقف الأوروبي يظل متعدد الأوجه ويواجه تحديات كبيرة.
إن الانقسامات الداخلية بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والديناميكيات السياسية المعقدة داخل أوروبا تساهم في تبني نهج مجزأ تجاه إسرائيل وفلسطين. ففي حين تسعى بعض الدول إلى تعزيز الدعم لحقوق الفلسطينيين، تظل دول أخرى حذرة أو داعمة لإسرائيل، وهو ما يعكس الاعتبارات الجيوسياسية والاستراتيجية الأوسع التي تؤثر على السياسة الخارجية الأوروبية.
إن احتمالات اندلاع أزمات متتالية في العلاقات بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي مرتفعة، خاصة وأن الحكومة الإسرائيلية تستعد لاتخاذ إجراءات دبلوماسية عقابية ضد الدول التي تعترف بفلسطين. ومن شأن هذا الرد من جانب إسرائيل أن يزيد من تعقيد المشهد الدبلوماسي، مما يؤدي إلى استمرار التوترات بين إسرائيل والدول الأوروبية.
يعكس هذا الموقف المتطور تفاعلاً معقداً بين المبادئ القائمة على القيم والاعتبارات السياسية البراجماتية، مما يسلط الضوء على التحديات التي تواجهها أوروبا في الموازنة بين دعمها التاريخي لإسرائيل والضغوط الدولية المتزايدة لمعالجة الحقوق والمظالم الفلسطينية. وبينما تتنقل أوروبا عبر هذه الديناميكيات المتغيرة، فإن التأثير على علاقاتها مع إسرائيل ودورها في الساحة الدبلوماسية الدولية سيكون موضع مراقبة عن كثب. وتُظهِر التعديلات الجارية في السياسة الأوروبية تجاه فلسطين التزاماً بإعادة تقييم وإعادة تنظيم نهجها تجاه أحد أكثر الصراعات ديمومة وإثارة للجدل في العلاقات الدولية.
رأي: كمال هاريس والتتويج بالورق المعجن
الآراء الواردة في هذه المقالة تعود للمؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لموقع ميدل إيست مونيتور.