لقد مضت تسعة أشهر منذ بدء الحرب الإسرائيلية الشرسة على الفلسطينيين في غزة، وما زالت عمليات قتل المدنيين الفلسطينيين العزل وتدمير منازلهم مستمرة، والعالم يراقبها دون أي جهد جدي لوقفها، ولا حتى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ناهيك عن الولايات المتحدة أو أوروبا، رغم أن قراراً واحداً بموجب المادة السابعة من ميثاق الأمم المتحدة يكفي لإلزام الكيان الصهيوني بوقف الحرب وفرض العقوبات عليه. ولكن هذا لم يحدث، وكأن العالم يستمتع بهذه الحرب الوحشية ولا يريد لها أن تنتهي.

كيف تنتهي هذه الحرب وقد هُزمت دولة الاحتلال الإسرائيلي بشكل أساسي؟ لقد كتب قادتها نهاية القصة في بداية الحرب: هزيمة حركة المقاومة الإسلامية حماس والقضاء عليها بالكامل. هذا ما رسمته لهم خيالاتهم المريضة، وتصوروا أنهم قادرون على تطبيقه على الأرض، لكن هذا لم يحدث ولن يحدث.

ومع ذلك فإن الكيان الصهيوني متعجرف، وحلفاؤه الغربيون يستسلمون لأهوائه ويمنحونه الفرصة تلو الفرصة لتحقيق أهدافه في الحرب.

ولكن الحكومة عاجزة عن تحقيق هذه الأهداف، وليس لديها خطة لإنهاء الحرب سوى البدء بحرب أخرى. ومن المؤسف أن هذا يلقى تشجيعاً من الغرب، وحتى من بعض الدول العربية التي أقامت علاقات طبيعية مع دولة الاحتلال، والتي تريد أيضاً القضاء على حماس، وبالتالي فهي تمول الحرب من تحت الطاولة.

وفي إحدى المقابلات، أكدت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس: “لقد كنا أنا والرئيس بايدن واضحين: إن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها. وسنظل ثابتين على هذا الاعتقاد”. وأضافت: “لقد قُتل عدد كبير للغاية من الفلسطينيين الأبرياء”. وذكرت القتلى كما لو أنهم لم يقتلوا بقنابل وأسلحة زودتهم بها الولايات المتحدة.

إقرأ: الولايات المتحدة وألمانيا تقودان الغرب في تسليح إسرائيل في حرب غزة

ومن المؤسف أن نسمع مثل هذه التصريحات بعد أن ثبت بشكل قاطع أن هدف الحرب الصهيونية يتعارض مع كل القوانين والقيم الإنسانية والقانونية والسياسية والعسكرية المعترف بها دوليا، ولا يمكن إدراجه ضمن تعريف الدفاع المشروع عن النفس.

وهكذا يبقى مصير غزة مرهوناً بعدد من العوامل وما تخطط له الكيان الصهيوني وحلفاؤها في الغرب والمنطقة لتحقيقه وفرضه كواقع جديد يؤثر على مستقبل وشكل الدولة الفلسطينية التي يريدونها، بل ومستقبل المنطقة برمتها.

لقد أطلق نتنياهو العديد من التهديدات منذ بدء غزوه لقطاع غزة، حيث زعم أنه سيقضي على حماس عسكرياً وسياسياً، وسيأسر قادتها، وسيعيد الرهائن في أقل من 48 ساعة. والآن، بعد تسعة أشهر، يكتفي بالتفاخر بأن معركة رفح ستكون مرحلة حاسمة في الطريق إلى النصر الكامل وإنهاء حكم حماس في قطاع غزة.

ولكن تصريحات القادة العسكريين والمحللين الاستراتيجيين من داخل إسرائيل نفسها تؤكد أن الواقع على الأرض مروع، ومختلف تمام الاختلاف عن تصريحات نتنياهو العنصرية، وأن أياً من أهداف الحرب الإسرائيلية لم يتحقق، الأمر الذي وضع القادة العسكريين والسياسيين الصهاينة في مأزق استراتيجي خطير.

وقال المتحدث باسم قوات الدفاع الإسرائيلية دانييل هاجاري في تصريحات صحفية: “إن هذه الأعمال التي تهدف إلى تدمير حماس وإخفائها هي بمثابة رمي الرمال في عيون الجمهور”. القناة 13“حماس فكرة، حماس حزب. وهي متجذرة في قلوب الناس ـ ومن يتصور أننا قادرون على القضاء على حماس فهو مخطئ”.

قائد اللواء الثاني عشر من الفرقة 252 سيناء هو العقيد ليرون بيتيتيو، ووحدته مكلفة بحماية الحدود مع مصر وتم نشرها في رفح بسبب عدم جاهزيتها القتالية نتيجة الإرهاق والخسائر في صفوف القوات. وكانت تصريحات بيتيتيو غير مسبوقة، حيث أصر على أن تفكيك القدرات العسكرية لحماس في مدينة رفح سيستغرق عامين آخرين على الأقل. وأضاف أن مهمة القضاء على حماس ليست سهلة، وتتطلب وقتا وضغوطا عسكرية كبيرة لأن الحركة تخوض حرب عصابات في رفح من خلال مجموعات مستقلة مما يجعل التعامل معها أكثر صعوبة. كما قال الضابط الإسرائيلي الكبير إن أي شخص يعتقد أن صفارات الإنذار ستتوقف خلال العام المقبل يرمي الرماد في عيون الشعب الإسرائيلي.

وبحسب الجنرال غادي ايزنكوت، الوزير في مجلس الحرب الإسرائيلي، فإن “من يتحدث عن الهزيمة المطلقة (لحماس) لا يقول الحقيقة. والادعاء بأن من الممكن تحرير الرهائن بوسائل أخرى غير التوصل إلى اتفاق هو نشر للأوهام”.

قال الجنرال الإسرائيلي المتقاعد والخبير العسكري يتسحاق بريك إن الجيش غير قادر على القضاء على حماس، وأضاف: “الجيش لا يملك القدرة على الإطاحة بحماس، واستمرار الحرب سيلحق خسائر فادحة بإسرائيل وسيؤدي إلى انهيار الجيش والاحتياط خلال فترة قصيرة، كما سيتسبب في انهيار الاقتصاد وتدهور العلاقات الدولية”.

وحتى وزير الزراعة الإسرائيلي آفي ديختر أوضح الأمر عندما قال: “إن القضاء على قدرة حماس على حكم قطاع غزة لا يزال بعيداً عن التحقيق”.

هذه التصريحات وغيرها الكثير هي تأكيد على هزيمة جيش العدو.

إنها مبررات لفشل الجيش الصهيوني في تحقيق أهداف الحرب بعد تسعة أشهر من القتال العنيف، والذي أدى إلى تدمير كل شيء في قطاع غزة بالكامل، ولكن إسرائيل لم تنجح بعد في القضاء على حماس.

لا شك أن الكيان الصهيوني يعيش مأزقاً استراتيجياً بسبب فشله في تحقيق أهدافه المعلنة، وهذا ما وضع حلفائه في الغرب، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، في موقف صعب، كما أنه يدفع الجميع إلى إعادة تقييم الوضع بحثاً عن مخرج ينقذ الكيان الصهيوني وينهي المأزق الذي خلقه بغطرسته، بدلاً من البحث عن مخرج لإنهاء الحرب لأسباب إنسانية ولصالح أهل غزة.

اقرأ: وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يقول إن الجنود يعانون من الكوابيس والاقتصاد في حالة انهيار

الآراء الواردة في هذه المقالة تعود للمؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لموقع ميدل إيست مونيتور.

شاركها.