في نهاية عام 2025، شهدت الأسواق المالية ظاهرة أثارت حيرة العديد من المستثمرين، يمكن وصفها بـ “المفارقة اليابانية”. تركزت هذه المفارقة حول اليابان وسعيها لكسر قيود عقود من الركود النقدي، والين الياباني الذي تصرف بشكل يتعارض مع المنطق الاقتصادي التقليدي. فبالرغم من رفع أسعار الفائدة، فشل الين في التعزز وبقي ضعيفًا مقابل العملات الرئيسية الأخرى. هل انتهت حقبة أسعار الفائدة المنخفضة للغاية – أم لا؟

الين الياباني والمفارقة الاقتصادية في نهاية 2025

لطالما اتبعت اليابان سياسة نقدية متساهلة للغاية بهدف مكافحة الانكماش. كان من المفترض أن يمثل شهر ديسمبر 2025 نقطة تحول. فقد ظل معدل التضخم في “أرض الشمس المشرقة” فوق هدف بنك اليابان البالغ 2٪ لمدة 44 شهرًا متتاليًا، ليصل إلى 2.9٪ على أساس سنوي في نوفمبر. ومع ذلك، وبعد قرار ديسمبر، ظلت السياسة النقدية داعمة للنمو بقوة. أكد بنك اليابان في بيانه أن أسعار الفائدة الحقيقية ستظل سلبية بشكل كبير وأن الظروف المالية ستستمر في دعم النمو الاقتصادي.

أسعار الفائدة الحقيقية السلبية: مفتاح ضعف الين

تكمن الإجابة على استمرار ضعف الين في هذه الأسعار الحقيقية السلبية. فمع تضخم بنسبة 2.9٪ وسعر الفائدة الاسمي عند 0.75٪، فإن التكلفة الحقيقية للنقود في اليابان تبلغ حوالي -2.15٪. وهذا يعني تآكلًا مستمرًا للقوة الشرائية للودائع النقدية المقومة بالين، مما يثبط المستثمرين عن تجميع العملة اليابانية.

قرار متوقع بالكامل من الأسواق

في 19 ديسمبر 2025، قرر مجلس السياسة النقدية لبنك اليابان بالإجماع رفع سعر الفائدة إلى 0.75٪، وهو أعلى مستوى منذ عام 1995. وعلى الرغم من الأهمية التاريخية لهذا التحرك، إلا أنه لم يفاجئ الأسواق المالية. فقد كان المستثمرون مستعدين تمامًا: فقد قام سوق مقايضة معدل الفائدة الليلي (OIS) بتسعير الزيادة باحتمالية تقارب 100٪ قبل الاجتماع.

ونتيجة لذلك، دخلت آلية السوق الكلاسيكية “اشترِ الشائعة، وبيع الخبر” حيز التنفيذ. قام المستثمرون الذين اتخذوا مواقف لارتفاع قيمة الين قبل القرار بتحقيق الأرباح بمجرد الإعلان، مما أدى إلى ضغوط بيع على العملة بعد ذلك مباشرة. هذا التفاعل عكس التوقعات بشكل كبير، وأثار تساؤلات حول مستقبل السياسة النقدية اليابانية.

رد فعل زوج USD/JPY يتعارض مع التوقعات

في الوقت نفسه، كان انتباه المستثمرين يتركز على الولايات المتحدة. لعدة أشهر، امتنع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عن خفض أسعار الفائدة بسبب مخاوف من أن التضخم قد يتسارع مرة أخرى في ظل السياسات الجمركية التي نفذتها إدارة دونالد ترامب. حافظ الاحتياطي الفيدرالي على سعره القياسي في نطاق 4.25-4.50٪ من ديسمبر 2024 إلى سبتمبر 2025.

تأثير السياسة الأمريكية على الين

أدى هذا التباين في السياسات النقدية بين اليابان والولايات المتحدة إلى تفاقم ضعف الين. ففي حين أن رفع سعر الفائدة في اليابان كان متوقعًا، إلا أن استمرار الاحتياطي الفيدرالي في الحفاظ على أسعار فائدة مرتفعة عزز جاذبية الدولار الأمريكي. بالإضافة إلى ذلك، أدت المخاوف بشأن السياسات التجارية الأمريكية إلى زيادة الطلب على الدولار كملاذ آمن، مما زاد من الضغط على الين.

مستقبل الين الياباني: تحديات وفرص

إن ضعف الين يمثل تحديًا لليابان، حيث يزيد من تكلفة الواردات ويؤثر على القوة الشرائية للمستهلكين. ومع ذلك، فإنه يوفر أيضًا فرصًا للمصدرين اليابانيين، حيث يجعل منتجاتهم أكثر تنافسية في الأسواق العالمية.

من المهم ملاحظة أن هذه الظاهرة ليست فريدة من نوعها لليابان. فقد شهدت العديد من البلدان الأخرى تحديات مماثلة في السنوات الأخيرة، حيث أدى التضخم وارتفاع أسعار الفائدة إلى تقلبات في أسعار الصرف. ومع ذلك، فإن حالة اليابان فريدة من نوعها بسبب تاريخها الطويل من الركود النقدي والسياسات النقدية غير التقليدية.

الخلاصة: نظرة إلى الأمام

إن “المفارقة اليابانية” في نهاية عام 2025 تسلط الضوء على تعقيدات الأسواق المالية والتحديات التي تواجه البنوك المركزية في عالم متغير. إن فهم العوامل التي أدت إلى ضعف الين أمر بالغ الأهمية للمستثمرين وصناع السياسات على حد سواء. من المتوقع أن يستمر بنك اليابان في مراقبة الوضع عن كثب واتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على استقرار الاقتصاد الياباني. تحليل أسعار الصرف و التضخم العالمي سيظل ضروريًا لفهم ديناميكيات السوق في المستقبل. من الضروري متابعة تطورات الاقتصاد الياباني لتقييم المسار المستقبلي للين.

شاركها.