من المقرر أن يشهد شبكة الإيثريوم، ثاني أكبر عملة رقمية في العالم، تحولًا اقتصاديًا هامًا مع ترقية “فوساكا” التي ستُطلق في الثالث من ديسمبر. تهدف هذه الترقية، المعروفة باسم EIP-7918، إلى معالجة قضية “الرسوم العادلة” و”حصة الحرق” التي طالما نُوقشت بشأتها شبكات الإيثريوم من الطبقة الثانية (Layer-2). ومن المتوقع أن تؤثر هذه التغييرات بشكل كبير على مستقبل الإيثريوم وجميع المشاريع المبنية عليها.
تأتي هذه الترقية استجابةً للانتقادات المتزايدة من مجتمع العملات الرقمية حول مساهمة شبكات الطبقة الثانية في اقتصاد الإيثريوم. حتى الآن، لم تكن شبكة الإيثريوم الرئيسية (L1) تفرض رسومًا أساسية على شبكات الطبقة الثانية، مما أدى إلى حرق كمية ضئيلة من عملة الإيثريوم (ETH) على الرغم من حجم المعاملات الضخم الذي تتم معالجته عبر هذه الشبكات. تتضمن شبكات الطبقة الثانية الرئيسية المشار إليها Arbitrum وOptimism وBase.
ترقية فوساكا: تغيير جذري في اقتصاد الإيثريوم
تقدم ترقية فوساكا إطارًا جديدًا يضع حدًا أقصى لرسوم شبكات الطبقة الثانية بناءً على تكلفة تنفيذ المعاملات على شبكة الإيثريوم الرئيسية. يسمح هذا الإطار بتحديد الرسوم بشكل أسرع وشفافية أكبر، مما يؤدي إلى “اكتشاف حقيقي للأسعار” وفقًا لمطوري المشروع. سيساهم هذا التغيير في منع مستخدمي الطبقة الثانية من التعرض لرسوم معاملات باهظة خلال فترات الازدحام الشديد للشبكة.
آلية عمل الترقية
تعتمد الترقية على ربط رسوم شبكات الطبقة الثانية بتكاليف معالجة المعاملات على الإيثريوم الرئيسية بشكل مباشر. هذا يعني أنه عندما ترتفع الرسوم على الإيثريوم الرئيسية، سترتفع أيضًا الرسوم على شبكات الطبقة الثانية، والعكس صحيح. تهدف هذه الآلية إلى تحقيق توازن اقتصادي أفضل بين الطبقتين.
ستدفع شبكات الطبقة الثانية الآن رسومًا أساسية ذات مغزى إلى الإيثريوم، والتي ستساهم بشكل مباشر في آلية حرق العملة. تعتبر آلية الحرق جزءًا أساسيًا من تحول الإيثريوم نحو نموذج اقتصادي أكثر ندرة، حيث يتم تقليل المعروض المتداول من العملة مع مرور الوقت. من المتوقع أن تكون معدلات الحرق الأولية منخفضة نسبيًا.
ومع ذلك، يتوقع الخبراء أن تزداد هذه العملية “ببطء وثبات”، مما يؤدي إلى حرق ملايين الدولارات من الإيثريوم على المدى الطويل. وهذا بدوره سيعزز الطبيعة الانكماشية للإيثريوم، حيث تقل كمية العملة المتداولة نتيجة للحرق. يعتبر هذا التطور مهمًا للمستثمرين لأنه قد يؤثر على قيمة الإيثريوم بمرور الوقت.
تأتي هذه الترقية في وقت يشهد فيه قطاع العملات الرقمية تغيرات متسارعة، مع تزايد الاهتمام بالحلول القابلة للتطوير التي يمكنها التعامل مع عدد كبير من المعاملات. تعتبر شبكات الطبقة الثانية ضرورية لتحقيق هذا الهدف، حيث أنها تسمح بمعالجة المعاملات خارج سلسلة الكتل الرئيسية للإيثريوم (L1)، مما يقلل من الرسوم ويزيد من السرعة. تعد هذه التحسينات في قابلية التوسع ضرورية لاعتماد العملات الرقمية على نطاق واسع.
تعزز ترقية فوساكا أيضًا من الشفافية في تحديد الرسوم على شبكات الطبقة الثانية. في السابق، كان تحديد هذه الرسوم يعتمد غالبًا على تقديرات أو آليات معقدة، مما أدى إلى عدم اليقين بين المستخدمين. الآن، سيكون هناك ارتباط مباشر وواضح بين رسوم الطبقة الثانية وتكاليف الطبقة الأولى، مما سيسهل على المستخدمين فهم وتوقع الرسوم التي سيدفعونها. هذا يعزز الثقة في النظام البيئي للإيثريوم.
بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الترقية قد تؤدي إلى زيادة المنافسة بين شبكات الطبقة الثانية. من خلال فرض رسوم أساسية على الإيثريوم، فإنها تخلق حافزًا لشبكات الطبقة الثانية لتحسين كفاءتها وتخفيض تكاليفها من أجل جذب المستخدمين. قد يؤدي ذلك إلى ابتكارات جديدة في مجال حلول التوسع، مما يعود بالنفع على مجتمع الإيثريوم بأكمله. وهذا يعزز نظام بلوك تشين بشكل عام.
يأتي هذا التحديث بعد فترة من التطورات الكبيرة في شبكة الإيثريوم، بما في ذلك عملية الانتقال إلى آلية إثبات الحصة (Proof-of-Stake) في وقت سابق من هذا العام. تمثل هذه العملية تحولًا كبيرًا في طريقة عمل الشبكة، حيث تهدف إلى تقليل استهلاك الطاقة وزيادة الأمان. تعتبر ترقية فوساكا خطوة إضافية نحو تحقيق رؤية الإيثريوم كمنصة لامركزية قابلة للتطوير ومستدامة.
وبالنظر إلى المستقبل، يترقب مجتمع الإيثريوم ترقيات أخرى تهدف إلى تحسين أداء الشبكة وتوسيع نطاق تطبيقاتها. تعتبر ترقية “Dencun” التي من المقرر إطلاقها في عام 2024 من بين أهم هذه الترقيات، حيث تهدف إلى تقليل تكاليف البيانات على شبكات الطبقة الثانية بشكل كبير. النجاح المستمر لهذه الترقية يعتمد على استمرار التعاون بين المطورين والمجتمع، بالإضافة إلى التعامل مع التحديات التقنية والأمنية المحتملة.
