بدأ قلق متزايد يسيطر على أوساط وول ستريت بشأن مستقبل سوق الأسهم الأمريكية. هل من الممكن أن يشهد السوق الأمريكي حالة من الركود النسبي، أو حتى الاستقرار التام، على مدى السنوات العشر القادمة بعد سنوات من المكاسب القوية؟ هذا السيناريو، الذي يبدو غير مسبوق في ظل الارتفاع الحالي في أداء سوق الأسهم، يثير تساؤلات حول الاستمرار في تحقيق عوائد مجزية.
مخاوف من “عقد ضائع” في سوق الأسهم الأمريكي
تزايد عدد المحللين الذين يتوقعون فترة “عقد ضائع” محتملة لسوق الأسهم، وهي فترة تمتد لعشر سنوات وتشهد فيها السوق الأمريكية عوائد قريبة من الصفر أو أداءً ضعيفًا مقارنة بالأسواق العالمية الأخرى. يعتمد هذا التوقع على عاملين رئيسيين، وفقًا لتقارير حديثة.
تقييمات الأسهم المرتفعة
تعتبر تقييمات الأسهم حاليًا مرتفعة تاريخيًا. فمؤشر S&P 500 يتداول حاليًا بنسبة سعر إلى الأرباح تبلغ حوالي 27، وهو ما يتجاوز النطاق المتوسط للخمس سنوات الماضية الذي يتراوح بين 19.5 و 25.4، وفقًا لتحليل صادر عن World PE Ratio.
بالإضافة إلى ذلك، تشير مؤشرات تقييم أخرى، مثل مؤشر وارن بافيت، أيضًا إلى أن الأسهم مبالغ في قيمتها. هذا يعني أن المستثمرين قد يدفعون بالفعل سعرًا مرتفعًا جدًا مقابل الأسهم، مما يحد من إمكانية تحقيق مكاسب كبيرة في المستقبل.
نهاية دورة صعودية طويلة الأمد
شهدت الأسهم الأمريكية ارتفاعًا ملحوظًا على مدى السنوات القليلة الماضية. فقد ارتفع مؤشر S&P 500 بأكثر من 90٪ منذ أدنى مستوى له في عام 2022، وهو الوقت الذي بدأ فيه السوق في التعافي من منطقة الهبوط.
علاوة على ذلك، يشهد السوق الأمريكي دورة صعودية طويلة الأمد منذ التعافي من الأزمة المالية العالمية عام 2009. ومع ذلك، فإن كل دورة صعودية لها نهاية، وقد يكون السوق الآن يقترب من نهاية هذه الدورة، مما يزيد من احتمالية حدوث فترة من الركود أو الاستقرار.
في مذكرة صدرت هذا الأسبوع، توقع فريق استراتيجيي الأسهم في بنك أوف أمريكا أن ينخفض مؤشر S&P 500 بنسبة 0.1٪ على مدى العقد القادم. وهذا يعتبر أداءً ضعيفًا تاريخيًا، نظرًا لأن متوسط العائد السنوي لمؤشر S&P 500 بلغ 10.5٪ منذ عام 1950.
أشار الاستراتيجيون إلى ارتفاع التقييمات والنمو القوي الذي تحقق على مدى عامين متتاليين في المؤشر القياسي. وكتب بنك أوف أمريكا في مذكرة موجهة إلى العملاء: “حتى بالنسبة للعام المقبل، فإن الحسابات التاريخية صعبة: متوسط العوائد على مؤشر S&P 500 بعد 3 سنوات من النمو بأكثر من 15٪ أقل بنسبة 2.3 نقطة مئوية من متوسط العائد السنوي. قد يحتاج المستثمرون إلى مفاجآت في الناتج المحلي الإجمالي وأرباح الشركات لتجنب ‘عقد ضائع’ سابع.”
توقع تورستن سلوك، كبير الاقتصاديين في شركة أبوللو، أيضًا أن يظل مؤشر S&P 500 مستقرًا نسبيًا على مدى السنوات العشر القادمة. يعتمد هذا التوقع على مستوى نسبة السعر إلى الأرباح المستقبلية لمؤشر S&P 500 الحالي.
وقال سلوك: “العلاقة التاريخية بين نسبة السعر إلى الأرباح المستقبلية لمؤشر S&P 500 والعوائد السنوية المتوقعة على مدى 10 سنوات تشير إلى أن المستثمرين يجب أن يتوقعوا الحصول على عائد صفري على مؤشر S&P 500 على مدى العقد القادم.”
في نوفمبر، قال محللو بنك غولدمان ساكس إنهم يتوقعون أن يكون السوق الأمريكي في المركز الأخير من حيث العوائد على مدى السنوات العشر القادمة. وقدر البنك أن مؤشر S&P 500 سيسجل مكاسب سنوية تبلغ حوالي 6.5٪ على مدى السنوات العشر القادمة، وهو ما يقل عن العوائد المتوقعة في أوروبا واليابان وآسيا والأسواق الناشئة.
أوضح البنك أنه يتوقع أن يكون نمو الأرباح أقوى في الأسواق الأخرى. كما أن التقييمات في الولايات المتحدة مرتفعة ومن المتوقع أن تنخفض بنسبة 1٪ سنويًا على مدى العقد القادم.
وكتب المحللون: “إذا تراجعت ربحية و/أو تقييمات أكبر الشركات، ما لم تظهر مجموعة جديدة من ‘النجوم الصاعدة’، فمن المرجح أن يتم تقويض عوائد السوق الأوسع حيث تعود الأسهم الأكبر حجمًا إلى أرض الواقع.”
تعتبر هذه التوقعات بمثابة تحذير للمستثمرين، وتشير إلى أنهم قد يحتاجون إلى إعادة تقييم استراتيجياتهم الاستثمارية. فالاعتماد المفرط على السوق الأمريكي قد لا يكون الخيار الأفضل في السنوات القادمة، وقد يكون من الضروري تنويع المحافظ الاستثمارية لتشمل أسواقًا أخرى ذات إمكانات نمو أعلى.
من المتوقع أن تستمر هذه المناقشات حول مستقبل سوق الأسهم الأمريكي في التطور خلال الأشهر القادمة، مع صدور المزيد من التقارير والتوقعات من مختلف المؤسسات المالية. سيكون من المهم مراقبة التطورات الاقتصادية والسياسية عن كثب، بالإضافة إلى أداء الشركات المدرجة في مؤشر S&P 500، لتقييم مدى صحة هذه التوقعات.
