يشهد عالم تداول الأسهم تحولاً ملحوظاً، حيث لم يعد المستثمرون الأفراد مجرد قوة مضادة للمؤسسات الكبيرة، بل يسعون ليصبحوا مؤسسات استثمارية محترفة بأنفسهم. هذا التطور، الذي بدأ خلال فترة جائحة كوفيد-19، يتجاوز الآن مجرد المنتديات الشهيرة مثل Reddit، ليضم منصات مثل StockTwits و X و Discord، حيث يتبادل المتداولون الأفراد الأفكار ويستفيدون من زخم السوق الصاعد. هذا التحول في سلوك المستثمرين الأفراد يثير تساؤلات حول مستقبل أسواق المال ودور التكنولوجيا في تمكينهم.
لم يعد الأمر مجرد محاولة لإحداث صدمة في السوق أو نشر الميمات على منصبات التواصل الاجتماعي. بل أصبح التركيز على تطوير استراتيجيات استثمارية متينة، والتحليل الدقيق للبيانات، واستخدام أدوات التداول المتقدمة. هذا التوجه الجديد يظهر في ظهور صناديق استثمارية صغيرة يقودها متداولون أفراد التقوا وتبادلوا الخبرات عبر الإنترنت.
من “لعبة إندر” إلى “رأس المال إندر”: قصة نجاح جديدة في عالم الاستثمار
تعتبر منصة Discord بيئة تفاعلية، ولكنها قد تكون فوضوية للوهلة الأولى. تتميز بـ “الخوادم”، وهي غرف دردشة مخصصة لأعضاء معينين، مما يوفر تفاعلاً مباشراً بدلاً من لوحات الرسائل الثابتة مثل Reddit. قد يكون التنقل فيها أمراً صعباً في البداية، ولكنها تعتبر أرضاً خصبة للعثور على أفراد ذوي تفكير مماثل لتبادل الأفكار.
هذا ما حدث بالضبط مع “رأس المال إندر” (Enders Capital)، حيث التقى المؤسس والرئيس التنفيذي، مودي نشواتي، والرئيس التنفيذي للعمليات ورئيس قسم الأبحاث، ريسلي مابيل، في قناة Discord مخصصة للمتداولين الأفراد في عام 2022. قبل إطلاق الصندوق في عام 2025، قضى الاثنان سنوات في تبادل الأفكار ومناقشة اتجاهات السوق على Discord.
أشار مابيل إلى أنهما كانا على توافق تام منذ البداية. وأضاف أن نشواتي طرح عليه فكرة إنشاء صندوق استثماري بشكل عابر، ثم عاد إليها بعد أسبوعين. بعد التفكير، أدرك مابيل أن الفكرة قد تكون قابلة للتطبيق.
يصف نشواتي عملية الانتقال من مجرد تبادل الرسائل على Discord إلى إجراء محادثات مطولة وغير رسمية حول تحركات السوق بأنها كانت طبيعية للغاية. وأوضح أنه تلقى اهتماماً من أطراف خارجية للانضمام إلى ما كان يفعله بالفعل، مما دفعه إلى تحويل الأمر إلى صندوق استثماري رسمي.
قبل أن يلتقيا، أمضى كل من مابيل ونشواتي سنوات في دراسة التداول. ترك نشواتي مجال التسويق الرقمي وانضم إلى مجتمعات الاستثمار على Discord. في هذه الأثناء، كان مابيل يتعلم عن تداول المشتقات المالية خلال دراسته الجامعية، واستمر في ذلك أثناء دراسته في كلية الطب. حتى أثناء عمله كطبيب مقيم في الأشعة، يجد مابيل الوقت لمساعدة نشواتي في إدارة الصندوق.
يعمل “رأس المال إندر” كصندوق استثمار بديل مسجل لدى لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) بموجب القاعدة 506(c)، ويبلغ حجم الأصول الخاضعة للإدارة حالياً 5 ملايين دولار. بدأ الصندوق بعدد قليل من المستثمرين الخارجيين، لكن نشواتي يقول إنه قدم الجزء الأكبر من رأس المال الأولي. وأضاف أنه يسعى حالياً لتقليل الأصول التي يمتلكها شخصياً وزيادة مساهمته في الصندوق، إيماناً منه بقدرة الصندوق على تحقيق عوائد مجدية.
استراتيجية استثمارية تعتمد على البيانات والأتمتة
تعتمد استراتيجية “رأس المال إندر” على التحليل الكمي، حيث يرى المؤسسان أن استخدام البيانات والأتمتة هو وسيلة فعالة لتقليل التقلبات وتحسين الاستقرار. يتم تنفيذ التداول الآلي من خلال منصة Composer، وهي منصة متخصصة في تمكين المتداولين الأفراد من بناء استراتيجيات مماثلة لتلك التي تستخدمها صناديق التحوط.
يركز الصندوق بشكل كبير على بناء نماذج مالية قوية ومرنة عبر مختلف الأسواق. وأشار نشواتي إلى أن العديد من المكاسب الأخيرة للصندوق جاءت من قطاعات مثل التكنولوجيا والذهب والأسواق الناشئة.
يعتمد الصندوق على فريق صغير يضم مطورين وبناة نماذج كمية، وقد تم العثور على العديد منهم أيضاً من خلال شبكات التواصل الاجتماعي.
يرى نشواتي أن بعض منتديات الاستثمار عبر الإنترنت قد تكتسب سمعة سيئة، إلا أنها غالباً ما يرتادها أفراد مؤهلون تأهيلاً عالياً، يقضي بعضهم وقتاً طويلاً في دراسة الأسواق.
جيل جديد من صناديق التحوط
يعتقد نشواتي أن الجيل القادم من صناديق التحوط لن ينشأ في وول ستريت، وأن هذا تطور إيجابي، حيث لم يعد التركيز على الخبرة مقتصراً على مكان واحد.
أيد مابيل هذا الرأي، مشدداً على أهمية التمييز بين الضوضاء والمعلومات القيمة في وسائل التواصل الاجتماعي للعثور على الأفراد الذين يتمتعون بفهم قوي لديناميكيات السوق المعقدة. وأضاف أن بعض أكثر المحترفين الذين قابلهم كانوا من خلال هذه المنصات.
بينجامين رولرت، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة Composer، يعتقد أن المزيد من الصناديق الجديدة ستتبع مثال “رأس المال إندر”، حيث أن التكنولوجيا الجديدة تخفض حواجز الدخول. وأوضح أن الكثير من التكاليف الثابتة المرتبطة بتشغيل صندوق كبير سيتم تفويضها إلى الذكاء الاصطناعي مع تطور النماذج. ونتيجة لذلك، سنشهد بيئة أكثر جدارة بالملكية، حيث سيتم تقييم الصناديق الناشئة بناءً على مهاراتها بدلاً من مؤهلاتها، مما يفتح الباب أمام المستثمرين الأفراد الأذكياء للدخول إلى اللعبة.
من المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه في النمو، مع ظهور المزيد من الصناديق الاستثمارية التي يقودها متداولون أفراد. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات، مثل التنظيم والامتثال، وإدارة المخاطر. سيكون من المهم مراقبة كيفية تعامل هذه الصناديق مع هذه التحديات، وكيف ستؤثر على المشهد العام للاستثمار.
