أثار المستثمر الأمريكي الشهير مايكل بيري، المعروف بتوقعاته الناجحة في الأسواق المالية، مخاوف جديدة بشأن صحة القطاع المصرفي في الولايات المتحدة. ورأى بيري أن قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) البدء في “عمليات إدارة الاحتياطي” – أي شراء سندات الخزانة قصيرة الأجل – هو علامة على ضعف النظام المالي، وليس قوته، مما يثير تساؤلات حول استقرار البنوك الأمريكية.

تحذيرات مايكل بيري بشأن البنوك الأمريكية والسيولة

جاءت تصريحات بيري تعليقًا على اجتماع الاحتياطي الفيدرالي الأخير، حيث أشار البنك المركزي إلى أن أرصدة الاحتياطي لديه قد انخفضت إلى “مستويات كافية” وأنه سيبدأ في إجراء “عمليات إدارة الاحتياطي” لضخ المزيد من السيولة. هذه الخطوة تعني شراء سندات الخزانة قصيرة الأجل بشكل مستمر، وهي آلية مختلفة عن التيسير الكمي الذي يتضمن شراء سندات طويلة الأجل لتحفيز الاقتصاد.

وفقًا لبيانات الاحتياطي الفيدرالي الأخيرة، تبلغ أرصدة الاحتياطي الحالية حوالي 2.8 تريليون دولار. لكن بيري يرى أن حاجة البنوك إلى هذا الدعم المالي المستمر ليست مؤشرًا إيجابيًا. كتب بيري على منصة X (تويتر سابقًا) أن “النظام المصرفي الأمريكي لا يمكن أن يعمل بدون أكثر من 3 تريليونات دولار من الاحتياطيات/الدعم الحيوي من الاحتياطي الفيدرالي، فهذه ليست علامة على القوة بل على الهشاشة”.

تأثير قرار الفيدرالي على الأسهم

على الرغم من تحذيرات بيري، شهدت الأسهم الأمريكية ارتفاعًا ملحوظًا بعد اجتماع الاحتياطي الفيدرالي، مدفوعةً بالتفاؤل بشأن خطة شراء سندات الخزانة قصيرة الأجل. وأشار فريق الاستخبارات السوقية في بنك جي بي مورغان تشيس إلى أن هذا التفاؤل كان المحرك الرئيسي لارتفاع الأسهم.

هذا التحرك يمثل أول توسع كبير في الميزانية العمومية للاحتياطي الفيدرالي منذ إنهاء برنامج التيسير الكمي في عام 2022، وفقًا لمحللي بنك دويتشه. ويرى بيري أن هذا النمط يتكرر بعد كل أزمة مالية، حيث يضطر الاحتياطي الفيدرالي إلى توسيع ميزانيته العمومية بشكل دائم أو تقديم ضمانات لتمويل البنوك، مما يدعم أداء الأسهم.

استراتيجية بيري الاستثمارية

بسبب هذه المخاوف، يفضل بيري تجنب أسهم البنوك، واختيار الاحتفاظ بأمواله في حسابات نقدية أو صناديق سوق المال الخاصة بالخزانة. واصفًا الوضع بـ “وداعًا للتشديد الكمي، وتحيا عمليات إدارة الاحتياطي”.

يُذكر أن بيري قد اكتسب شهرة واسعة بعد توقعاته الصحيحة لأزمة الرهن العقاري في عام 2008، والمعروفة باسم “الصفقة الكبرى” (The Big Short). ومنذ عودته إلى وسائل التواصل الاجتماعي هذا العام، أبدى بيري باستمرار وجهة نظر سلبية تجاه السوق، وحذر من وجود فقاعة في أسعار الأسهم، وكشف عن مراهناته ضد شركات الذكاء الاصطناعي الكبرى مثل Nvidia، وانتقد الإنفاق الضخم لشركات التكنولوجيا العملاقة.

السيولة والقطاع المصرفي: نظرة أعمق

إن قيام الاحتياطي الفيدرالي بضخ السيولة في النظام المالي من خلال شراء سندات الخزانة هو إجراء يهدف إلى ضمان قدرة البنوك على تلبية احتياجاتها من النقد. تعتبر السيولة الكافية أمرًا بالغ الأهمية لاستقرار النظام المصرفي، حيث تسمح للبنوك بمنح القروض وتلبية طلبات السحب من المودعين.

ومع ذلك، فإن الاعتماد المستمر على الاحتياطي الفيدرالي لتوفير السيولة قد يشير إلى وجود مشاكل هيكلية في القطاع المصرفي. قد يعني ذلك أن البنوك تواجه صعوبة في جذب الودائع أو إدارة مخاطرها بشكل فعال. الوضع الحالي يثير تساؤلات حول قدرة البنوك على العمل بشكل مستقل دون دعم مستمر من البنك المركزي.

بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا التحرك قد يؤثر على أسعار الفائدة والتضخم. من خلال زيادة المعروض النقدي، قد يؤدي شراء السندات إلى خفض أسعار الفائدة، مما قد يحفز الاقتراض والإنفاق. ولكن في الوقت نفسه، قد يؤدي ذلك إلى زيادة التضخم إذا لم يتمكن الطلب من مواكبة الزيادة في المعروض النقدي.

من الجدير بالذكر أن هذه التطورات تأتي في ظل حالة من عدم اليقين الاقتصادي العالمي، حيث تواجه العديد من الدول تحديات تتعلق بالنمو والتضخم وأسعار الفائدة.

الخطوة التالية المتوقعة هي مراقبة تأثير عمليات إدارة الاحتياطي على مستويات السيولة في النظام المصرفي وأسعار الفائدة والتضخم. سيراقب المحللون عن كثب بيانات الاحتياطي الفيدرالي وتقارير البنوك لتقييم صحة القطاع المصرفي وتحديد ما إذا كانت هناك حاجة إلى مزيد من التدخل من قبل البنك المركزي. من المهم أيضًا متابعة التطورات الاقتصادية العالمية وتقييم تأثيرها على الاقتصاد الأمريكي والنظام المالي.

شاركها.