باب برد، المغرب – بعد عقود من العمل في الخفاء، يرى محمد مخلوف، وهو مزارع مغربي، بصيص أمل في مستقبل أكثر إشراقًا. فبعد أن بدأ زراعة القنب في ريعان شبابه، كان يعيش حياة مليئة بالخوف من الملاحقة القضائية، لكن التغيير الذي يشهده المغرب في مجال زراعة القنب القانونية يمنحه الآن راحة البال. لم يعد صوت الشرطة المار بالقرب من أرضه الزراعية في جبال الريف يثير الذعر، بل أصبح رمزًا للاعتراف بشرعيته.

المغرب يشرّع زراعة القنب: تحول تاريخي

لطالما كان المغرب أكبر منتج للقنب في العالم، ومصدرًا رئيسيًا للراتنج المستخدم في صناعة الحشيش. لكن هذه الصناعة ظلت لعقود طويلة خارج نطاق القانون، مما أدى إلى تهميش المزارعين وتعريضهم للمخاطر. في عام 2021، اتخذ المغرب خطوة جريئة نحو التغيير، وأصدر قانونًا يشرّع بعض أشكال زراعة القنب، ليصبح بذلك أول دولة ذات أغلبية مسلمة تفعل ذلك، وأول منتج رئيسي غير قانوني للقنب يتبنى هذا النهج.

هذا التشريع لم يكن مجرد تغيير قانوني، بل كان بمثابة اعتراف بالواقع الاقتصادي والاجتماعي للمناطق التي تعتمد على زراعة القنب. ففي جبال الريف، يعتبر هذا المحصول مصدر رزق أساسيًا لمئات الآلاف من الأشخاص، وهو ما أكدته تقارير الأمم المتحدة والبيانات الحكومية.

من السوق السوداء إلى الاقتصاد الرسمي: قصة نجاح المزارعين

قصة محمد مخلوف ليست فريدة من نوعها. فهي تعكس تجربة عدد متزايد من المزارعين الذين كانوا يعملون في السوق السوداء، والذين بدأوا الآن في بيع منتجاتهم بشكل قانوني للتعاونيات التي تنتج القنب للاستخدام الطبي والصناعي.

يقول مخلوف: “التشريع هو الحرية. إذا كنت تريد أن يكون عملك نظيفًا، عليك أن تعمل مع الشركات وضمن القانون.” هذا التحول يمنح المزارعين فرصة للانخراط في الاقتصاد الرسمي، والاستفادة من الخدمات التي كانت محرمة عليهم في السابق، مثل التمويل والتأمين.

عبد السلام أمراجي، مزارع آخر انضم إلى الصناعة القانونية، يؤكد على أهمية هذا المحصول للمجتمع المحلي. “لقد حاول المزارعون المحليون زراعة القمح والمكسرات والتفاح ومحاصيل أخرى، لكن لم يسفر أي منها عن نتائج قابلة للتطبيق.”

التحديات التي تواجه السوق القانونية للقنب في المغرب

على الرغم من التقدم المحرز، لا يزال قطاع القنب القانوني في المغرب يواجه العديد من التحديات. فالقواعد التنظيمية الصارمة قد تكون بمثابة عائق أمام بعض المزارعين، خاصةً أولئك الذين يفتقرون إلى الموارد المالية والمعرفة اللازمة.

في أغسطس/آب الماضي، اندلعت احتجاجات في أجزاء من مدينة تاونات القريبة، بعد فشل التعاونيات في دفع أجور المزارعين مقابل محاصيلهم. ولوح المزارعون بلافتات كتب عليها “لا تشريع بدون حقوق” و”كفى مماطلة”، معربين عن غضبهم من عدم تلقي المبالغ التي وعدوا بها مقابل العمل بشكل قانوني.

بالإضافة إلى ذلك، لا تزال السوق السوداء قوية، وتستمر في جذب العديد من المزارعين الذين يفضلون المخاطرة من أجل الحصول على أرباح أعلى. فوفقًا للبيانات الحكومية، يتم زراعة القنب بشكل قانوني على مساحة 14300 فدان فقط في منطقة الريف، في حين يتم استخدام أكثر من 67000 فدان للزراعة غير القانونية.

دور وكالة تنظيم القنب في دعم التحول

تدرك وكالة تنظيم القنب المغربي هذه التحديات، وتسعى جاهدة للتغلب عليها. فقد أصدرت الوكالة تراخيص لأكثر من 3371 مزارعًا في جميع أنحاء الريف، وسجلت إنتاج ما يقرب من 4200 طن من الحشيش القانوني.

يقول محمد الكروج، المدير العام للوكالة: “لدينا مهمتان متناقضتان، وهما السماح لنفس المشروع بالنجاح في نفس البيئة. مهمتنا كرجال شرطة هي تطبيق اللوائح، ولكن مهمتنا هي أيضًا دعم المزارعين والمشغلين حتى ينجحوا في مشاريعهم.”

مستقبل القنب القانوني في المغرب: آفاق واعدة

على الرغم من التحديات، يبدو مستقبل القنب القانوني في المغرب واعدًا. فالتعاونيات مثل Biocannat، القريبة من بلدة باب برد، تلعب دورًا حيويًا في تحويل القنب الخام إلى منتجات ذات قيمة مضافة، مثل زيت CBD والمستحضرات والشوكولاتة، وحتى المنسوجات.

عزيز مخلوف، مدير التعاونية، يوضح أن التقنين خلق نظامًا بيئيًا كاملاً يوظف العديد من الأشخاص، ليس فقط المزارعين. “هناك من يتعامل مع التعبئة والتغليف، ومن يتعامل مع النقل، ومن يتعامل مع الري – كل ذلك أصبح ممكنا من خلال التقنين.”

التحول نحو زراعة القنب القانونية في المغرب يمثل فرصة تاريخية لتحسين حياة المزارعين، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المناطق التي تعتمد على هذا المحصول. ومع استمرار الحكومة في دعم هذا القطاع، وتوفير التمويل والتدريب اللازمين، يمكن للمغرب أن يصبح رائدًا عالميًا في إنتاج القنب القانوني.

في الختام، يمثل تقنين القنب في المغرب خطوة جريئة نحو مستقبل أكثر إشراقًا للمزارعين والمجتمع ككل. وبينما لا تزال هناك تحديات، فإن الإرادة السياسية والجهود المبذولة من قبل وكالة تنظيم القنب والتعاونيات المحلية تبشر بالخير. هذا التغيير لا يتعلق فقط بتحويل محصول من الظل إلى النور، بل يتعلق أيضًا بتمكين المجتمعات المحلية وبناء اقتصاد أكثر عدلاً واستدامة.

شاركها.