في عالمنا المتسارع، غالبًا ما نبحث عن طرق لتعليم أطفالنا قيم العطاء والمسؤولية الاجتماعية. لكن هل فكرت يومًا في أن تبدأ هذه الرحلة في سن مبكرة جدًا؟ التطوع مع الأطفال ليس مجرد نشاط عائلي ممتع، بل هو استثمار في مستقبلهم ومستقبل مجتمعنا. هذه المقالة تستكشف أهمية التطوع العائلي، وكيفية إيجاد الفرص المناسبة، والفوائد العديدة التي تعود على الأطفال والآباء على حد سواء.
لماذا التطوع مع الأطفال مهم؟
قد يبدو الأمر غير منطقي، لكن إشراك الأطفال في الأنشطة التطوعية، حتى في سن الثالثة، يمكن أن يكون له تأثير عميق. فالعمل التطوعي يغرس فيهم الثقة بالنفس، ويعلمهم مهارات اجتماعية قيمة، ويساعدهم على تطوير قدراتهم في حل المشكلات. والأهم من ذلك، أنه يوفر فرصة فريدة للترابط العائلي وتقوية العلاقات.
كما يشير خبراء التربية، فإن التطوع يعرض الأطفال لتحديات واقعية في المجتمع، مما يوسع آفاقهم ويعزز شعورهم بالتعاطف والمسؤولية. إنه يمنحهم القدرة على رؤية أنفسهم كجزء من حل، وليس مجرد متفرجين.
صعوبات إيجاد فرص تطوع مناسبة للأطفال
على الرغم من الفوائد الواضحة، إلا أن العثور على فرص تطوع تقبل الأطفال الصغار قد يكون تحديًا. العديد من المنظمات غير الربحية تفضل المتطوعين الذين تزيد أعمارهم عن 18 عامًا، نظرًا لمتطلبات المسؤولية والتدريب.
لكن هذا لا يعني أن الأبواب مغلقة تمامًا. تقول بولي لاجانا، المديرة التنفيذية لمنظمة Volunteer New York!: “هناك مليون طريقة مختلفة لمساعدة الناس والتطوع. الكثير من العائلات ترغب في القيام بذلك ولا تعرف حرفيًا من أين تبدأ.” المفتاح هو المثابرة والإبداع.
كيف تبدأ التطوع العائلي؟
إذا كنت مصممًا على إشراك أطفالك في العمل الخيري، فإليك بعض النصائح:
البحث عن المنظمات المناسبة
ابدأ بالبحث عن المنظمات في مجتمعك التي تقدم مشاريع تطوعية مناسبة للعائلات. اتصل بهم مباشرة للاستفسار عن الحد الأدنى للعمر المطلوب، وما هي المهام التي يمكن أن يقوم بها الأطفال. لا تتردد في طرح الأسئلة والتعبير عن استعدادك للتكيف مع احتياجاتهم.
إنشاء فرص تطوع خاصة
إذا لم تتمكن من العثور على منظمة تقبل أطفالك، فلا تتردد في إنشاء فرصتك الخاصة. هذا ما فعلته كامي تي كوتش، التي أنشأت مجموعة “VolunTOTs” في بيتسبرغ، والتي تنظم أنشطة تطوعية للأطفال دون سن الثالثة. يمكنك تنظيم حملات لجمع التبرعات، أو تنظيف الحدائق العامة، أو إعداد وجبات الطعام للمحتاجين.
اختيار المهام المناسبة لأعمار الأطفال
من المهم اختيار المهام التي تتناسب مع قدرات الأطفال. يمكن للأطفال الصغار المساعدة في فرز العناصر، أو تزيين البطاقات، أو جمع القمامة. أما الأطفال الأكبر سنًا، فيمكنهم المشاركة في مهام أكثر تعقيدًا، مثل توزيع الطعام، أو قراءة القصص، أو رعاية الحيوانات.
إشراك الأطفال في عملية اتخاذ القرار
اجعل الأطفال جزءًا من عملية اختيار النشاط التطوعي. اشرح لهم المشكلة التي تحاول حلها، وقدم لهم بعض الخيارات. اسمح لهم باختيار النشاط الذي يثير اهتمامهم، وشجعهم على التعبير عن أفكارهم ومقترحاتهم.
أمثلة ملهمة للتطوع العائلي
هناك العديد من القصص الملهمة للعائلات التي وجدت طرقًا مبتكرة للتطوع مع أطفالها. على سبيل المثال، بدأت عائلة ديفيس في دنفر بتوصيل وجبات الطعام على عجلات لكبار السن والأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة. هذه التجربة فتحت أعين أطفالهم على العالم الخارجي، وعززت لديهم شعورًا بالتعاطف والمسؤولية.
كما أن عائلة بيرنابا في رود آيلاند قامت بمشروع “Tough Cookies”، حيث يقومون بخبز وتسليم الكعك للمحاربين القدامى. هذا المشروع لم يساعدهم على خدمة مجتمعهم فحسب، بل ساعدهم أيضًا على تعلم مهارات اجتماعية قيمة والتعرف على أشخاص من خلفيات مختلفة.
فوائد التطوع تتجاوز العطاء
إن العمل التطوعي لا يقتصر على مساعدة الآخرين، بل إنه يعود بفوائد جمة على المتطوعين أنفسهم. فهو يعزز الصحة العقلية والجسدية، ويقلل من التوتر والقلق، ويحسن المزاج العام. كما أنه يمنحك فرصة لتوسيع دائرة معارفك، وتطوير مهاراتك، والشعور بالانتماء إلى مجتمعك.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التطوع مع الأطفال يعزز العلاقة بين الوالدين وأبنائهم، ويخلق ذكريات لا تُنسى. إنه يمنحك فرصة لقضاء وقت ممتع معًا، والتحدث عن القيم المهمة، والعمل كفريق واحد لتحقيق هدف مشترك.
الخلاصة
التطوع العائلي هو فرصة رائعة لتعليم أطفالنا قيم العطاء والمسؤولية الاجتماعية، وتقوية الروابط العائلية، وإحداث فرق إيجابي في مجتمعنا. على الرغم من التحديات التي قد تواجهك في العثور على فرص مناسبة، إلا أن المثابرة والإبداع يمكن أن يفتحا لك الأبواب. تذكر أن كل مساهمة، مهما كانت صغيرة، يمكن أن تحدث فرقًا كبيرًا. ابدأ اليوم، وشجع أطفالك على أن يكونوا جزءًا من الحل!
