في كل عام، ومع اقتراب موسم الأعياد، يجد الكثيرون أنفسهم في موقف معضلة: هل يحضرون حفلات العمل أم لا؟ بالنسبة للبعض، تمثل هذه التجمعات فرصة للتواصل والاستمتاع بروح العطلات. ولكن بالنسبة للآخرين، وخاصة أولئك الذين يعانون من القلق الاجتماعي، يمكن أن تكون هذه الحفلات مصدرًا للتوتر والإرهاق. فالضغط على التفاعل الاجتماعي، والغموض حول الحدود المهنية، والخوف من الحكم، كلها عوامل تجعل هذه المناسبات تحديًا حقيقيًا.
فهم مشاعر القلق الاجتماعي في مناسبات العمل
لا يتعلق الأمر بالكراهية المطلقة للحفلات، بل يتعلق بطريقة معينة في معالجة المواقف الاجتماعية. رايان أرنولد، الذي يصف نفسه بأنه يعاني من قلق اجتماعي، يتذكر بوضوح حفلًا سابقًا أقامته شركة المحطة الإذاعية التي كان يعمل بها. المشهد – زملاء العمل يتبادلون البيرة، والمدير يغني أغاني الثمانينات – لم يثير فيه سوى رغبة واحدة: المغادرة. هذه التجربة، التي يعود تاريخها إلى أكثر من 20 عامًا، لا تزال حية في ذاكرته، وتجعله يتردد قبل قبول أي دعوة لتجمعات جماعية.
هذا الشعور ليس فريدًا. فالعديد من الأشخاص الانطوائيين، أو الخجولين، أو الذين يعانون من القلق بشكل عام، يجدون صعوبة في التكيف مع أجواء الحفلات الصاخبة والمحادثات العشوائية. الضغط على الظهور بمظهر “السعيد والمتحمس” يمكن أن يكون مرهقًا، خاصةً عندما لا تتطابق هذه المشاعر مع الحالة الداخلية للشخص. كما قالت لورا ماكلويد، أستاذة العمل الاجتماعي بجامعة مدينة نيويورك: “بعض الناس ليسوا من أهل الحزب”.
الحدود المهنية وتوتر الحفلات
إضافة إلى التوتر الاجتماعي، يمكن أن تثير حفلات العمل مخاوف بشأن الحدود المهنية. عندما يختلط العمل بالمتعة، قد يصبح من الصعب الحفاظ على مسافة مناسبة مع الزملاء والرؤساء. خاصةً مع وجود الكحول، يمكن أن تتلاشى هذه الحدود، مما يؤدي إلى مواقف محرجة أو غير مناسبة. هذا ما يجعل الكثيرين يشعرون بعدم الارتياح، ويفضلون تجنب هذه التجمعات تمامًا.
استراتيجيات للتعامل مع حفلات العمل
لحسن الحظ، هناك العديد من النصائح والاستراتيجيات التي يمكن أن تساعد الأشخاص الذين يعانون من الخجل أو القلق الاجتماعي على البقاء على قيد الحياة والاستمتاع بحفلات الشتاء، سواء كانت مع زملاء العمل أو العائلة أو الأصدقاء.
الراحة أولاً: اختيار الملابس المناسبة
تبدأ الراحة بالتحكم في الأمور التي يمكنك التحكم فيها، مثل الملابس. اختاري ملابس مريحة تناسب قواعد اللباس في مكان العمل. لا تضغطي على نفسك لارتداء شيء لا تشعرين بالراحة فيه لمجرد أنه “مناسب للحفلة”. كما تقول ماكلويد: “إذا لم يكن من المفضل لديك ارتداء الكعب العالي الذي يبلغ طوله خمسة أو ستة بوصات، لمجرد أنها حفلة عطلة، فلا تفعل ذلك”.
التوقيت المناسب: الوصول مبكرًا أو المغادرة مبكرًا
قد يكون من الأسهل التعامل مع الحشود الصغيرة، لذا حاولي الوصول مبكرًا قبل أن يصبح المكان مزدحمًا. في المقابل، إذا كنت تشعرين بالإرهاق، فلا تترددي في المغادرة مبكرًا. من المقبول تمامًا أن تقولي: “أردت فقط أن آتي وأتمنى للجميع عطلة سعيدة. لدي بعض الأمور العائلية التي يجب أن أتعامل معها الليلة، لذا فهذه محطة سريعة بالنسبة لي”.
التخطيط للمحادثات: نقاط الحديث الجاهزة
التفكير مسبقًا في بعض المواضيع التي تستمتعين بمناقشتها يمكن أن يخفف من القلق. اطرحي أسئلة مفتوحة على زملائك، مثل “ما هي خططك للعطلات؟” أو “ماذا تحبين أن تفعلي في وقت فراغك؟”. تذكري أن إجاباتك لا يجب أن تكون مثالية. يمكنك ببساطة أن تقولي: “لم أفعل ذلك، لكن هذا يبدو مثيرًا للاهتمام”. تجنبي المواضيع المثيرة للجدل وركزي على الأمور الخفيفة والممتعة.
لا تبالغي في الصمت: تقبلي اللحظات الهادئة
لا داعي للقلق بشأن الصمت المحرج. إذا لم يكن لديك ما تقوله، فلا بأس بذلك. كما تقول أندريا تايلور، عالمة النفس في UTHealth Houston: “الصمت يشعرك بعدم الارتياح، ولكن هذا لا يعني أن من مسؤوليتك المحددة أن تملأ هذا الصمت”. إذا حدث ذلك أثناء محادثة، يمكنك الاعتراف بالموقف قائلة: “هذا أمر محرج لأننا معتادون على التحدث عن أشياء العمل، أليس كذلك؟”
البحث عن الحلفاء: الدعم المتبادل
ابحثي عن زملاء آخرين قد يشعرون بنفس الطريقة. قد يكون من الأسهل التحدث مع شخص يفهم مشاعرك. كما تتذكر كارلا برويت، مساعدة تطوير الأعمال، أنها كانت تبحث عن نساء أخريات لديهن أطفال أو رفاق من محبي الحيوانات الأليفة في فعاليات الشركة. “أستطيع أن أتحدث عن كلبي طوال اليوم”، تقول. لا تترددي في الاقتراب من الأشخاص الذين يبدون متحفظين وتقديم الدعم لهم.
هل يجب أن تحضري؟
في النهاية، قرار حضور حفلات العمل يعود إليك. إذا كنت تعانين من القلق الاجتماعي، فليس من الضروري أن تجبري نفسك على الذهاب. ومع ذلك، قد يكون من المفيد أن تحضري من حين لآخر، خاصةً إذا كان ذلك سيساعدك على بناء علاقات مهنية قوية. ركزي على النشاط نفسه، وحاولي ألا تبالغي في مشاعرك. كما تقول تايلور: “من الممكن أن تشعر بالقلق وتستمر في فعل الأشياء”.
بعد تلقي الدعوة، اسألي نفسك ما إذا كان من المهم حضور الحدث أم لا. إذا كان هدفك هو التحدث مع شخص أو شخصين محددين، فيمكنك المضي قدمًا بهذه النية ومنح نفسك مهلة زمنية. تذكري أن الاعتناء بصحتك النفسية هو الأولوية القصوى.
