أتلانتا (أ ف ب) – يشهد المشهد الديني في أمريكا تحولًا ملحوظًا، حيث يملأ المؤثرون المسيحيون من جيلي الألفية والجيل Z فراغًا متزايدًا، مستقطبين جمهورًا واسعًا عبر المنصات الرقمية. هؤلاء الرواد الجدد يقدمون إجابات للكتاب المقدس على أسئلة معقدة غالبًا ما تُترك دون معالجة في خطب الأحد التقليدية، مما يوفر للشباب مساحة آمنة للتساؤل والاستكشاف.
صعود المؤثرين المسيحيين: صوت جديد للجيل القادم
في عالم يتسم بالشكوك والتغيرات السريعة، يبحث الشباب عن معنى وهدف. ميغان آشلي، البالغة من العمر 35 عامًا، تجسد هذا التحول من خلال بودكاستها “In Totality”. تقول: “يمكنني أن أساعدك من الاثنين إلى السبت لأعطيك أشياء عملية تجعلك تشعر وكأنك لا تمشي في هذه المسيرة بمفردك”. هذا الشعور بالرفقة والدعم العملي هو ما يميز هؤلاء المؤثرين المسيحيين عن الخطاب الديني التقليدي. إنهم يتحدثون بصراحة عن المخاوف والشكوك، وعن تحديات المواعدة والعلاقات، وعن قضايا الثقافة المعاصرة، كل ذلك من خلال عدسة الكتاب المقدس.
لماذا ينجذب الشباب إلى هذا النوع من المحتوى؟
يعزو المراقبون هذا الازدياد في شعبية المؤثرين المسيحيين إلى عدة عوامل. أولاً، إنهم يقدمون محتوى متاحًا ومرنًا، يمكن الوصول إليه في أي وقت وفي أي مكان. ثانيًا، إنهم يتجنبون غالبًا التسميات الطائفية الصارمة، مما يجعلهم أكثر جاذبية للشباب الذين قد يكونون مترددين في الانتماء إلى مؤسسة دينية تقليدية. ثالثًا، إنهم يشاركون تجاربهم الشخصية، مما يجعلهم أكثر واقعية وقابلية للتواصل مع جمهورهم.
ليكراي مور، مغني الراب المسيحي ومقدم البودكاست، يرى أن سر نجاحهم يكمن في قدرتهم على تقديم “الحقيقة التي تغير الناس”. ويضيف: “هناك شيء يحدث وجوديًا – بشكل خارق للطبيعة – لا أستطيع تفسيره.” هذا الإحساس بالتأثير الروحي العميق هو ما يدفع الكثيرين إلى متابعة هؤلاء المؤثرين.
التحول الروحي والتجارب الشخصية
الكثير من هؤلاء المؤثرين المسيحيين لم ينشأوا في بيئة دينية متدينة. غالبًا ما يصفون تجربة تحول روحي جاءت نتيجة لمواجهة صعوبات أو الشعور بالفراغ في الحياة العلمانية. أرييل ريتسما، المشاركة في تقديم البودكاست “Girls Gone Bible”، تقول: “نحن نقول، اسمع، نحن أيضاً في حالة فوضى. لا بأس”. هذا الاعتراف بالضعف والصدق هو ما يربطهم بجمهورهم، ويشجعهم على مشاركة تجاربهم الخاصة.
التأثير على حضور الكنيسة والبحث عن المعنى
في الوقت الذي تشهد فيه أعداد الحضور في الكنائس انخفاضًا مستمرًا، يرى البعض أن المؤثرين المسيحيين يقدمون بديلاً جذابًا للشباب الباحث عن المعنى. وفقًا لمركز بيو للأبحاث، انخفضت نسبة الشباب (18-35 عامًا) الذين يؤمنون بالله “على وجه اليقين” من 65% في عام 2007 إلى 41% في الفترة 2023-2024. هذا الانخفاض في الإيمان المؤسسي يفسح المجال لظهور أشكال جديدة من الروحانية، يقودها هؤلاء المؤثرون.
التحديات والمخاطر المحتملة
على الرغم من التأثير الإيجابي المحتمل، يحذر الخبراء من بعض المخاطر المرتبطة بصعود المؤثرين المسيحيين. زاكاري شيلدون، المحاضر في جامعة بايلور في مجال الإعلام والدين والثقافة، يشير إلى أن “تعريض الناس للإيمان وتحديهم لطرح الأسئلة والبحث عن شيء أكثر” هو أمر جيد، لكنه يرى أيضًا “مخاطر محتملة في منحهم الكثير من السلطة على أساس شهرتهم وفطنتهم في وسائل التواصل الاجتماعي”.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي التركيز المفرط على الدراما عبر الإنترنت والمعتقدات المسيحية الأكثر سرية إلى إغفال الأساسيات، مثل الحب والتضحية. كما أن الخلافات السياسية والثقافية العميقة بين المسيحيين يمكن أن تظهر على الإنترنت، مما يؤدي إلى الانقسام والصراع.
المستقبل: المسيحية في العصر الرقمي
يبدو أن المؤثرين المسيحيين قد جاءوا ليمكثوا. إنهم يقدمون صوتًا جديدًا للجيل القادم، ويساعدونهم على استكشاف إيمانهم بطرق مبتكرة وجذابة. من خلال الجمع بين التكنولوجيا والروحانية، فإنهم يعيدون تعريف ما تعنيه المسيحية في العصر الرقمي.
إنهم يشجعون أيضًا على حضور الكنيسة، ويرون أنها مكان مهم للتجمع والتواصل. لكنهم يدركون أيضًا أن الكثير من الشباب قد يكونون بحاجة إلى مساحة أكثر مرونة وانفتاحًا للتعبير عن إيمانهم، وهو ما يوفره لهم العالم الرقمي.
في النهاية، يمثل صعود المؤثرين المسيحيين علامة على التغيرات العميقة التي تحدث في المشهد الديني في أمريكا. إنه دليل على أن الشباب لا يزالون يبحثون عن المعنى والهدف، وأنهم مستعدون لاستكشاف طرق جديدة للعثور عليه. شاركنا رأيك في هذا التحول، وهل تعتقد أن هذا النوع من التأثير الديني سيكون له مستقبل؟
