في السنوات الأخيرة، شهدت الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية نموًا ملحوظًا في أعداد الملتحقين بها في الولايات المتحدة، وهو نمو يعزى بشكل كبير إلى انتشار المحتوى الديني عبر الإنترنت. هذا التحول الرقمي، على الرغم من أنه يساهم في زيادة الوعي بالإيمان الأرثوذكسي، يثير أيضًا تساؤلات حول كيفية دمج هؤلاء المتحولين الجدد في مجتمع إيماني تقليدي قائم على المشاركة الشخصية والتجربة الروحية العميقة. هذا المقال يتناول ظاهرة التحول إلى الأرثوذكسية، الأسباب الكامنة وراءها، والتحديات التي تواجه الكنيسة في التعامل مع هذا التدفق المتزايد من المهتدين.

ازدهار الأرثوذكسية الشرقية في العصر الرقمي

غالبًا ما توصف الأرثوذكسية بأنها “أفضل سر محتفظ به” في أمريكا، حيث يمثل أتباعها حوالي 1% فقط من البالغين، وفقًا لمركز بيو للأبحاث. ومع ذلك، يشير الخبراء إلى أن هذا الرقم يشهد تغيرًا ملحوظًا، مدفوعًا بشكل أساسي بانتشار المحتوى الأرثوذكسي على الإنترنت. القس أندرياس بلوم، من كنيسة هولي ثيوفاني الأرثوذكسية في كولورادو سبرينغز، يلخص هذا التحول بعبارة بسيطة: “لقد اكتشفت الأرثوذكسية عبر الإنترنت. وتعلمت عنها عبر الإنترنت. والآن أنت هنا، انتهى الإنترنت”. هذه العبارة تعكس فلسفة الكنيسة في ضرورة الانتقال من التعلم النظري عبر الإنترنت إلى المشاركة الفعالة في الحياة الروحية للمجتمع.

موجات جديدة من المتحولين: تنوع متزايد

لم يعد التحول إلى الأرثوذكسية مقتصرًا على فئة معينة من الناس. ففي حين كان يُنظر إلى الرجال الشباب غير المتزوجين على أنهم المحرك الرئيسي لهذا الاتجاه، تشير البيانات الحديثة إلى تنوع أكبر في أوساط المهتدين. يشمل ذلك أفرادًا من خلفيات عرقية مختلفة، مثل السود واللاتينيين، بالإضافة إلى النساء والأسر الشابة. ماثيو نامي، المدير التنفيذي لمعهد الدراسات الأرثوذكسية، يؤكد على هذا التغيير، مشيرًا إلى أن المهتدين يأتون من مجموعة واسعة من الخلفيات الدينية، بما في ذلك الإسلام والسحر، بالإضافة إلى مختلف التقاليد المسيحية.

التبشير الرقمي: سيف ذو حدين

يلعب الإنترنت دورًا حاسمًا في تعريف الناس بالإيمان الأرثوذكسي. هناك عدد متزايد من منشئي المحتوى الأرثوذكسي الذين ينشرون مقاطع فيديو ومقالات ومدونات حول اللاهوت الأرثوذكسي، والتاريخ، والممارسات الروحية. من بين هؤلاء جوناثان باجو، نحات الأيقونات الكندي الذي يحظى بشعبية كبيرة على YouTube، حيث يتابعه حوالي 275 ألف مشترك.

ومع ذلك، يرى البعض أن هذا التبشير الرقمي يحمل في طياته بعض المخاطر. فقد يميل بعض منشئي المحتوى إلى تبني مواقف أيديولوجية أو سياسية متطرفة، أو إلى تقديم صورة مشوهة للإيمان الأرثوذكسي. سارة ريكاردي شوارتز، الباحثة في الدين والسياسة، توضح أن المسيحيين الأرثوذكس ليسوا بالضرورة يمينيين متطرفين، بل يمثلون أقلية ضمن تقليد ديني أقلية.

من الشاشة إلى الكنيسة: التحديات والتوقعات

بعد التعرف على الأرثوذكسية عبر الإنترنت، يجد العديد من المهتمين أنفسهم أمام تحدي الانتقال إلى الحياة العملية في الكنيسة. أبيا إيلين، وهي شابة لاتينية تحولت إلى الأرثوذكسية في أبريل 2024، لاحظت أن بعض الوافدين الجدد إلى الكنيسة قد يكونون متصلبين في آرائهم، ويريدون تطبيق ما تعلموه على الإنترنت بشكل حرفي، مما قد يعيق اندماجهم في المجتمع.

في المقابل، يواجه الكهنة مهمة التخفيف من تطلعات بعض المهتدين إلى القواعد والهيكل الصارم. القس توماس زين، عميد كاتدرائية القديس نيكولاس في بروكلين، يؤكد على أهمية المرونة داخل الإطار التقليدي للإيمان. وقد شهدت كنيسته زيادة كبيرة في الحضور، مما يعكس جاذبية الأرثوذكسية للعديد من الباحثين عن الروحانية.

الأرثوذكسية والبحث عن الذكورة

هناك جانب آخر مثير للاهتمام في هذه الظاهرة، وهو ارتباطها بالنقاشات الدائرة حول الذكورة والهوية. يشير البعض إلى أن العديد من المؤثرين الأرثوذكسيين يتفاعلون مع ما يسمى بـ “المانوسفير” – وهي شبكة من المحتوى عبر الإنترنت تستهدف الرجال الذين يتصارعون مع فهمهم للذكورة. غالبًا ما يتم تقديم الأرثوذكسية كبديل أو مكمل لنصائح المساعدة الذاتية التقليدية.

ومع ذلك، يحذر أرسطو بابانيكولاو، المدير المؤسس لمركز الدراسات المسيحية الأرثوذكسية، من أن فكرة ربط الذكورة بطريقة معينة بالإيمان الأرثوذكسي هي فكرة خاطئة. ويؤكد على أن الهدف من الإيمان هو الاتحاد بالله، وهو هدف لا يتطلب أي تعريف محدد للذكورة.

استجابة الكنيسة وتطلعات المستقبل

تدرك الكنيسة الأرثوذكسية الحاجة إلى التعامل مع هذا التدفق المتزايد من المهتدين بحكمة ورعاية. على الرغم من أن القيادة الكنسية لم تصدر بعد استجابات عامة شاملة، إلا أن بعض رجال الدين بدأوا في التحدث عن التحديات التي تواجههم، وضرورة توفير التوجيه الروحي المناسب للمهتدين الجدد.

المتروبوليت سابا، رئيس أبرشية أنطاكية الأرثوذكسية المسيحية في أمريكا الشمالية، حذر من حالات التطرف والأصولية، وأكد على أهمية توفير الرعاية الروحية للمهتدين الذين قد يكونون مجروحين نفسيًا أو عاطفيًا. دينا زينجارو، وهي معلمة في كلية اللاهوت بجامعة هارفارد، تدعو إلى استجابة أكثر قوة من القيادة الكنسية، ورفع الروح الحقيقية للإيمان الأرثوذكسي، التي تتجاوز النسخ المشوهة التي قد تنتشر عبر الإنترنت. إن مستقبل الأرثوذكسية في أمريكا يعتمد على قدرة الكنيسة على التكيف مع العصر الرقمي، مع الحفاظ على جوهرها الروحي وتقاليدها العريقة.

شاركها.