في كل أمسية، عندما تشتعل الأضواء في الفصل الثاني من مسرحية “التحرير” (Liberation) على مسارح برودواي، يتردد صدى الهتافات الداعمة مثل “Whoo!” و”نعم!”، وأحيانًا تصفيق حماسي، قبل أن تنطق أي شخصية بكلمة واحدة. هذا التفاعل العفوي من الجمهور ليس مجرد تقدير، بل هو تعبير عن التضامن مع رسالة المسرحية الجريئة. “التحرير” تقدم مشهدًا فريدًا ومؤثرًا، حيث تتجرد ست شخصيات من ملابسهن لمدة 15 دقيقة كاملة من الحوار، مما يثير تساؤلات حول الجسد، والتحرر، والتعبير عن الذات. هذا المشهد تحديدًا، والذي يمثل جوهر مسرحية التحرير، هو ما يجذب الانتباه ويشعل النقاش.
جوهر “التحرير”: استكشاف الجسد والتحرر الأنثوي
تستكشف المسرحية، من خلال مجموعة دعم نسائية مؤقتة في السبعينيات، مفهوم التحرر الأنثوي بطريقة حميمة وصادقة. تقول الكاتبة بيس وول إنها خشيت أن تُعرف مسرحيتها فقط بهذا المشهد الجريء، لكنها شعرت بالارتياح عندما أدركت أن المحادثة أصبحت أعمق وأكثر أهمية. ردود الفعل الإيجابية من الجمهور كانت بمثابة شهادة على قوة الرسالة التي تحملها المسرحية.
الفكرة الأساسية وراء هذا المشهد، كما توضح وول، نشأت من بحثها حول عمل مجموعات الدعم النسائية في السبعينيات. اكتشفت أن استكشاف أجسادهن كان حاجة أساسية لهؤلاء النساء، اللاتي نشأن في مجتمع يفرض عليهن قيودًا صارمة ويخجل من الحديث عن التشريح الأنثوي. في ذلك الوقت، عام 1970، شهد العالم نشر كتاب “أجسادنا، أنفسنا” (Our Bodies, Ourselves)، والذي يعتبر علامة فارقة في مجال صحة المرأة وحياتها الجنسية.
مشهد العري: أكثر من مجرد إثارة للجدل
المشهد، الذي تؤديه الممثلة سوزانا فلود كل ليلة، ليس مجرد عرض للعري، بل هو تمرين يهدف إلى إعادة اكتشاف الجسد وتقبله. تصف فلود أن النساء في المسرحية، اللاتي اعتادن أن يخضعن لتقييم الأطباء الذكور لأجسادهن، كن بحاجة إلى استعادة السيطرة على أجسادهن والتعرف عليها بشكل مستقل. “لم تكن هناك أي محادثة حول التشريح الأنثوي تعتبر مهذبة. وكانوا بحاجة، كوسيلة لأخذ الوكالة … للتعرف على أجسادهم. لذلك، تعروا”، كما تقول فلود.
يبدأ المشهد بتردد وانزعاج، حيث تعبر النساء عن مخاوفهن وشكوكهن حول أجسادهن. تتراوح الإجابات بين النقد اللاذع والاعترافات المؤثرة. مارجي، التي تلعب دورها بيتسي أيديم، تكره الندبة الناتجة عن ولادتها القيصرية، وتشعر بالظلم لأنها تحمل آثارًا جسدية لحياة الآخرين.
قوة المحادثة والتواصل الإنساني
تلاحظ فلود وجود تقارب ملحوظ بين موضوع المسرحية – أهمية الحديث مع بعضنا البعض – والتفاعل العفوي الذي تشهده من الجمهور كل ليلة. هذا التفاعل يعود جزئيًا إلى قاعدة فريدة تفرضها المسرحية: يجب على رواد المسرح تسليم هواتفهم عند الوصول، ليتم تأمينها في حقائب خاصة.
هذا الإجراء، الذي قد يبدو غير مريح للبعض، يهدف إلى خلق بيئة خالية من المشتتات، حيث يمكن للجمهور أن ينغمس بشكل كامل في التجربة المسرحية. يقول المنتج داريل روث إن هذا يخلق “شعورًا بالحرية” لدى الجمهور، ويسمح لهم بالتركيز على المسرحية والتواصل معها بشكل أعمق. تريسي بونبرست، وهي من رواد المسرح، تؤكد أن هذا الإجراء جعلها “أكثر انتباهًا، ومنغمسة في التجربة مما لو كنت أحمل هاتفي معي”.
“التحرير” وتأثيرها على الجمهور
تتعامل كل شخصية في المسرحية مع تمرين العري بشكل مختلف، مما يعكس التنوع في تجارب النساء وعلاقتهن بأجسادهن. هذا التنوع هو جزء من “التناقضات المعقدة للحركة النسوية” التي تسعى المسرحية إلى استكشافها.
تؤكد وول أن الجماهير كانت محترمة، وإن كانت مندهشة في بعض الأحيان. وتشير إلى أن هناك فرقًا كبيرًا بين مشاهدة العري على شاشة التلفزيون أو السينما، وبين تجربته في مساحة حية، حيث تتنفس نفس الهواء مع الممثلين. هذا القرب يخلق شعورًا بالضعف والانكشاف، ويجعل المشهد أكثر تأثيرًا.
بالنسبة للممثلين، أصبح تكرار المشهد مصدرًا للراحة والثقة. تدرك فلود أن الجزء المخيف ليس العري نفسه، بل الضعف العاطفي الذي يتطلبه التمثيل. “كان والداي مدرسين للتمثيل، وكانا دائمًا يقولان إن التمثيل هو إذلال خاضع للرقابة”، كما تقول مازحة.
في النهاية، مسرحية التحرير تقدم تجربة فريدة ومثيرة للتفكير، تدعو الجمهور إلى إعادة النظر في علاقته بأجساده، وببعضه البعض. إنها مسرحية عن الشجاعة، والضعف، والتحرر، وعن قوة المحادثة في عالم يزداد فيه الانفصال. إنها دعوة للتخلي عن الهواتف، والانخراط في اللحظة الحاضرة، والتواصل مع الآخرين على مستوى أعمق. لا تفوتوا فرصة مشاهدة هذا العمل الفني المؤثر، الذي يترك بصمة لا تُمحى في نفوس من يشاهده. تذاكر مسرحية التحرير متاحة حتى الأول من فبراير.
